هاته كالربيع في ألوانـــه كل شيء محبب في أوانه
موسم الشعر قد أظلك فاهتف مرحبا بالربيع في ريعانه
مسح الكون مقتليه ...وعادت نظرات الصبا الى أجفانه
وأفاقت من نومها هضبـات مسها موسم الهوى ببنانه
ومشى بالسرور في كل شيء في وهاد الحمى وفي كثبانه
في الرياض الغناء في الزهر الضاحـــك فيها في السهل وفي وديانه
في الطيور الطراب تصدح في أغصانــــها في الفراش في طيرانه
في الفضاء الرحب الجبل الشامــــــخ في عشبه وفي قطعانــه
في الخضم المواج في المركب السابــــح فوق العباب وفي ربانـه
كل شيء حتى الجكاد يغني هائما كالطير في ألحانــه
فابعث الشعر كالتغاريد واهتف هاهنا في زمانه و مكانــه
صغه في هذه الزهور وصغها من تقاطيعه ومن أوزانــه
لك في كل منظر ألف نبــع للقوافي من دره و جمانــه
موسم الشعر قد أظلك فاهتف مرحبا بالربيع في ريعانه
مسح الكون مقتليه ...وعادت نظرات الصبا الى أجفانه
وأفاقت من نومها هضبـات مسها موسم الهوى ببنانه
ومشى بالسرور في كل شيء في وهاد الحمى وفي كثبانه
في الرياض الغناء في الزهر الضاحـــك فيها في السهل وفي وديانه
في الطيور الطراب تصدح في أغصانــــها في الفراش في طيرانه
في الفضاء الرحب الجبل الشامــــــخ في عشبه وفي قطعانــه
في الخضم المواج في المركب السابــــح فوق العباب وفي ربانـه
كل شيء حتى الجكاد يغني هائما كالطير في ألحانــه
فابعث الشعر كالتغاريد واهتف هاهنا في زمانه و مكانــه
صغه في هذه الزهور وصغها من تقاطيعه ومن أوزانــه
لك في كل منظر ألف نبــع للقوافي من دره و جمانــه
محمد الأخضر السائحي
شرح المفردات:
ريعانه: الريع من كل شيء أوله وأفضله كريعانه مقتليه عيه بنانه : أصابعه وهاد : جمع وهدة وهي الأرض المنخفضة . تصدح : تغرد . الشامخ : العالي , كثير الارتقاع الخضم : البحر العباب : الأمواج دره : من خيره . جمانة الممتلىء من دره وجمانة : كناية عن الغزارة والكثرة والخصوبة
ريعانه: الريع من كل شيء أوله وأفضله كريعانه مقتليه عيه بنانه : أصابعه وهاد : جمع وهدة وهي الأرض المنخفضة . تصدح : تغرد . الشامخ : العالي , كثير الارتقاع الخضم : البحر العباب : الأمواج دره : من خيره . جمانة الممتلىء من دره وجمانة : كناية عن الغزارة والكثرة والخصوبة
التعريف بالشاعر
هو محمد الأخضر السائحي ولد بقرية العلية بدائرة توقرت بولاية ورقلة حفظ القرآن الكريم في صباه على عدة مشايخ وأجيز على حفظه سنة 1930 ثم أخذ يعلمه للصبيان في قريته مدة سنتين ونصف التحق في سنة 1933 بمدرسة الحياة بمدينة القرارة حيث تتلمذ على يد الشيخ بيوض مدة سنتين.
توجه سنة 1935 الى تونس ليلتحق بجامع الزيتونة ودرس بالزيتونة الى غاية 1939 حيث رجع الى توقرت مطاردا من السلطة الفرنسية فزج به في السجن.
حاول أثناء الحرب العالمية الثانية الخروج من المنطقة ولكن السلطة الفرنسية منعته من ذلك وأجبر على البقاء هنالك وفي سنة 1952 توجه الى العاصمة فعمل منسقا بالاذاعة وأستاذا في ثانوية حسيبة بن بوعلي بالقبة ثم مدرسا بمدرسة السعادة بحي بلوزداد ثم انقطع للانتاج الاذاعي الى ان جاء الاستقلال فجمع من جديد بين التعليم والاذاعة حتى تقاعد سنة 1980 .
نشر شعره في الكثير من الجرائد والمجلات التونسية والجزائرية بالخصوص وله مجموعة من المؤلفات والدواوين مثل : همسات وصرخات ( 1967 ) جمر ورماد ( 1980 ) وألوان بلا تلوين وهو مجموعة من النكت والطرائف ومن مجموعته الشعرية همسات وصرخات اخترنا منها النص الذي سنتناوله .
هو محمد الأخضر السائحي ولد بقرية العلية بدائرة توقرت بولاية ورقلة حفظ القرآن الكريم في صباه على عدة مشايخ وأجيز على حفظه سنة 1930 ثم أخذ يعلمه للصبيان في قريته مدة سنتين ونصف التحق في سنة 1933 بمدرسة الحياة بمدينة القرارة حيث تتلمذ على يد الشيخ بيوض مدة سنتين.
توجه سنة 1935 الى تونس ليلتحق بجامع الزيتونة ودرس بالزيتونة الى غاية 1939 حيث رجع الى توقرت مطاردا من السلطة الفرنسية فزج به في السجن.
حاول أثناء الحرب العالمية الثانية الخروج من المنطقة ولكن السلطة الفرنسية منعته من ذلك وأجبر على البقاء هنالك وفي سنة 1952 توجه الى العاصمة فعمل منسقا بالاذاعة وأستاذا في ثانوية حسيبة بن بوعلي بالقبة ثم مدرسا بمدرسة السعادة بحي بلوزداد ثم انقطع للانتاج الاذاعي الى ان جاء الاستقلال فجمع من جديد بين التعليم والاذاعة حتى تقاعد سنة 1980 .
نشر شعره في الكثير من الجرائد والمجلات التونسية والجزائرية بالخصوص وله مجموعة من المؤلفات والدواوين مثل : همسات وصرخات ( 1967 ) جمر ورماد ( 1980 ) وألوان بلا تلوين وهو مجموعة من النكت والطرائف ومن مجموعته الشعرية همسات وصرخات اخترنا منها النص الذي سنتناوله .
التعريف بالنص :
النص أدبي شعري من الأدب الجزائري الحديث غرضه الوصف وموضوعه التغني بالربيع والتعبير عن الابتهاج بهذا الفصل البديع جاء النص في قصيدة عمودية تحتوي على ثلاثة عشر بيتا تضم في مجملها فكرة عامة واحدة هي التغني بفصل الربيع فصل الحياة والجمال ويمكن ان تنقسم الى فكرتين أساسيتين :
الأولى: انبهار الشاعر بجمال الطبيعة في الربيع وسحره.
الثانية: أثر الربيع في الطبيعة وما أضقاه على عناصرها من جمال وبهاء وسحر.
أفكار النص قليلة قد لا تتعدى فكرتين لأن النص عبارة عن خلاصة انفعال شاعر بجمال الطبيعة في فصل الربيع وانه تعبير عن احساس بجمال فنان جاءت الفكرتين متسلسلتين في تسلل شاعري سياب مترابطين أشد الترابط الى درجة التداخل كما جاءتا مترتبتين ترتيبا نفسيا رائعا .
النص أدبي شعري من الأدب الجزائري الحديث غرضه الوصف وموضوعه التغني بالربيع والتعبير عن الابتهاج بهذا الفصل البديع جاء النص في قصيدة عمودية تحتوي على ثلاثة عشر بيتا تضم في مجملها فكرة عامة واحدة هي التغني بفصل الربيع فصل الحياة والجمال ويمكن ان تنقسم الى فكرتين أساسيتين :
الأولى: انبهار الشاعر بجمال الطبيعة في الربيع وسحره.
الثانية: أثر الربيع في الطبيعة وما أضقاه على عناصرها من جمال وبهاء وسحر.
أفكار النص قليلة قد لا تتعدى فكرتين لأن النص عبارة عن خلاصة انفعال شاعر بجمال الطبيعة في فصل الربيع وانه تعبير عن احساس بجمال فنان جاءت الفكرتين متسلسلتين في تسلل شاعري سياب مترابطين أشد الترابط الى درجة التداخل كما جاءتا مترتبتين ترتيبا نفسيا رائعا .
المعنى الاجمالي للنص :
إن عنوان النص مرحبا بالربيع قد يدل على موضوعه وانه الربيع بزهوره ونوره لاشك أن انصياع الشاعر بما أوتيه من حس مرهف وروح مجنحة – لمعاني الربيع المترائية – هو الذي أثار الطرب وهز اريحيته وحرك قريحته ليعبر عما أحس من سرور وما وجده من حبور ازاء هذا القادم ( الربيع).
ولذلك يكون –ولابد – الضمير في ( هاته ) عائدا على الشعر الذي داعب وجدانه ودغدغ كيانه و لأنه وسيلة الشاعر التعبيرية زاختار الشاعر ان يكون التماس الشعر من نفسه بطريقة التجريد البلاغية حيث جرد من نفسه شخصا يسأله ان يقول ويأمر ان يأتيه بالشعر ليشير اى أن حالته النفسية مهيأة أيما تهيؤ للقول.
ثم اختار ان يكون هذا الشعر صور طبق الأصل لألوان الربيع لأنه اذا كانت ألوانه- وهي ألوان أزهاره-أجمل مظاهره فان الشعر اذا كانت معانيه مطابقة لحال الشاعر وتعبيراعنها فانه مرآة مشاعره وكما انه اذا حل الربيع ازدانت الطبيعة وكذلك اذا ابتهج الشاعر راق الشعر وكل شيء في أوانه جميل ورائق وشائق هذا كله في البيت الأول ثم في البيت الثاني يؤكد الشاعر الارتباط بين الربيع والشعر حيث يجعل الربيع موسم الشعر ويجعل الشعر ابتهاجا به وفرحا بمقدمة ويأتي بعنوان النص ( مرحبا بالربيع ) مع تحديد نقطة انطلاق فعاليته وأثر ساحريته بأنها في ريعانه وأول قدومه.
ثم من البيت الثالث الى البيت التاسع يأخذ الشاعر في وصف الربيع ومظاهره وآثاره في الجماد والحيوان في البر والبحر في الأرض والسماء فيبدأ الأبيات بتشبيه الطبيعة بالكائن النائم نوما عميقا لكن حيث دبت فيه الروح اليقظة فمسح عينه وأفاق وطفق ليستشعر السرور بالحياة شيئا فشيئا في كل جسده عضوا عضوا، حيث اذا استوفاها رأى انه قد بلغ منتهاها وأجمل بعد تفصيل قال في البيت العاشر كل شيء حتى الجماد يغني وهو يقصد بالغناء معاني الحياة التي بثها فصل الربيع في الطبيعة
في البيت الحادي عشر يصارحنا بما طلبه من شخصه على طريقة التجريد ايضا فيقول فابعث كالتغريد واهتف .. ويكاد يكون هذا المعنى قول قبل موسم الشعر أظلك فاهتف ... ويصارحنا ايضا كما قلنا قبل بأن انطلاق فعالية الربيع في النفس والطبيعة هي في ريعانه فيقول: واهتف ها هنا في زمانه ومكانه .
إن عنوان النص مرحبا بالربيع قد يدل على موضوعه وانه الربيع بزهوره ونوره لاشك أن انصياع الشاعر بما أوتيه من حس مرهف وروح مجنحة – لمعاني الربيع المترائية – هو الذي أثار الطرب وهز اريحيته وحرك قريحته ليعبر عما أحس من سرور وما وجده من حبور ازاء هذا القادم ( الربيع).
ولذلك يكون –ولابد – الضمير في ( هاته ) عائدا على الشعر الذي داعب وجدانه ودغدغ كيانه و لأنه وسيلة الشاعر التعبيرية زاختار الشاعر ان يكون التماس الشعر من نفسه بطريقة التجريد البلاغية حيث جرد من نفسه شخصا يسأله ان يقول ويأمر ان يأتيه بالشعر ليشير اى أن حالته النفسية مهيأة أيما تهيؤ للقول.
ثم اختار ان يكون هذا الشعر صور طبق الأصل لألوان الربيع لأنه اذا كانت ألوانه- وهي ألوان أزهاره-أجمل مظاهره فان الشعر اذا كانت معانيه مطابقة لحال الشاعر وتعبيراعنها فانه مرآة مشاعره وكما انه اذا حل الربيع ازدانت الطبيعة وكذلك اذا ابتهج الشاعر راق الشعر وكل شيء في أوانه جميل ورائق وشائق هذا كله في البيت الأول ثم في البيت الثاني يؤكد الشاعر الارتباط بين الربيع والشعر حيث يجعل الربيع موسم الشعر ويجعل الشعر ابتهاجا به وفرحا بمقدمة ويأتي بعنوان النص ( مرحبا بالربيع ) مع تحديد نقطة انطلاق فعاليته وأثر ساحريته بأنها في ريعانه وأول قدومه.
ثم من البيت الثالث الى البيت التاسع يأخذ الشاعر في وصف الربيع ومظاهره وآثاره في الجماد والحيوان في البر والبحر في الأرض والسماء فيبدأ الأبيات بتشبيه الطبيعة بالكائن النائم نوما عميقا لكن حيث دبت فيه الروح اليقظة فمسح عينه وأفاق وطفق ليستشعر السرور بالحياة شيئا فشيئا في كل جسده عضوا عضوا، حيث اذا استوفاها رأى انه قد بلغ منتهاها وأجمل بعد تفصيل قال في البيت العاشر كل شيء حتى الجماد يغني وهو يقصد بالغناء معاني الحياة التي بثها فصل الربيع في الطبيعة
في البيت الحادي عشر يصارحنا بما طلبه من شخصه على طريقة التجريد ايضا فيقول فابعث كالتغريد واهتف .. ويكاد يكون هذا المعنى قول قبل موسم الشعر أظلك فاهتف ... ويصارحنا ايضا كما قلنا قبل بأن انطلاق فعالية الربيع في النفس والطبيعة هي في ريعانه فيقول: واهتف ها هنا في زمانه ومكانه .
وفي البيت الثاني عشر يؤكد لنا الشاعر مما سبق ايضا ان قلناه من ارتباط الشعر بالربيع حيث يقول : صغه من هذه الزهور وصغها من تقاطيعه ومن ألوانه فالشعر ربيع والربيع شعر لأن كليهما تعبير عن الحياة ومظهر للسرور ولأن في كليهما وجد الشاعر نفسه في غبطة وبهجة غريق جمال وأسير انفعال.
وفي البيت الأخير يخاطب الشاعر نفسه مبررا طلبه ومؤكدا سببه يصرح بما في الربيع من مظاهر الجمال ومعاني السرور وأنها دواع للقول قوية ومحركات للشعر فتية لا تنتهي الى حد .
وفي البيت الأخير يخاطب الشاعر نفسه مبررا طلبه ومؤكدا سببه يصرح بما في الربيع من مظاهر الجمال ومعاني السرور وأنها دواع للقول قوية ومحركات للشعر فتية لا تنتهي الى حد .
الخصائص الفنية للنص :
استعمل الشاعر بعض التقنيات اللغوية عن غير شعور منه ولكن يهدي شاعريته وانسياب مشاعره سنذكر هنا تقنيتين اثنتين :
أولهما استعماله ضمي المخاطب ظاهرا ومستترا وثانيهما استكثاره من العطف
فاما استعماله ضمير المخاطب فقد قلنا سابقا ان الشاعر جرد من نفسه شخصا يخاطبه وكأنه غيره وهذا ما يسمي عند البلاغين في علم البديع التجريد ولكن مع ذلك فان قارىء القصيدة يحس وكأنه هو المعني بذلك الضمير في مثل قوله وقد أظلك و فاهتف و فابعث الشعر ...
والشاعر انما اختار هذه التقنية بغرض جعل القارىء او السامع يرى يعيني الشاعر ما يراه من جمال الطبيعة ويسمع بأذنيه ما يسمعه .
وثانيهما استكثاره من العطف فنقصد به تلك المعطوفات التي سردها الواحدة تلو الأخرى بحرف مرة وبدونه مرات وذلك حين أراد ان يعبر عن سريان الحياة في الطبيعة وكيف انبث فيها بحلول الربيع السرور فقال : ومشى بالسرور في كل شيء ثم راح يفصل ما جمل بقوله : في كل شيء فقال في وهاد الحمى وفي كثبانه في الرياض الغناء .
فمن البيت الخامس الى التاسع توالت معطوفات كثيرة بعاطف واحد هو الواو وبغير عاطف مع تكرار الحرف في تسع عشرة مرة ولكل هذا معنى فالشاعر المأخوذ بجمال الربيع لم يشأ ان يكتفي بوصف اجمالي للطبيعة والا ما كان يعبر عن انبهاره واندهاشه تعبيرا رائعا فاعلا في نفوسنا بل اختار ان يذكر وفي لهفة كل تلك المناظر واختار عطف بعضها بغير عاطف حتى نحس معه ان جمال الربيع انبث في كل الطبيعة دفعة واحدة بل انه رغم استعمال العاطف انما استعمال الواو التي هي لمطلق الجمع واستعملها مرة واحدة واختار تكرار الحرف في الذي يفيد الظرفية ليفيد تمكن الحياة والسرور في أجزاء الطبيعة تمكن المظروف من الظرف.
أولهما استعماله ضمي المخاطب ظاهرا ومستترا وثانيهما استكثاره من العطف
فاما استعماله ضمير المخاطب فقد قلنا سابقا ان الشاعر جرد من نفسه شخصا يخاطبه وكأنه غيره وهذا ما يسمي عند البلاغين في علم البديع التجريد ولكن مع ذلك فان قارىء القصيدة يحس وكأنه هو المعني بذلك الضمير في مثل قوله وقد أظلك و فاهتف و فابعث الشعر ...
والشاعر انما اختار هذه التقنية بغرض جعل القارىء او السامع يرى يعيني الشاعر ما يراه من جمال الطبيعة ويسمع بأذنيه ما يسمعه .
وثانيهما استكثاره من العطف فنقصد به تلك المعطوفات التي سردها الواحدة تلو الأخرى بحرف مرة وبدونه مرات وذلك حين أراد ان يعبر عن سريان الحياة في الطبيعة وكيف انبث فيها بحلول الربيع السرور فقال : ومشى بالسرور في كل شيء ثم راح يفصل ما جمل بقوله : في كل شيء فقال في وهاد الحمى وفي كثبانه في الرياض الغناء .
فمن البيت الخامس الى التاسع توالت معطوفات كثيرة بعاطف واحد هو الواو وبغير عاطف مع تكرار الحرف في تسع عشرة مرة ولكل هذا معنى فالشاعر المأخوذ بجمال الربيع لم يشأ ان يكتفي بوصف اجمالي للطبيعة والا ما كان يعبر عن انبهاره واندهاشه تعبيرا رائعا فاعلا في نفوسنا بل اختار ان يذكر وفي لهفة كل تلك المناظر واختار عطف بعضها بغير عاطف حتى نحس معه ان جمال الربيع انبث في كل الطبيعة دفعة واحدة بل انه رغم استعمال العاطف انما استعمال الواو التي هي لمطلق الجمع واستعملها مرة واحدة واختار تكرار الحرف في الذي يفيد الظرفية ليفيد تمكن الحياة والسرور في أجزاء الطبيعة تمكن المظروف من الظرف.
* لغة النص:
لغة أدبية فصيحة سهلة العبارة مفرداتها منتقية رقيقة هامسة
* الصور الفنية :
حاضرة بالرغم من قلتها فنية خادمة للنص مبينة للمعاني معبرة عن أحاسيس الشاعر
لغة أدبية فصيحة سهلة العبارة مفرداتها منتقية رقيقة هامسة
* الصور الفنية :
حاضرة بالرغم من قلتها فنية خادمة للنص مبينة للمعاني معبرة عن أحاسيس الشاعر
* العاطفة :
عاطفة الشاعر عاطفة حب وإعجاب صادقة قوية ونبيلة
عاطفة الشاعر عاطفة حب وإعجاب صادقة قوية ونبيلة
* فوائد وقيم :
1- النفس البشرية مجبولة على حب الجمال ترتاح اليه ولا أدل على ذلك من حبنا كلنا للربيع وللمتعة التي نجدها فيه من منظر جميل وصوت غنائي
2- الشعراء هم أكثر الناس احساسا بالجمال وتعشقا فيه وهم الذين يبصروننا بمعانيه الحسية وغير الحسية.
3- كما ان الربيع فصل الحياة ومظهر جمال فالشعر كذلك فرصة حياة وقطعة جمال ذلك بالرياض الغناء والزهر الضاحك , ... و ....و ... وهذا بأوزانه الموسيقية وقوافيه وصوره البليغة ومعانيه
4- السائحي من عمالقة الشعر العمودي في الأدب الجزائري الذين عاشوا على فرضه وعبروا عن أدق خلجات نفوسهم به دون أن يرتدوا عنه ولا أن ينقادوا لغيره.
* نصوص تطبيقية *
عزيزي الطالب ، اليك هذه النصوص الشعرية كتطبيق وممارسة التحليل الذاتي و القراءة باتباع الخطوات المنهجية التي سبق أن اطلعت عليها في النماذج المحللة التي قدمناها لك، مع أننا ندعوك أن لا تتوقف عند هذا الحد، بل عليك بالإستزادة في المطالعة من أجل التحصيل المعرفي الذي يؤهلك الى القيام برسالتك كاملة.
2- الشعراء هم أكثر الناس احساسا بالجمال وتعشقا فيه وهم الذين يبصروننا بمعانيه الحسية وغير الحسية.
3- كما ان الربيع فصل الحياة ومظهر جمال فالشعر كذلك فرصة حياة وقطعة جمال ذلك بالرياض الغناء والزهر الضاحك , ... و ....و ... وهذا بأوزانه الموسيقية وقوافيه وصوره البليغة ومعانيه
4- السائحي من عمالقة الشعر العمودي في الأدب الجزائري الذين عاشوا على فرضه وعبروا عن أدق خلجات نفوسهم به دون أن يرتدوا عنه ولا أن ينقادوا لغيره.
* نصوص تطبيقية *
عزيزي الطالب ، اليك هذه النصوص الشعرية كتطبيق وممارسة التحليل الذاتي و القراءة باتباع الخطوات المنهجية التي سبق أن اطلعت عليها في النماذج المحللة التي قدمناها لك، مع أننا ندعوك أن لا تتوقف عند هذا الحد، بل عليك بالإستزادة في المطالعة من أجل التحصيل المعرفي الذي يؤهلك الى القيام برسالتك كاملة.
-عبد العالي رزاقي-
لمحة عن حياته و نشاطه:
من مواليد 03/04/1949 بمدينة عزابة شرقي الجزائر.
أستاذ بكلية العلوم السياسية والإعلامية – جامعة الجزائر.
حاصل على ماجستير في علوم الاعلام والاتصال حول موضوع سياسة الجزائر في ميدان الكتاب.
بدأ مشواره الصحفي في عام 1970 في جريدة الشعب الجزائرية.
واصل الكتابة في العديد من الصحف الجزائرية والعربية مثل الآداب البيروتية ومنبر أكتوبر والحياة اللندنية والجيل والشام والدولية.
ترأس تحرير مجلة آمال التابعة لوزارة الاعلام والثقافة وكذلك اسبوعية الشروق الثقافي ا لمستقلة.
من بين الكتاب الجزائريين المدرجين في موسوعة لاروس الموسومة بالاداب الاجنبية.
حائز على وسام الاستحقاق للدولة الجزائرية عام 1984.
يعمل الى جانب التدريس في كلية العلوم السياسية و الاعلامية مديرا لشركة المغرب العربي للثقافة والاتصال و الاعلام، وكاتب مقالات أسبوعية في ثلاث صحف جزائرية "صوت الاحرار" التابعة لجبهة التحرير الوطني، و أسبوعية السفير ذات التوجه الاسلامي, ويومية الاحداث المستقلة.
من أعماله الفكرية كتاب "الاحزاب السياسية في الجزائر" الى جانب كتب أخرى في الادب والثقافة، و ديوان شعري بعنوان"هموم مواطن يدعى عبد العال" و ديوان " الحب في درجة الصفر"الذي اخترنا لك منه – عزيزي الطالب – هذه القصيدة.
من مواليد 03/04/1949 بمدينة عزابة شرقي الجزائر.
أستاذ بكلية العلوم السياسية والإعلامية – جامعة الجزائر.
حاصل على ماجستير في علوم الاعلام والاتصال حول موضوع سياسة الجزائر في ميدان الكتاب.
بدأ مشواره الصحفي في عام 1970 في جريدة الشعب الجزائرية.
واصل الكتابة في العديد من الصحف الجزائرية والعربية مثل الآداب البيروتية ومنبر أكتوبر والحياة اللندنية والجيل والشام والدولية.
ترأس تحرير مجلة آمال التابعة لوزارة الاعلام والثقافة وكذلك اسبوعية الشروق الثقافي ا لمستقلة.
من بين الكتاب الجزائريين المدرجين في موسوعة لاروس الموسومة بالاداب الاجنبية.
حائز على وسام الاستحقاق للدولة الجزائرية عام 1984.
يعمل الى جانب التدريس في كلية العلوم السياسية و الاعلامية مديرا لشركة المغرب العربي للثقافة والاتصال و الاعلام، وكاتب مقالات أسبوعية في ثلاث صحف جزائرية "صوت الاحرار" التابعة لجبهة التحرير الوطني، و أسبوعية السفير ذات التوجه الاسلامي, ويومية الاحداث المستقلة.
من أعماله الفكرية كتاب "الاحزاب السياسية في الجزائر" الى جانب كتب أخرى في الادب والثقافة، و ديوان شعري بعنوان"هموم مواطن يدعى عبد العال" و ديوان " الحب في درجة الصفر"الذي اخترنا لك منه – عزيزي الطالب – هذه القصيدة.
صورتان تبحثان عن إطار
-1- -4-
أنا وأنت أخي... لماذا لا نفيق من سباتنا العميق
صورتان تبحثان عن إطار إلى متى ونحن سائرون في الدرب العتيق
يصلب في الجدار حتى متى يا فريق
أنت بقايا وحريق.. أخي لماذا لا نزيح عن وجوهنا الغطاء
وأنا ماض سحيق.. ننقض كالأعاصير...
قصة... رواية قد ملها التمثيل والتصفيق. على قصور الأغنياء
-2- ننفض عن مرآة أمسنا الغبار
أنا وأنت يا أخ العروبة الرحالة لعلنا ندرك ما خلف الستار
نهاية لقصة أليمة -5-
وضوء باهت تلفه سحابة عقيمة أخي..
يكاد يعبر الدروب أخي الطالب والعامل والفلاح
مكللا بالحزن كالغروب تعال نبحث عن إطار
مضرجا بالدم... عن مبدأ يقاوم التيار
جثة لأبطال الشمال والجنوب تعال...هذه يدي أمدها إليك من جزائر الثوار
صرخة ربان سفينة تذوب هلم نتحد
تغوص في أعماق يم يداك في يدي إلى الأبد.
تذيب أحشاء الزمان بالسأم
-3-
أنا وأنت يا شقيقي
مقلتا طفل بريء
تحملقان في وجوه الناس..
تبحثان عن أم حنون
لتمسح الأحزان عنهما وتنفض الشجون
وتسدل الستار عن مأساة هارون الرشيد
من ديوان الحب في درجة الصفر
سنة1970
- محمّد السّعيد الزّاهري -
* لمحة عن حياته ونشاطه:
ولد محمّد السّعيد الزّاهري, عام 1317/1899, في ليانة قرب بسكرة في الجزائر, وفيها حفظ القرآن, واستكمل دراسته الإبتدائيّة على مشايخ الأسرة الزّاهرية
ثمّ قصد الشّيخ عبد الحميد بن باديس, لينهل العلم على يديه, فأقام في مدرسته أربعة عشر شهراً, يصفها بقوله:" أقمت عنده بمدرسته زهاء أربعة عشر شهراً, رأيت فيها من العلم العريض, والإطلاع المحيط, واللسان العربي المبين, فما شعرت إلّا وقد دخلت في دور من القراءة جديد, لا عهد لي به من قبل".
ثمّ انتقل للدّراسة في جامع الزّيتونة بتونس, ذلك الجامع الجامعة, الّذي كانت تشدّ إليه الرّحال من الأقاصي البعيدة, ابتغاء العلم والمعرفة, ففيه كان يتجمّع خيرة العلماء, وكان بالإضافة إلى ذلك منبع النهضة الأدبيّة والعلميّة.
وكان الزّاهري يلازم الشّيخ معاوية التميمي, الّذي كان أحد علماء جامع الزّيتونة, وكان يقول عنه:" ما وجدت أوسع خبرة منه بكلام العرب, ولا أبصر منه بمواقع النقد, ولا أصحّ منه ذوقاً, ولا أحزم منه في تمحيص الحقّ من الباطل في كلّ مشكلة تنزل.......وكثيراً ما أعرض عليه القصيد فيعيب عليّ منه أشياء, فما زلت كذلك حتّى أصبحت إذا قلت قصيداً أعرف ما سيعيبه عليّ من الأشياء من قبل أن أعرضه, لأنّه إذا عاب شيئاً بيّن وجه العيب فأتنحّى عنه".
يعدّ الزّاهري من شعراء الجزائر المميزين, فهذا أمير البيان شكيب أرسلان قال إنّه يرى أنّ أركان الأدب في الجزائر في ذلك الوقت هم أربعة: محمّد السّعيد الزّاهري, وعبد الحميد باديس, والطّيّب العقبي, ومبارك الميلي. وشهادة الأمير هي أميرة الشهادات, فأمير البيان لا يشهد مجاملة أو رياء, إنّما عن اعتقاد صادق, ورأي واضح صريح.
إلّا أنّ محمّد السّعيد الزّاهري كتب إلى شكيب أرسلان رداً, بيّن فيه أنّ في الجزائر مجموعة أخرى من نوابغ الأدب والشعر, وقد ذكرهم له بأسمائهم. فانظروا إلى أمانة هذا الشّاعر وتواضعه!.
قد يجد غيره في هذه الشّهادة دليلاً على تميّزه ومكانته الرفيعة في عالم الأدب, ولكنّ الزّاهري آثر أن لا يغمط حقّ زملائه من الشعراء والأدباء الجزائريين, وأراد أن يعرّف أمير البيان عليهم, إعتقاداً منه أنّ شكيب أرسلان لم يسمع بهم قبل إصدار حكمه, وهذا إن عبّر عن شيء, فهو برأيي يعبّر عن أمانته, وثقته بنفسه, وإحساسه بالمسؤولية الّتي تلزمه التعريف بشعراء وأدباء يستحقّون الإهتمام والشهرة الّتي نالها.
كان شعر الزّاهري موظّفاً لغايّة أساسيّة, هي خدمة غاياته الإصلاحيّة, فقد كان يؤمن بأولوية الإصلاح, وتهيئة العقول, قبل رفع الشعارات
وكثيراً ما هاجم الإنحراف الديني, الّذي أبعد الناس عن الدّين الصحيح, وأغرقهم في غياهب الجهل والظلام, على يد رجال احترفوا الدجل, ولعبوا بعقول الناس, مستغلّين انجذاب الناس إلى الدين, ورغبتهم بالتقرّب إلى الله, حتّى حرفوهم عن دينهم الحقّ. يقول:
ســل اليراع على الّذين تصيدوا هذي العباد بصالح الدعوات
نصبوا الديانة شركة للكسب فاصـ ـطادوا بها من كان ذا غفلات
وكسى خدائعهم بثوب كرامــة ما من من حقب ومن سنوات
حتّى لقد صار التصوّف عــادة والناس أسرى في يـد العادات
أودى التصوّف بالعقول فلا تـرى في القوم عقلاً وهو غير موات
أنا وأنت أخي... لماذا لا نفيق من سباتنا العميق
صورتان تبحثان عن إطار إلى متى ونحن سائرون في الدرب العتيق
يصلب في الجدار حتى متى يا فريق
أنت بقايا وحريق.. أخي لماذا لا نزيح عن وجوهنا الغطاء
وأنا ماض سحيق.. ننقض كالأعاصير...
قصة... رواية قد ملها التمثيل والتصفيق. على قصور الأغنياء
-2- ننفض عن مرآة أمسنا الغبار
أنا وأنت يا أخ العروبة الرحالة لعلنا ندرك ما خلف الستار
نهاية لقصة أليمة -5-
وضوء باهت تلفه سحابة عقيمة أخي..
يكاد يعبر الدروب أخي الطالب والعامل والفلاح
مكللا بالحزن كالغروب تعال نبحث عن إطار
مضرجا بالدم... عن مبدأ يقاوم التيار
جثة لأبطال الشمال والجنوب تعال...هذه يدي أمدها إليك من جزائر الثوار
صرخة ربان سفينة تذوب هلم نتحد
تغوص في أعماق يم يداك في يدي إلى الأبد.
تذيب أحشاء الزمان بالسأم
-3-
أنا وأنت يا شقيقي
مقلتا طفل بريء
تحملقان في وجوه الناس..
تبحثان عن أم حنون
لتمسح الأحزان عنهما وتنفض الشجون
وتسدل الستار عن مأساة هارون الرشيد
من ديوان الحب في درجة الصفر
سنة1970
- محمّد السّعيد الزّاهري -
* لمحة عن حياته ونشاطه:
ولد محمّد السّعيد الزّاهري, عام 1317/1899, في ليانة قرب بسكرة في الجزائر, وفيها حفظ القرآن, واستكمل دراسته الإبتدائيّة على مشايخ الأسرة الزّاهرية
ثمّ قصد الشّيخ عبد الحميد بن باديس, لينهل العلم على يديه, فأقام في مدرسته أربعة عشر شهراً, يصفها بقوله:" أقمت عنده بمدرسته زهاء أربعة عشر شهراً, رأيت فيها من العلم العريض, والإطلاع المحيط, واللسان العربي المبين, فما شعرت إلّا وقد دخلت في دور من القراءة جديد, لا عهد لي به من قبل".
ثمّ انتقل للدّراسة في جامع الزّيتونة بتونس, ذلك الجامع الجامعة, الّذي كانت تشدّ إليه الرّحال من الأقاصي البعيدة, ابتغاء العلم والمعرفة, ففيه كان يتجمّع خيرة العلماء, وكان بالإضافة إلى ذلك منبع النهضة الأدبيّة والعلميّة.
وكان الزّاهري يلازم الشّيخ معاوية التميمي, الّذي كان أحد علماء جامع الزّيتونة, وكان يقول عنه:" ما وجدت أوسع خبرة منه بكلام العرب, ولا أبصر منه بمواقع النقد, ولا أصحّ منه ذوقاً, ولا أحزم منه في تمحيص الحقّ من الباطل في كلّ مشكلة تنزل.......وكثيراً ما أعرض عليه القصيد فيعيب عليّ منه أشياء, فما زلت كذلك حتّى أصبحت إذا قلت قصيداً أعرف ما سيعيبه عليّ من الأشياء من قبل أن أعرضه, لأنّه إذا عاب شيئاً بيّن وجه العيب فأتنحّى عنه".
يعدّ الزّاهري من شعراء الجزائر المميزين, فهذا أمير البيان شكيب أرسلان قال إنّه يرى أنّ أركان الأدب في الجزائر في ذلك الوقت هم أربعة: محمّد السّعيد الزّاهري, وعبد الحميد باديس, والطّيّب العقبي, ومبارك الميلي. وشهادة الأمير هي أميرة الشهادات, فأمير البيان لا يشهد مجاملة أو رياء, إنّما عن اعتقاد صادق, ورأي واضح صريح.
إلّا أنّ محمّد السّعيد الزّاهري كتب إلى شكيب أرسلان رداً, بيّن فيه أنّ في الجزائر مجموعة أخرى من نوابغ الأدب والشعر, وقد ذكرهم له بأسمائهم. فانظروا إلى أمانة هذا الشّاعر وتواضعه!.
قد يجد غيره في هذه الشّهادة دليلاً على تميّزه ومكانته الرفيعة في عالم الأدب, ولكنّ الزّاهري آثر أن لا يغمط حقّ زملائه من الشعراء والأدباء الجزائريين, وأراد أن يعرّف أمير البيان عليهم, إعتقاداً منه أنّ شكيب أرسلان لم يسمع بهم قبل إصدار حكمه, وهذا إن عبّر عن شيء, فهو برأيي يعبّر عن أمانته, وثقته بنفسه, وإحساسه بالمسؤولية الّتي تلزمه التعريف بشعراء وأدباء يستحقّون الإهتمام والشهرة الّتي نالها.
كان شعر الزّاهري موظّفاً لغايّة أساسيّة, هي خدمة غاياته الإصلاحيّة, فقد كان يؤمن بأولوية الإصلاح, وتهيئة العقول, قبل رفع الشعارات
وكثيراً ما هاجم الإنحراف الديني, الّذي أبعد الناس عن الدّين الصحيح, وأغرقهم في غياهب الجهل والظلام, على يد رجال احترفوا الدجل, ولعبوا بعقول الناس, مستغلّين انجذاب الناس إلى الدين, ورغبتهم بالتقرّب إلى الله, حتّى حرفوهم عن دينهم الحقّ. يقول:
ســل اليراع على الّذين تصيدوا هذي العباد بصالح الدعوات
نصبوا الديانة شركة للكسب فاصـ ـطادوا بها من كان ذا غفلات
وكسى خدائعهم بثوب كرامــة ما من من حقب ومن سنوات
حتّى لقد صار التصوّف عــادة والناس أسرى في يـد العادات
أودى التصوّف بالعقول فلا تـرى في القوم عقلاً وهو غير موات
كان الزّاهري بالإضافة إلى كتابة الشّعر يكتب القصة والمقال الإصلاحي, وبعض المواضيع القوميّة. وقد اشتغل بالصحافة, فأصدر جريدة الجزائر في إبريل نيسان من عام 1925م وجعل شعارها "الجزائر للجزائريين" وصدر منها ثلاثة أعداد فقط, ثمّ عطّلتها السّلطات الاستعماريّة. ثمّ أصدر البرق سنة 1927م, والوفاق سنة 1938م, والمغرب العربي سنة 1947م, وترّأس تحرير جريدة الصراط الّتي صدرت عام 1933م, والسنّة الّتي صدرت عام 1932م. وكانت هاتان الجريدتان تصدران عن جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين. وكلّ هذه الصحف كانت تصدر في جوّ من الرّقابة شديد, فقد كانت الرّقابة الاستعماريّة بالمرصاد للصّحافة الوطنيّة تعدّ عليها أنفاسها, وتتحين الفرص لتوقيفها.
وقد كتب الزّاهري مقالات كثيرة في صحف الشّرق, لاسيّما الرّسالة, والمقتطف, والفتح. بالإضافة إلى كتاباته الكثيرة في صحف بلده الجزائر, ومن أهمّها مجلّة الشّهاب الشّهيرة, ومجلّة الأمّة, والنور, وغيرها, وفي صحف المغرب عامّة.
وقد كانت كتاباته في هذه الصحف تُظهر لنا جوانب عظيمة من شخصيّة هذا الرجل الّذي قضّى حياته داعياً للإصلاح. وقد ترك لنا مجموعة كبيرة من المقالات الإصلاحيّة في هذه الصحف والمجلّات, وترك بالإضافة إلى ذلك عدداً من الكتب, مثل: كتاب الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير موضوع دراستنا, وحاضر تلمسان, وهو وصف دقيق مستوعب لمدينة تلمسان العاصمة التّاريخيّة للجزائر, وكتاب بين النخيل والرّمال, وهي فصول في وصف الواحات الجميلة بالجنوب الجزائري, وكتاب حديث خرافة, وهو نظرات وأفكار في الأدب والحياة, وكتاب شؤون وشجون, وهو فصول مختلفة في موضوعات متنوّعة.
استمرّ الزّاهري في دعوته الإصلاحيّة حتّى توفي عام 1376/ 1956, وكان من أبرز الكتّاب الجزائريين في تلك الفترة ، و اليك عزيزي الطالب نموذجا من شعره بعنوان:
وقد كتب الزّاهري مقالات كثيرة في صحف الشّرق, لاسيّما الرّسالة, والمقتطف, والفتح. بالإضافة إلى كتاباته الكثيرة في صحف بلده الجزائر, ومن أهمّها مجلّة الشّهاب الشّهيرة, ومجلّة الأمّة, والنور, وغيرها, وفي صحف المغرب عامّة.
وقد كانت كتاباته في هذه الصحف تُظهر لنا جوانب عظيمة من شخصيّة هذا الرجل الّذي قضّى حياته داعياً للإصلاح. وقد ترك لنا مجموعة كبيرة من المقالات الإصلاحيّة في هذه الصحف والمجلّات, وترك بالإضافة إلى ذلك عدداً من الكتب, مثل: كتاب الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير موضوع دراستنا, وحاضر تلمسان, وهو وصف دقيق مستوعب لمدينة تلمسان العاصمة التّاريخيّة للجزائر, وكتاب بين النخيل والرّمال, وهي فصول في وصف الواحات الجميلة بالجنوب الجزائري, وكتاب حديث خرافة, وهو نظرات وأفكار في الأدب والحياة, وكتاب شؤون وشجون, وهو فصول مختلفة في موضوعات متنوّعة.
استمرّ الزّاهري في دعوته الإصلاحيّة حتّى توفي عام 1376/ 1956, وكان من أبرز الكتّاب الجزائريين في تلك الفترة ، و اليك عزيزي الطالب نموذجا من شعره بعنوان:
ضقت ذرعا"
ضقت ذرعا برحب هذا الوجود ويقوم طول الزمان وقود
أوجه مثل أوجه الناس لكن خشب من ضلالة وجمود
قد بذلت الجهود لو كان يجدي في بلوغ المراد بذل الجهود
أيها العالم الرشيد الذي يمحض نصحا دوما لغير رشيد
« أنت في أمة تداركها الله بلطف كصالح في ثمود»
أنت إن جئتهم بعلم صحيح أنكروه وقابلوه بالجحود
وإذا جئتهم بحق صراح فندوا الحق أشنع التفنيد
وإذا ما دعواتهم لهدى خير الورى أو إلى الكتاب المجيد
زعموا أته نداء إلى دين جديد فأرجفوا بالجديد
أشاعوا عليك أنك تدعوا جهرة للألحاد والتجديد
وتمنوا لو أنهم أذاقوك صنوفا من العذاب الشديد
حجة الجاهلين تلك فما تلـ ـقى لهم غير «قزلة » أو عمود
ليس هذى «طريقة القوم» يا قوم ولا مذهب الإمام (الجنيد)
إنما مذهب الإمام تغاض وإخفاء مع العدو اللدود
ولو أن (الجنيد) يبعث هذا الـ ـيوم حيا إليكم من جديد
لدعاكم لما دعا (الطبيب العقـ ـبي) إليه بمقمع من حديد
قد تقلبت في الجزائر لم أتر ك قريبا منها ولا من بعيد
فإذا أمة تطيع الأى عندهـ ـم الدين قصعة من ثريد
من شيوخ مرابطين ومن يتـ ـبعهم من « مقدم » ومريد
« همة الشيخ » عندهم تنقذ الحا ئر في الفقر طائحا في البيد
إنما هي عناية الله ياقو م فلا تجعلوا له من نديد
وإذا العلم في الجزائر لا يجلـ ـب نفعا للعالم الصنديد
هو في قومه مقيم على الضيـ ـم مقام المسيح بين اليهود
يسعد الإثم « المقدم » فيهم وأخو الصالحات غير سعيد
هذه الحال في الجزائر لا تبغـ وا من الشرح بعد ذا من مزيد
أوجه مثل أوجه الناس لكن خشب من ضلالة وجمود
قد بذلت الجهود لو كان يجدي في بلوغ المراد بذل الجهود
أيها العالم الرشيد الذي يمحض نصحا دوما لغير رشيد
« أنت في أمة تداركها الله بلطف كصالح في ثمود»
أنت إن جئتهم بعلم صحيح أنكروه وقابلوه بالجحود
وإذا جئتهم بحق صراح فندوا الحق أشنع التفنيد
وإذا ما دعواتهم لهدى خير الورى أو إلى الكتاب المجيد
زعموا أته نداء إلى دين جديد فأرجفوا بالجديد
أشاعوا عليك أنك تدعوا جهرة للألحاد والتجديد
وتمنوا لو أنهم أذاقوك صنوفا من العذاب الشديد
حجة الجاهلين تلك فما تلـ ـقى لهم غير «قزلة » أو عمود
ليس هذى «طريقة القوم» يا قوم ولا مذهب الإمام (الجنيد)
إنما مذهب الإمام تغاض وإخفاء مع العدو اللدود
ولو أن (الجنيد) يبعث هذا الـ ـيوم حيا إليكم من جديد
لدعاكم لما دعا (الطبيب العقـ ـبي) إليه بمقمع من حديد
قد تقلبت في الجزائر لم أتر ك قريبا منها ولا من بعيد
فإذا أمة تطيع الأى عندهـ ـم الدين قصعة من ثريد
من شيوخ مرابطين ومن يتـ ـبعهم من « مقدم » ومريد
« همة الشيخ » عندهم تنقذ الحا ئر في الفقر طائحا في البيد
إنما هي عناية الله ياقو م فلا تجعلوا له من نديد
وإذا العلم في الجزائر لا يجلـ ـب نفعا للعالم الصنديد
هو في قومه مقيم على الضيـ ـم مقام المسيح بين اليهود
يسعد الإثم « المقدم » فيهم وأخو الصالحات غير سعيد
هذه الحال في الجزائر لا تبغـ وا من الشرح بعد ذا من مزيد
- د. صالح خرفي -
* لمحة عن حياته و نشاطه :
من مواليد بلدة القرارة بواد ميزاب سنة 1932م، تدرج في مختلف مراحل التعليم، ثم غادر الجزائرسنة1953م نحو تونس سنة 1946م حيث زاول مشواره التعليمي في جامع الزيتونة و مدارس الخلدونية، فتلمذ على علمائها و نال من حلقاتهم ألوانا من العلوم الشرعية و الفنون الأدبية.
كان يعمل على استنهاض همم الجزائريين الموجودين بتونس حول الثورة التحريرية .
انتقل سنة1957 الى مصر لمواصلة مشواره الدراسي في كلية الآداب بجامعة القاهرة ، فتحصل سنة 1960على شهادة الليسانس.
عاد بعد ذلك الى تونس لتولية مهمة كلفته بها الحكومة الجزائرية المؤقتة و هي التعبئة السياسية في صفوف اللاجئين الجزائريين في الحدود التونسية .
تحصل على شهادة الماجستير بجامعة القاهرة 1966م، ثم أطروحة الدكتوراه في موضوع" الشعر الجزائري الحديث" 1970م .
عمل مدرسا بالجامعة الجزائرية ، ثم رئيسا لمعهد اللغة و الأدب العربي من سنة 1971 م الى 1976م.
تولى رئاسة تحرير مجلة الثقافة في تلك الفترة كما كان ممن وضعوا اللبنات الأولى لتأسيس صرح اتحاد الكتاب الجزائريين .
غادر الجزائر مرة أخرى سنة1976م باتجاه القاهرة حيث عمل بالمنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم هناك ، ثم في تونس لاحقا التي بقي مقيما بها الى غاية وفاته يوم 24نوفمبر 1992م حيث نقل جثمانه بمسقط بوادي ميزاب.
آثاره : ترك العديد من البحوث و الدراسات الأدبية و العلمية و كذا دواوين شعرية منها " أطلس المعجزات الذي اخترنا لك - عزيزى الطالب - منه هذه القصيدة التي بعنوان " نداء الضمير".
* لمحة عن حياته و نشاطه :
من مواليد بلدة القرارة بواد ميزاب سنة 1932م، تدرج في مختلف مراحل التعليم، ثم غادر الجزائرسنة1953م نحو تونس سنة 1946م حيث زاول مشواره التعليمي في جامع الزيتونة و مدارس الخلدونية، فتلمذ على علمائها و نال من حلقاتهم ألوانا من العلوم الشرعية و الفنون الأدبية.
كان يعمل على استنهاض همم الجزائريين الموجودين بتونس حول الثورة التحريرية .
انتقل سنة1957 الى مصر لمواصلة مشواره الدراسي في كلية الآداب بجامعة القاهرة ، فتحصل سنة 1960على شهادة الليسانس.
عاد بعد ذلك الى تونس لتولية مهمة كلفته بها الحكومة الجزائرية المؤقتة و هي التعبئة السياسية في صفوف اللاجئين الجزائريين في الحدود التونسية .
تحصل على شهادة الماجستير بجامعة القاهرة 1966م، ثم أطروحة الدكتوراه في موضوع" الشعر الجزائري الحديث" 1970م .
عمل مدرسا بالجامعة الجزائرية ، ثم رئيسا لمعهد اللغة و الأدب العربي من سنة 1971 م الى 1976م.
تولى رئاسة تحرير مجلة الثقافة في تلك الفترة كما كان ممن وضعوا اللبنات الأولى لتأسيس صرح اتحاد الكتاب الجزائريين .
غادر الجزائر مرة أخرى سنة1976م باتجاه القاهرة حيث عمل بالمنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم هناك ، ثم في تونس لاحقا التي بقي مقيما بها الى غاية وفاته يوم 24نوفمبر 1992م حيث نقل جثمانه بمسقط بوادي ميزاب.
آثاره : ترك العديد من البحوث و الدراسات الأدبية و العلمية و كذا دواوين شعرية منها " أطلس المعجزات الذي اخترنا لك - عزيزى الطالب - منه هذه القصيدة التي بعنوان " نداء الضمير".
نداء الضمير" صالح خرفي"
يا حبيبي. ذكريات الأمس لم تبرح خيالي
كيف تغفو مقلتي عن حبنا عبر الليالي
لا تلمني، إن ترامت بي أمواج البعاد
لا تلمني . لم يزل يخفق للحب فؤادي
غير أن القلب هزته نداءات شجية
صعدتها في دجى الليل قلوب عربية
و جفون مسها الضيم فغصت بالدموع
فاستطارت شعلة الحب لهيبا في ضلوعي
و تراءت لي وراء الصوت أعلام البشائر
فوهبت الحب قربانا ، و بايعت الجزائر
يا حبيبي، ربعنا بالأمس، ربع الذكريات
إنه مأوى ذئاب كدرت صفو الحياة
كان عشا للتناجي، كان أنسا و نعيما
ثم أمسى للرؤى الغضة نارا و جحيما
يا حبيبي. كم فرشنا الربع وردا و زهورا
كم بنينا من هوانا لأمانينا قصورا
فتعالت صرخة الرعب . بأشباح المنايا
فاستحال الورد شوكا و دماء و ضحايا
يا حبيبي لم أحن عهدي و لا خنت هوايا
غير أن الحب أمسى ثورة بين الحنايا
لك حبي في ذرى (الأطلس) في تلك الروابي
فهناك الأفق الرحب لأحلام الشباب
لك حبي يوم تعلو بسمة النصر ثرانا
و يذيب الليلَ و الآلام فجر من دمانا
سوف ألقاك مع النصر، و أفراح البشائر
سوف نبني عشنا في ظل تحرير الجزائر
القاهرة 20/04/1960
يا حبيبي. ذكريات الأمس لم تبرح خيالي
كيف تغفو مقلتي عن حبنا عبر الليالي
لا تلمني، إن ترامت بي أمواج البعاد
لا تلمني . لم يزل يخفق للحب فؤادي
غير أن القلب هزته نداءات شجية
صعدتها في دجى الليل قلوب عربية
و جفون مسها الضيم فغصت بالدموع
فاستطارت شعلة الحب لهيبا في ضلوعي
و تراءت لي وراء الصوت أعلام البشائر
فوهبت الحب قربانا ، و بايعت الجزائر
يا حبيبي، ربعنا بالأمس، ربع الذكريات
إنه مأوى ذئاب كدرت صفو الحياة
كان عشا للتناجي، كان أنسا و نعيما
ثم أمسى للرؤى الغضة نارا و جحيما
يا حبيبي. كم فرشنا الربع وردا و زهورا
كم بنينا من هوانا لأمانينا قصورا
فتعالت صرخة الرعب . بأشباح المنايا
فاستحال الورد شوكا و دماء و ضحايا
يا حبيبي لم أحن عهدي و لا خنت هوايا
غير أن الحب أمسى ثورة بين الحنايا
لك حبي في ذرى (الأطلس) في تلك الروابي
فهناك الأفق الرحب لأحلام الشباب
لك حبي يوم تعلو بسمة النصر ثرانا
و يذيب الليلَ و الآلام فجر من دمانا
سوف ألقاك مع النصر، و أفراح البشائر
سوف نبني عشنا في ظل تحرير الجزائر
القاهرة 20/04/1960
النثر العربي الحديث و المعاصر (نصوص تطبيقية)
( 1 )
* جبران خليل جبران في:الأجنحة المتكسرة
"الأجنحة المتكسرة "
لا يذكر جبران خليل جبران إلا وتذكر له روايته الرائعة "الأجنحة المتكسرة" التي لم تقتصر وحسب على قصصي قوي السبك ، محكم العقدة ، جميل السياق، و إنما حلت كثيرا من روح جبران ، وعاطفته ، وعقله ، وأحاسيسه ء وخواطره ، وتأملاته ، كما تلونت بصور من خيالاته، و بإشرافات من ، أسلوبه الذي يحاكي أساليب الكتب المقدسة .
( 1 )
* جبران خليل جبران في:الأجنحة المتكسرة
"الأجنحة المتكسرة "
لا يذكر جبران خليل جبران إلا وتذكر له روايته الرائعة "الأجنحة المتكسرة" التي لم تقتصر وحسب على قصصي قوي السبك ، محكم العقدة ، جميل السياق، و إنما حلت كثيرا من روح جبران ، وعاطفته ، وعقله ، وأحاسيسه ء وخواطره ، وتأملاته ، كما تلونت بصور من خيالاته، و بإشرافات من ، أسلوبه الذي يحاكي أساليب الكتب المقدسة .
"الأجنحة المتكسرة " قصه ، قلبين ربطهما الحب السماوي برباطه القدسي ، فتفاهمت روحان ، وتلاقى حبيبان على دروب من الاحترام والمودة والوفاء . أحب جبران سلمى كرامة ( وهي حلا ظاهر ) ، ولكن تدخل الإقطاع الزمني ، جعل الحبيبة تزف إلى غير الحبيب ، فإذا الحب قربان تنحره الشهوات ، وتعصف به الأطماع ، وإذا الزواج وسيلة مشروعة للاستيلاء غير المشروع على ثروة الزوجية ووالدها . فقد اغتنم "المطران بولس غالب " فرصة ذهبية لإضافة
ثروة جديدة إلى ثروة ابن أخيه ، منصور بك غالب ، فطلب من فارس كرامي أن يوافق على تزويج ابنته سلمى من ابن أخي المطران ، وساعد المطران في تحقيق مرتجاه عاملان : احدهما خلق فارس كرامة وطيبته وضعف إرادته أمام رياء الناس . وثانيهما إساءة استعمال السلطة الدينية من قبل المطران في سبيل أغراض زمنية .
ومن الواضح أن رجلا يتزوج ، طمعا بثروة الزوجة ، سوف
يعاملها بما لا تطيب به نفسها، و سوف يعتبرها دمية أو تمثالا يضاف إلى التماثيل المنتصبة في أروقة منزله. و بين جدرانه.
ومن الطبيعي أيضا أن يتعذب فارس كرامة لعذاب ابنته ، وأن يجد في اقتراب الموت منه راحة لنفسه، وتحررا من هذه العبوديات المحيطة بعالمه من كل جانب ، فلا يبقى لأبنته من صديق تلوذ به في الملمات العصيبة، إذا حلكت النفس، واشتد ظلام الوجدان سوى جبران الذي عاش بها ولأجلها .
و ما كان هذا الزواج الزائف ليؤتي ثمرة طيبة تربط بالحب روحي الزوجين ، كما ربط المطران بالإكليل جسديهما ، حتى إذا انقضت خمس سنوات على ذلك الزواج ، تحرك الجنين في أحشاء سلمى ، ولكن يوم الولادة كان عسيرا ، إذ انقلبت فرحة الأرض بالوليد الجديد حزنا مزدوجا في السماء : لقد توفي الطفل ، ونوفيت الأم ، في لحظات ، كأنما صغيرها جاء الدنيا لينقدها من كهف زواجها المظلم ، وليطلق روحها مع روحه في سماء الحرية ، وتحت ظلال الله .
ومن الواضح أن رجلا يتزوج ، طمعا بثروة الزوجة ، سوف
يعاملها بما لا تطيب به نفسها، و سوف يعتبرها دمية أو تمثالا يضاف إلى التماثيل المنتصبة في أروقة منزله. و بين جدرانه.
ومن الطبيعي أيضا أن يتعذب فارس كرامة لعذاب ابنته ، وأن يجد في اقتراب الموت منه راحة لنفسه، وتحررا من هذه العبوديات المحيطة بعالمه من كل جانب ، فلا يبقى لأبنته من صديق تلوذ به في الملمات العصيبة، إذا حلكت النفس، واشتد ظلام الوجدان سوى جبران الذي عاش بها ولأجلها .
و ما كان هذا الزواج الزائف ليؤتي ثمرة طيبة تربط بالحب روحي الزوجين ، كما ربط المطران بالإكليل جسديهما ، حتى إذا انقضت خمس سنوات على ذلك الزواج ، تحرك الجنين في أحشاء سلمى ، ولكن يوم الولادة كان عسيرا ، إذ انقلبت فرحة الأرض بالوليد الجديد حزنا مزدوجا في السماء : لقد توفي الطفل ، ونوفيت الأم ، في لحظات ، كأنما صغيرها جاء الدنيا لينقدها من كهف زواجها المظلم ، وليطلق روحها مع روحه في سماء الحرية ، وتحت ظلال الله .
ويشيع الناس الجسدين الطاهرين البريئين ، وسط الدموع والحسرات ، وأمام تناقض في موقفين رهيبين : موقف زوج لا يستحي من الله و الناس، فلا تندرف دمعه في مآقيه ، و موقف رجل غريب عانق بروحه روح الراحلين ، يضطرب أمام عاصفة القدر الذي انتزع منه آخر آماله ، و ذرذر له بقايا أمانيه ، و دفن قلبه في التراب الذي ضم جثمان سلمى وجثمان طفلها الزائر الراحل .
وفي مجمل القصة التي يبدو من سياقها أن أحداثها هزت كيان جبران ، ووجهت حياته ، وسيطرت على أفكاره ، نلمح خطرات وأحداثا ، وأشخاصا ، لنا عليها ملاحظات :
أما الخطرات، فهي خلجات نفس جبران ، وهو حر فيها ، تتصف بالثروة والتجديد ، والدعوة إلى الحرية والحياة ، ولسوف نعرض بعضها في فصل نختاره ، اتفاقا من " الأجنحة المتكسرة " ، وعنوانه " أمام عرش الموت " .
وأما الأحداث ، فإن صح الكثير منها، ورجحت إمكانيات وقوع بعضها، فإن منها ما لا يتفق والواقع الذي عرفناه عن حياة جبران . لقد كان والد "جبران " فقيرا ´معدما ، في بشري ، وكان سكيرا قاسيا على عائلته ، يعمل في أملاك بعض الإقطاعيين ، و لكن جبران يُصرُّ على تقويل فارس كرامة ، في بداية الرواية : " أنت ابن صديق حبيب قديم صرفت ربيع العمر برفقته ، فما أعظم فرحي بمرآك، و كم أنا مشتاق إلى لقاء أبيك بشخصك."
و مثل هذا يتردد أكثر من مرة في رواية " الأجنحة المتكسرة" و خصوصا على لسان سلمى كرامة عند وداعها الأخير لجبران، حيث تذكر فاقة والد جبران ( الذي تجعله القصة صديقا لفارس كرامة) ، و هو أمر نرجح عدم صحته، إلا أن تكون صداقة لهو و شراب فحسب.
و أما سلمى كرامة (أي حلا ظاهر) التي أماتها جبران في آخر الرواية، حتى يستكمل عناصر المأساة ، فمن الثابت أنها تزوجت رجلا غير جبران حقا، و لمنها لم تمت قبل الكاتب ، بل كانت في طليعة الجاثيات حول نعشه، لما نقلت رفاته إلى مقره الأخير في دير مار سركيس قرب بشري.
وفي مجمل القصة التي يبدو من سياقها أن أحداثها هزت كيان جبران ، ووجهت حياته ، وسيطرت على أفكاره ، نلمح خطرات وأحداثا ، وأشخاصا ، لنا عليها ملاحظات :
أما الخطرات، فهي خلجات نفس جبران ، وهو حر فيها ، تتصف بالثروة والتجديد ، والدعوة إلى الحرية والحياة ، ولسوف نعرض بعضها في فصل نختاره ، اتفاقا من " الأجنحة المتكسرة " ، وعنوانه " أمام عرش الموت " .
وأما الأحداث ، فإن صح الكثير منها، ورجحت إمكانيات وقوع بعضها، فإن منها ما لا يتفق والواقع الذي عرفناه عن حياة جبران . لقد كان والد "جبران " فقيرا ´معدما ، في بشري ، وكان سكيرا قاسيا على عائلته ، يعمل في أملاك بعض الإقطاعيين ، و لكن جبران يُصرُّ على تقويل فارس كرامة ، في بداية الرواية : " أنت ابن صديق حبيب قديم صرفت ربيع العمر برفقته ، فما أعظم فرحي بمرآك، و كم أنا مشتاق إلى لقاء أبيك بشخصك."
و مثل هذا يتردد أكثر من مرة في رواية " الأجنحة المتكسرة" و خصوصا على لسان سلمى كرامة عند وداعها الأخير لجبران، حيث تذكر فاقة والد جبران ( الذي تجعله القصة صديقا لفارس كرامة) ، و هو أمر نرجح عدم صحته، إلا أن تكون صداقة لهو و شراب فحسب.
و أما سلمى كرامة (أي حلا ظاهر) التي أماتها جبران في آخر الرواية، حتى يستكمل عناصر المأساة ، فمن الثابت أنها تزوجت رجلا غير جبران حقا، و لمنها لم تمت قبل الكاتب ، بل كانت في طليعة الجاثيات حول نعشه، لما نقلت رفاته إلى مقره الأخير في دير مار سركيس قرب بشري.
و حكاية "المعبد القديم" الذي كان جبران يلتقي فيه بحبيبته عند أطراف غابة الصنوبر ببيروت في "حديقة الباشا" ، هي أيضا من صنع الخيال ، و من المقتضيات التي استوجبها رسم الظلال الرومانطيقية حول أحداث هذه الرواية.
وقد تكون ثمة أحداث أخرى تصرف جبران فيها ، أو بدلها ، ولكن ذلك لا يقلل في شيء من قيمة "الأجنحة المتكسرة " من حيث أنها رواية مكتملة العناصر الفنية الأساسية .
وأما أشخاص "الأجنحة المتكسرة " فنحن نكتفي بالوقوف ، تفصيلا أمام " عرش الموت" ، من هذه الرواية الجبرانية ، لنستشف ملامح ما رغب الكاتب في تقديمه من شخصيات المجتمع اللبناني و الشرقي ، يومذاك ، و لنتبين خواطره و آراءه ، و نعرض الطابع العام الذي تتميز به ضنا منا بأن هذا الفصل يكاد يجمل الخطوط العريضة لجميع الأشخاص الذين تدور حولهم أحداث ""الأجنحة المتكسرة "، فضلا عن أنه ينطوي على معظم الأفكار التي رغب جبران في بثها، من خلال روايته، على أننا لن نغفل الربط بين ما في هذا الفصل ، و ما حوله من فصول ، كلما دعت الحاجة إلى استكمال صورة ، أو توضيح فكرة.
لقد رغب جبران في فصل « أمام عرش الموت » ، تقدي لوحة حية للحظات الأخيرة التي عاشها "فارس كرامة " ، وحوله سلى ابنته ، وجبران ابن صديقه ، فيما ترفرف فوق رأسه أجنحة الموت ، وتلوح من الغيب أشباح الفناء .
وكعادته في اتخاذ الأسلوب القصصي وسيلة إلى غاية أبعد، رسم جبران في هذا الفصل صورا ، وأفصح عن خواطر وآراء:
صورة سلمى كرامة ، هي أول صورة هذا الفصل ، فهي من المدينة ترمز بوجودها إلى ابنة المستقبل . كانت " سلمى" في بيروت رمز المرأة الشرقية العتيدة ، و لكنها كالكثيرين الذين يعيشون قبل زمانهم قد ذهبت ضحية الزمن الحاضر، و نظير زهرة اختطفها تيار النهر، قد سارت قهرا في موكب الحياة نحو الشقاء.
و "سلمى" بعد هذا "امرأة تاعسة" ذات "قلب وجيع لم يلمسه الحب بأفراحه حتى صفعه بأحزانه"، وهي " امرأة ضعيفة لم تعانق الحياة حتى احتضنها الموت" ، و " ابنة محبة تبذل متوجعة بعلة والدها" ، و "صبية تحاكي زنبقة قطع عنقها حد المنجل" ، و هي يتيمة فقدت أمها ، و لما تبلغ الثانية من عمرها ، و لكنها كانت تنمو بسرعة نمو الهلال ، و تنعكس على وجهها ملامح أمها " مثلما تنعكس أشعة النجوم في حوض ماء هادئ".
و سلمى ، بعد هذا تعرف بأن والدها هو الأب و الأم و رفيق الحداثة ، و مهذب الشبيبة ، فإذا فقدته فقدت كل أمل في الحياة، لولا صداقة جبران ، و إخاؤه، و محبته ، و لذا تسمعها ، في ""الأجنحة المتكسرة "، و في هذا الفصل بالذات تكرر تضرعها إلى الله: " أشفق يا رب ، و شدد جميع الأجنحة المتكسرة ".
و صورة منصور بك غالب ، التي برزت ، قبل هذا الفصل، بملامحها الجلية، تطل هنا أيضا لتكشف عن ثراء زوج مستهتر يسكن في "منزل فخم قائم على شاطئ البحر في رأس بيروت، حيث يقطن وجهاء القوم و الأغنياء".
و الزوج كان " من أولائك الرجال الذين يحصلون بغير تعب على كل ما يجعل الحياة هنيئة، و لا يقنعون، بل يطمعون دائما إلى ما ليس لهم، و هكذا يضلون معذبين بمطامعهم إلى نهاية أيامهم". لذلك فهو لما استولى على أموال فارس كرامة ، بعدما استلم يد ابنته، " نسيه و هجره، بل صار يطلب حتفه توصلا إلى ما بقي من ثروته".
ثم تأتي صورة المطران بولس غالب الذي يصب جبران نقمته عليه ، و يفجر حقده كله في وجهه، لأنه سبب المأساة و ذلك في مقارنة بارعة يكشف كاتبنا فيها عن تسلط الإقطاعين الديني و الزمني في عصره.
و معلوم أن " شبيه الشيء منجذب إليه " ، فكيف إذا كان الشبيه هو ابن الأخ المستفيد بنفوذه الشخصي، و بنفوذ عمه أيضا؟
و إذا كان "المطران يبلغ أمانيه مستترا بأثوابه البنفسجية ، و يشبع مطامعه محتميا بالصليب الذهبي المعلق على صدره" ، فإن منصور بك غالب ، ابن أخيه ، "يفعل كل ذلك جهارا و عنوة".
و إذا كان المطران يذهب إلى الكنيسة في الصباح ، و يصرف ما بقي من النهار منتزعا الأموال من الأرامل و اليتامى و بسطاء القلب، فقد كان ابن أخيه يقضي النهار كله متبعا ملذاته ، ملاحقا شهواته في تلك الأزقة المظلمة ، حيث يختمر الهواء بأنفاس الفساد.
و إذا كان المطران يقف يوم الأحد أمام المذبح، و يعظ المؤمنين بما لا يتعظ به، و يصرف أيام الأسبوع مشتغلا بسياسة البلاد، فإن ابن أخيه يصرف جميع أيامه متاجرا بنفوذ عمه بين طالبي الوظائف و مريدي الوجاهة .
و إذا كان المطران لصا يسير مختبئا بستائر الليل، فإن منصور بك غالب محتال يمشي بشجاعة في نور النهار.
إن في هذه السياط الموجعة التي ينهال بها جبران على ظهور الإقطاعيين الزمنيين و الدينيين معا، أصداء لما ردده في فصل سابق عنوانه " بحيرة النار" ، إذ يقول"
"إن رؤساء الدين في الشرق لا يكتفون بما يحصلون عليه أنفسهم من المجد و السؤدد، بل يفعلون كل ما في وسعهم ليجعلوا أنسباءهم في مقدمة الشعب ، و من المستبدين به و المستدرين قواه و أمواله . إن مجد الأمير ينتقل بالإرث إلى ابنه البكر بعد موته . أما مجد الرئيس الديني ، فينتقل بالعدوى إلى الإخوة و أبناء الإخوة في حياته. و هكذا يصبح الأسقف المسيحي و الإمام المسلم ، و الكاهن البرهمي كأفاعي البحر التي تقبض على الفريسة بمقابض كثيرة ، و تمتص دماءها بأفواه عديدة" .
و ما كان ينقص جبران إلا أن يضيف "حاخام اليهود" إلى هؤلاء، حتى تكتمل سنفونيته الثائرة.
و واضح أن جبران لم يكن يقصد التهجم على الأديان و الشرائع، في هذا الحديث، بل كان يرمي إلى التعرض لهؤلاء المتاجرين بالأديان، من أي طائفة كانوا، و لأي شعب انتسبوا.
و أما نظرة جبران الحقيقية إلى الدين فهي هذه: "الدين هو ما أثار القلب ، و متى كان ضمير جاري كنور الشمس حيا نقيا، و قلبه كوردة تتفتح في الفجر لتستقبل ندى السماء ، فلا فرق عندي إن ذكر بين الدراويش ، أو سجد مع اليسوعيين ، أو اغتسل في نهر الكنج مع البوديين".
و لا ريب في أن هذا هو التدين الصادق، و التسامح الإنساني الصحيح.
و أما صورة فارس كرامة التي عرفناها في فصل "يد القضاء" ، فهي صورة واحد من القليلين الذين يجيئون هذا العالم و يغادرونه قبل أن يلامسوا بالأذى نفس مخلوق" و أحد أولئك الرجال الذين يكونون غالبا تعساء مظلومين ، لأنهم يجهلون سبل الاحتيال التي تنقدهم من مكر الناس و خبثهم. إنها هنا صورة تبرز إنسانا غلب على أمره ، و زوج ابنته ممن لا يرغب فيه و لا يطمئن له ، و غدا وحده في ذلك البيت المنفرد بين الحدائق و البساتين إنفراد الراعي بين أغنامه ، ثم انه اعتل ، فاستلقى على فراشه ، مضنى الجسم ، شاحب الوجه ، أصفر اللون قد غرقت عيناه تحت حاجبيه فبانتا كهُوّتين عميقتين مظلمتين تجول فيهما أشباح السقم و الألم ، أما ملامحه فقد تقلصت واكفهرت و أصبحت كصحيفة رمادية متجعدة تكتب عليها العلة سطور غريبة ملتبسة ، و أما يداه ، فقد نحلتا حتى بدت عظام أصابعهما من تحت الجلد كقضبان عارية ترتعش أمام العاصفة.
إن فارس كرامة في هذا الفصل ، والد دنف يذوب ضنى لتعاسة ابنته ، و شيخ يمثل بيتا قديما هدمه الطوفان حتى جعله وابنته و جبران ألعوبة بين أصابع الدهر. و هو أيضا زوج وفي للمرأة التي ماتت و خلفت له سلمى ، قبل بلوغها الثالثة من عمرها، يحتفظ بصورة زوجته ، و يقدمها كأنها وصيته الأخيرة إلى ابنته الوحيدة المعذبة ، و هو رجل حكمة ، يكبر على الموت ، فلا يكبر الموت عليه، و إذا به يقول لسلمى ، ما قالته أمها يوم ماتت : " إن القلب بعواعطفه المتشعبة يماثل الأرزة بأغصانها المتفرقة ، فإذا ما فقدت شجرة الأرز غصنا قويا ، تتألم ، و لكنها لا تموت، بل تحول قواها الحيوية إلى الغصن المجاور لينمو و يتعالى و يملأ بفروعه الغضة مكان الغصن المقطوع ".
حتى إذا بدأت نفسه المتعبة ترتجف كشعلة السراج أمام الريح ، و لمحت عيناه ما وراء الغيوم ، و سمع من وراء الغيب نداء زوجته ، ودع ابنته و جبران ، وداعا حزينا مؤثرا ، مبديا رغبته في عدم استدعاء ، لئلا يطيل بمساحيقه ساعات سجنه ، لأن أيام العبودية قد مضت.
فطلبت روحي حرية الفضاء ، و كذلك في عدم استدعاء الكاهن ، لأن تعاليمه لا تكفر عن ذنوبي إن كنت خاطئا ، و لا تسرع بي إلى الجنة إن كنت بارا .
و مثلما يوصي فارس كرامة ، ابن صديقه جبران بأن لا يبتعد عن سلمى ابنته ، و بأن يتلو على مسمعها أحاديث الفرح ، و ينشدها أغاني الحياة فتسلو و تتناسى ، كذلك يوصي ابنته بأن جسده يرقد مع الذين رقدوا ، و أن تدع روحه تستيقظ لأن الفجر قد لاح و الحلم قد انتهى : " قبلي روحي بروحك ، قبليني قبلة رجاء و أمل ، و لا تسكبي قطرة من مرارة الحزن على جسدي لئلا تمتنع الأعشاب و الأزهار عن امتصاص عناصره . و لا تذرفي دموع اليأس على يدي لأنها تنبت شوكا على قبري ، و لا ترسمي بزفرات الأسى سطرا على جبهتي لأن نسيم السحر يمر و يقرأه ، فلا يحمل غبار عظامي إلى المروج الخضراء.. قد أحببتك بالحياة يا ولدي و سوف أحبك بالموت فتطل روحي قريبة منك لتحميك و ترعاك" .
و الصورة الأخيرة بل الصورة الأولى و الأخيرة في هذا الفصل خاصة ، و في " الأجنحة المتكسرة" ، فهي صورة جبران خليل جبران الذي تدرجت محبته من شغف فتى في صباح العمر بامرأة حسناء إلى نوع من تلك العبادة الخرساء التي يشعر بها الصبي اليتيم نحو روح أمه الساكنة في الأبدية. و الذي تحولت صبابته إلى كآبة عمياء لا ترى غير نفسها ، و انقلبت ولعه الذي كان يستدر الدموع من عينيه إلى وله «يستقطر الدم» من قلبه ، و غدت أنة الحنين التي كانت تملأ ضلوعه صلاة عميقة تقدمها روحه أمام السماء ، مستمدة السعادة لسلمى ، و الغبطة لبعلها ، و الطمأنينة لوالدها.
إنها صورة جبران الثائر على مفاسد المجتمع ، و على استغلال النفوذ من قبل اللصوص و المحتالين ، ذوي النفوس المعوجة و الأخلاق الفاسدة ، صورة الرجل المنعزل عن الناس ، و لا رفيق له سوى أحلام تتصاعد بنفسه تارة فتبلغها الكواكب ، و تنخفض بقلبه طورا ، فتلحده بجوف الأرض ، صورة الكئيب الذي تجد نفسه راحة بالعزلة و الانفراد، فتهجر الناس ، مثلما يبتعد الغزال الجريح عن سربه ، و يتوارى في كهفه حتى يبرأ أو يموت .
إنها أيضا صورة جبران المتمرد، الداعي إلى التمرد ، و القوي المروج للقوة ، في تصميم و عناد و كبرياء : " تعالي يا سلمى ، تعالي ننتصب كالأبراج أمام الزوبعة . هلمي نقف كالجنود أمام الأعداء ، متلقين شفار السيوف بصدورنا لا بظهورنا ، فإن صرعنا ، نمت كالشهداء ، و إن تغلبنا نعش كالأبطال ...هلمي نسر ، يا سلمى ، بقدم ثابتة على هذه الطريق الوعرة ، رافعين أعيننا نحو الشمس كي لا نرى الجماجم المطروحة بين الصخور ، و الأفاعي المنسابة بين الأشواك ، فإن أوقفنا الخوف في منتصف الطريق ، أسمعتنا أشباح الليل صراخ الاستهزاء و السخرية ، و إن بلغنا قمة الجبل بشجاعة ، تترنم معنا أرواح الفضاء بأنشودة النصر و الاستظهار " .
و أخيرا تبدو صورة جبران ، و قد حلت المأساة بسلمى كرامة ، بوفاة والدها ، واستيلاء زوجها على أموالها ، صورة إنسان ضائع بين أحلامه و هواجسه، تنتابه " الأيام و الليالي مثلما تنتاب النسور و العقبان لحمان الفريسة " ، و هكذا لا يرى سوى الأشباح السوداء في مواكب الأجيال ، و لا يسمع من أنغام الأمم سوى الندب و النواح.
***
تبقى، بعد صور شخصيات "الأجنحة المتكسرة" ، في هذا الفصل خواطر جبران و آراؤه المنبثة " أمام عرش الموت" :
فمن آراء جبران أن الزيجة تجارة مضحكة مبكية ، في أيامه، إذ يتولى أمورها الفتيان و آباء الصبايا ، فيربح الفتيان في أكثر المواطن، و يخسر الآباء دائما ،و أما الصبايا فتزول بهجتهن إذ ينتقلن كالسلع من منزل إلى منزل ، و يصبحن كالأمتعة العتيقة ، تدفن في زوايا المنازل " حيث الظلمة و الفناء البطيء".
و رأي كهذا ، يؤدي بطبيعة الحال ، إلى رأي آخر عن المرأة التي أنمت المدينة الحاضرة مداركها قليلا ، و لكنها زادت أوجاعها " بتعميم مطامع الرجال" . المرأة بالأمس كانت خادمة سعيدة ، عمياء تسير في نور النهار ، جميلة بجهلها ، فاضلة ببساطتها ، قوية بضعفها ، و لقد انقلبت ، أيام جبران ، سيدة تسعة ، مبصرة تسير في ظلمة الليل ، قبيحة بتفننها ، سطحية بمداركها ، بعيدة عن القلب بمعارفها .
وهكذا فإن المرأة الضعيفة هي رمز الأمة المظلومة، في نظر جبران، والمرأة المتوجعة بين ميول نفسها وقيود جسدها، هي كالأمة المتعذبة بين حكامها وكهانها.
ثم تطل السخرية مقهقهة، إذ يصف جبران الزواج بأنه شهر عسل يترك وراءه شهور الخل والعلقم، مثلما "تترك أمجاد الحروب جماجم القتلى في البرية البعيدة" . وهكذا يقول جبران في صراحة لا حدود لها: "إن بهرجة الأعراس الشرقية تصعد بنفوس الفتيان والصبايا صعود النسر إلى ما وراء الغيوم، ثم تهبط بهم هبوط حجر الرحى إلى أعماق اليم، بل هي مثل آثار الأقدام على الشاطئ، لا تلبث أن تمحوها الأمواج" .
وجبران يؤمن بسنة النشوء والارتقاء، في تمنيه على المرأة اجتماع جمالها بمعرفتها، وتفننها بفضيلتها، وضعف جسدها بقوة نفسها: "أنا من القائلين إلى الارتقاء الروحي سنة في البشر، والتقرب من الكمال شريعة بطيئة، لكنها فعالة" .
ومثل هذه الفكرة تتردد في كتابه "العواصف" حيث يقول :
"أنا من القائلين بسنة النشوء والارتقاء، وفي عرفي أن هذه السنة تناول بمفاعيلها الكيانات المعنوية بتناولها الكائنات المحسوسة، فتنتقل بالأديان والحكومات من الحسن إلى الأحسن، انتقالها بالمخلوقات كافة من المناسب إلى الأنسب. فلا رجوع إلى الوراء إلا في الظاهر، ولا انحطاط إلا في السطحي.
ولسنة الارتقاء سبل متشعبة،يتفرع بعضها من بعض ولكنها متلازمة الأصول، ومظاهر قاسية ظالمة مظلمة، تنكرها الأفكار المحدودة، وتتمرد عليها القلوب الضعيفة، أما خفاياها فعادلة منيرة، متمسكة بحق أسمى من حقوق الأفراد، محدقة إلى غرض من مرام الجماعة، مصغية إلى صوت يغمر بهوله وعذوبته تنهدات المنكوبين، و غصَّات المتوجعين" .
ومن خطرات جبران، في هذا الفصل، حول ما يعترض سبيل الإنسان المتقدم إلى أهدافه، من عوائق وعثرات، قوله: "إن العقبات التي تبلغنا قمة الجبل، لا تخو من مكامن اللصوص وكهوف الذئاب".
ومن خطراته أيضا، حول الأشخاص الذين يعيشون قبل زمانهم، قوله: "لا تخلو المدينة من إمرة ترمز بوجودها عن ابنة المستقبل" .
ومن خطراته حول المرأة، وقد سكبها في صيغة تساؤل العارف، قوله: "أو ليست العواطف الخفية التي تذهب بالصبية الجميلة إلى ظلمة القبر هي كالعواصف الشديدة التاي تغمر حياة الشعوب بالتراب؟ ".
وقوله: "إن المرأة من الأمة بمنزلة الشعاع من السراج، وهل يكون شعاع السراج ضئيلا إن لم يكن زيته شحيحا؟ " .
ولقد سبقت الإشارة، لدى رسم صورة جبران في هذا الفصل، إلى خاطرته القائلة: "إن النفس الكئيبة تجد راحة بالعزلة والانفراد" .
وفي حديثه إلى سلمى، وهي أمام التجربة التي حلت بها، لدى نزاع والدها، يقول جبران، في قوة ومكابرة:
"إن عذاب النفس بثباتها أمام المصاعب والمتاعب لهو أشرف من تقهقرها إلى حيث الأمن والطمأنينة. فالفراشة التي تظل مرفرفة حول السراج حتى تحترق، هي أسمى من الخلد الذي يعيش براحة وسلامة في نفقه المظلم . والنواة التي لا تحمل برد الشتاء وثورات العناصر، لا تقوى على شق الأرض، ولن تفرح بجمال نيسان".
ومن جديد، وبصيغة تساؤل العارف، يقول جبران، على لسان سلمى كرامة التي عرفت أن جبران يؤاسيها في وقت هو أحوج منها فيه إلى من يؤاسيه:
"أيعطي الفقير الجائع خبزه للجائع الفقير؟ أو يصف العليل دواء لعليل آخر، وهو أحرى بالدواء؟".
وعلى لسان الشيخ المتهاوي أمام أشباح الفناء، يدير جبران هذا الكلام:
"إن أيامنا مثل أوراق الخريف تتساقط، وتتبد أمام وجه الشمس".
كما يعود جبران إلى إنطاق سلمى كرامة، بهذا الكلام:
"إن الحزينة لا تتصبر بحزن جارتها، كما أن الحمامة لا تطير بأجنحة مكسورة"، وأن الأخ "يشترك بالمصيبة ولا يخففه، ويساعد بالبكاء، فيزيد الدمع مرارة والقلب احتراقا" .
ومن أقوال جبران أيضا، على لسان فارس كرامة، وهو في النزع الأخير:
"إن الحزن على الأموات غلطة من أغلاط الأجيال الغابرة".
وكذلك قوله في الموقف ذاته:
"أن إرادة البشر لا تغير مشيئة الله، كما أن المنجمين لا يحولون مسير النجوم".
ومثل هذا قوله أيضا:
إن "اللجة تنادي اللجة، أما السفينة، فتظل سائرة حتى تبلغ الساحل" .
ومن أقوال جبران خليل جبران، في آخر هذا الفصل:
"يضعف القنوط بصيرتنا، فلا نرى غير أشباحنا الرهيبة"، و"يصم اليأس آذاننا، فلا نسمع غير طرقات قلوبنا المضطربة".
ولعل أجمل ما في هذا الفصل من خواطر عبر فيها جبران عن شعوره وشعور كل ابن بار نحو أمه الفاضلة التقية الطاهرة المباركة، هذه العبارات:-
"إن أعذب ما تحدثه الشفاه البشرية هو لفظة "الأم"، وأجمل مناداة هي: "يا أمي". كلمة صغيرة كبيرة مملوءة بالأمل والحب والانعطاف، وكل ما في القلب البشري من الرقة والحلاوة والعذوبة.
الأم هي كل شيء في هذه الحياة، هي التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في الضعف، هي ينبوع الحنو والرأفة والشفقة والغفران، فالذي يفقد أمه، يفقد صدرا يسند إليه رأسه، ويدا تباركه، وعينا تحرسه... كل شيء في الطبيعة يرمز ويتكلم عن الأمومة، فالشمس هي أم هذه الأرض، ترضعها حرارتها، وتحتضنها بنورها، ولا تغادرها عند المساء إلا بعد أن تنومها على نغمة أمواج البحر وترنيمة العصافير والسواقي، وهذه الأرض هي أم للأشجار والأزهار تصير بدورها أمهات حنونات للأثمار الشهية، والبذور الحية. وأم كل شيء في الكيان هي الروح الكلية الأزلية الأبدية المملوءة بالجمال والمحبة... إن لفظة "الأم" تختبئ في قلوبنا مثلما تختبئ النواة في قلب الأرض، وتنبثق من بين شفاهنا في ساعات الحزن والفرح كما يتصاعد العطر من قلب الوردة في الفضاء الصافي والممطر" .
هذا، بصورة عامة، مجمل الأحداث والصور، والخواطر التي ارتسمت في "الأجنحة المتكسرة"، وعلى الأخص "أمام عرش الموت"، وهي تدور في جو من الصوفية المشوقة، الرومانطيقية الساحرة، والوجد النفسي الباهر، بأسلوب تتمادى فيه التشبيهات والاستعارات والكنايات، فضلا عما ينطوي عليه من إطناب، ومراعاة للنظير، وغير هذا من ضروب البلاغة، مما يصعب حصرها في أدب جبران الذي لون كتابته بالموسيقى والإيقاع الجميل، وأشاع في نثره روحا شعرية متناهية الرقة، والأسر والإشراق.
وقد تكون ثمة أحداث أخرى تصرف جبران فيها ، أو بدلها ، ولكن ذلك لا يقلل في شيء من قيمة "الأجنحة المتكسرة " من حيث أنها رواية مكتملة العناصر الفنية الأساسية .
وأما أشخاص "الأجنحة المتكسرة " فنحن نكتفي بالوقوف ، تفصيلا أمام " عرش الموت" ، من هذه الرواية الجبرانية ، لنستشف ملامح ما رغب الكاتب في تقديمه من شخصيات المجتمع اللبناني و الشرقي ، يومذاك ، و لنتبين خواطره و آراءه ، و نعرض الطابع العام الذي تتميز به ضنا منا بأن هذا الفصل يكاد يجمل الخطوط العريضة لجميع الأشخاص الذين تدور حولهم أحداث ""الأجنحة المتكسرة "، فضلا عن أنه ينطوي على معظم الأفكار التي رغب جبران في بثها، من خلال روايته، على أننا لن نغفل الربط بين ما في هذا الفصل ، و ما حوله من فصول ، كلما دعت الحاجة إلى استكمال صورة ، أو توضيح فكرة.
لقد رغب جبران في فصل « أمام عرش الموت » ، تقدي لوحة حية للحظات الأخيرة التي عاشها "فارس كرامة " ، وحوله سلى ابنته ، وجبران ابن صديقه ، فيما ترفرف فوق رأسه أجنحة الموت ، وتلوح من الغيب أشباح الفناء .
وكعادته في اتخاذ الأسلوب القصصي وسيلة إلى غاية أبعد، رسم جبران في هذا الفصل صورا ، وأفصح عن خواطر وآراء:
صورة سلمى كرامة ، هي أول صورة هذا الفصل ، فهي من المدينة ترمز بوجودها إلى ابنة المستقبل . كانت " سلمى" في بيروت رمز المرأة الشرقية العتيدة ، و لكنها كالكثيرين الذين يعيشون قبل زمانهم قد ذهبت ضحية الزمن الحاضر، و نظير زهرة اختطفها تيار النهر، قد سارت قهرا في موكب الحياة نحو الشقاء.
و "سلمى" بعد هذا "امرأة تاعسة" ذات "قلب وجيع لم يلمسه الحب بأفراحه حتى صفعه بأحزانه"، وهي " امرأة ضعيفة لم تعانق الحياة حتى احتضنها الموت" ، و " ابنة محبة تبذل متوجعة بعلة والدها" ، و "صبية تحاكي زنبقة قطع عنقها حد المنجل" ، و هي يتيمة فقدت أمها ، و لما تبلغ الثانية من عمرها ، و لكنها كانت تنمو بسرعة نمو الهلال ، و تنعكس على وجهها ملامح أمها " مثلما تنعكس أشعة النجوم في حوض ماء هادئ".
و سلمى ، بعد هذا تعرف بأن والدها هو الأب و الأم و رفيق الحداثة ، و مهذب الشبيبة ، فإذا فقدته فقدت كل أمل في الحياة، لولا صداقة جبران ، و إخاؤه، و محبته ، و لذا تسمعها ، في ""الأجنحة المتكسرة "، و في هذا الفصل بالذات تكرر تضرعها إلى الله: " أشفق يا رب ، و شدد جميع الأجنحة المتكسرة ".
و صورة منصور بك غالب ، التي برزت ، قبل هذا الفصل، بملامحها الجلية، تطل هنا أيضا لتكشف عن ثراء زوج مستهتر يسكن في "منزل فخم قائم على شاطئ البحر في رأس بيروت، حيث يقطن وجهاء القوم و الأغنياء".
و الزوج كان " من أولائك الرجال الذين يحصلون بغير تعب على كل ما يجعل الحياة هنيئة، و لا يقنعون، بل يطمعون دائما إلى ما ليس لهم، و هكذا يضلون معذبين بمطامعهم إلى نهاية أيامهم". لذلك فهو لما استولى على أموال فارس كرامة ، بعدما استلم يد ابنته، " نسيه و هجره، بل صار يطلب حتفه توصلا إلى ما بقي من ثروته".
ثم تأتي صورة المطران بولس غالب الذي يصب جبران نقمته عليه ، و يفجر حقده كله في وجهه، لأنه سبب المأساة و ذلك في مقارنة بارعة يكشف كاتبنا فيها عن تسلط الإقطاعين الديني و الزمني في عصره.
و معلوم أن " شبيه الشيء منجذب إليه " ، فكيف إذا كان الشبيه هو ابن الأخ المستفيد بنفوذه الشخصي، و بنفوذ عمه أيضا؟
و إذا كان "المطران يبلغ أمانيه مستترا بأثوابه البنفسجية ، و يشبع مطامعه محتميا بالصليب الذهبي المعلق على صدره" ، فإن منصور بك غالب ، ابن أخيه ، "يفعل كل ذلك جهارا و عنوة".
و إذا كان المطران يذهب إلى الكنيسة في الصباح ، و يصرف ما بقي من النهار منتزعا الأموال من الأرامل و اليتامى و بسطاء القلب، فقد كان ابن أخيه يقضي النهار كله متبعا ملذاته ، ملاحقا شهواته في تلك الأزقة المظلمة ، حيث يختمر الهواء بأنفاس الفساد.
و إذا كان المطران يقف يوم الأحد أمام المذبح، و يعظ المؤمنين بما لا يتعظ به، و يصرف أيام الأسبوع مشتغلا بسياسة البلاد، فإن ابن أخيه يصرف جميع أيامه متاجرا بنفوذ عمه بين طالبي الوظائف و مريدي الوجاهة .
و إذا كان المطران لصا يسير مختبئا بستائر الليل، فإن منصور بك غالب محتال يمشي بشجاعة في نور النهار.
إن في هذه السياط الموجعة التي ينهال بها جبران على ظهور الإقطاعيين الزمنيين و الدينيين معا، أصداء لما ردده في فصل سابق عنوانه " بحيرة النار" ، إذ يقول"
"إن رؤساء الدين في الشرق لا يكتفون بما يحصلون عليه أنفسهم من المجد و السؤدد، بل يفعلون كل ما في وسعهم ليجعلوا أنسباءهم في مقدمة الشعب ، و من المستبدين به و المستدرين قواه و أمواله . إن مجد الأمير ينتقل بالإرث إلى ابنه البكر بعد موته . أما مجد الرئيس الديني ، فينتقل بالعدوى إلى الإخوة و أبناء الإخوة في حياته. و هكذا يصبح الأسقف المسيحي و الإمام المسلم ، و الكاهن البرهمي كأفاعي البحر التي تقبض على الفريسة بمقابض كثيرة ، و تمتص دماءها بأفواه عديدة" .
و ما كان ينقص جبران إلا أن يضيف "حاخام اليهود" إلى هؤلاء، حتى تكتمل سنفونيته الثائرة.
و واضح أن جبران لم يكن يقصد التهجم على الأديان و الشرائع، في هذا الحديث، بل كان يرمي إلى التعرض لهؤلاء المتاجرين بالأديان، من أي طائفة كانوا، و لأي شعب انتسبوا.
و أما نظرة جبران الحقيقية إلى الدين فهي هذه: "الدين هو ما أثار القلب ، و متى كان ضمير جاري كنور الشمس حيا نقيا، و قلبه كوردة تتفتح في الفجر لتستقبل ندى السماء ، فلا فرق عندي إن ذكر بين الدراويش ، أو سجد مع اليسوعيين ، أو اغتسل في نهر الكنج مع البوديين".
و لا ريب في أن هذا هو التدين الصادق، و التسامح الإنساني الصحيح.
و أما صورة فارس كرامة التي عرفناها في فصل "يد القضاء" ، فهي صورة واحد من القليلين الذين يجيئون هذا العالم و يغادرونه قبل أن يلامسوا بالأذى نفس مخلوق" و أحد أولئك الرجال الذين يكونون غالبا تعساء مظلومين ، لأنهم يجهلون سبل الاحتيال التي تنقدهم من مكر الناس و خبثهم. إنها هنا صورة تبرز إنسانا غلب على أمره ، و زوج ابنته ممن لا يرغب فيه و لا يطمئن له ، و غدا وحده في ذلك البيت المنفرد بين الحدائق و البساتين إنفراد الراعي بين أغنامه ، ثم انه اعتل ، فاستلقى على فراشه ، مضنى الجسم ، شاحب الوجه ، أصفر اللون قد غرقت عيناه تحت حاجبيه فبانتا كهُوّتين عميقتين مظلمتين تجول فيهما أشباح السقم و الألم ، أما ملامحه فقد تقلصت واكفهرت و أصبحت كصحيفة رمادية متجعدة تكتب عليها العلة سطور غريبة ملتبسة ، و أما يداه ، فقد نحلتا حتى بدت عظام أصابعهما من تحت الجلد كقضبان عارية ترتعش أمام العاصفة.
إن فارس كرامة في هذا الفصل ، والد دنف يذوب ضنى لتعاسة ابنته ، و شيخ يمثل بيتا قديما هدمه الطوفان حتى جعله وابنته و جبران ألعوبة بين أصابع الدهر. و هو أيضا زوج وفي للمرأة التي ماتت و خلفت له سلمى ، قبل بلوغها الثالثة من عمرها، يحتفظ بصورة زوجته ، و يقدمها كأنها وصيته الأخيرة إلى ابنته الوحيدة المعذبة ، و هو رجل حكمة ، يكبر على الموت ، فلا يكبر الموت عليه، و إذا به يقول لسلمى ، ما قالته أمها يوم ماتت : " إن القلب بعواعطفه المتشعبة يماثل الأرزة بأغصانها المتفرقة ، فإذا ما فقدت شجرة الأرز غصنا قويا ، تتألم ، و لكنها لا تموت، بل تحول قواها الحيوية إلى الغصن المجاور لينمو و يتعالى و يملأ بفروعه الغضة مكان الغصن المقطوع ".
حتى إذا بدأت نفسه المتعبة ترتجف كشعلة السراج أمام الريح ، و لمحت عيناه ما وراء الغيوم ، و سمع من وراء الغيب نداء زوجته ، ودع ابنته و جبران ، وداعا حزينا مؤثرا ، مبديا رغبته في عدم استدعاء ، لئلا يطيل بمساحيقه ساعات سجنه ، لأن أيام العبودية قد مضت.
فطلبت روحي حرية الفضاء ، و كذلك في عدم استدعاء الكاهن ، لأن تعاليمه لا تكفر عن ذنوبي إن كنت خاطئا ، و لا تسرع بي إلى الجنة إن كنت بارا .
و مثلما يوصي فارس كرامة ، ابن صديقه جبران بأن لا يبتعد عن سلمى ابنته ، و بأن يتلو على مسمعها أحاديث الفرح ، و ينشدها أغاني الحياة فتسلو و تتناسى ، كذلك يوصي ابنته بأن جسده يرقد مع الذين رقدوا ، و أن تدع روحه تستيقظ لأن الفجر قد لاح و الحلم قد انتهى : " قبلي روحي بروحك ، قبليني قبلة رجاء و أمل ، و لا تسكبي قطرة من مرارة الحزن على جسدي لئلا تمتنع الأعشاب و الأزهار عن امتصاص عناصره . و لا تذرفي دموع اليأس على يدي لأنها تنبت شوكا على قبري ، و لا ترسمي بزفرات الأسى سطرا على جبهتي لأن نسيم السحر يمر و يقرأه ، فلا يحمل غبار عظامي إلى المروج الخضراء.. قد أحببتك بالحياة يا ولدي و سوف أحبك بالموت فتطل روحي قريبة منك لتحميك و ترعاك" .
و الصورة الأخيرة بل الصورة الأولى و الأخيرة في هذا الفصل خاصة ، و في " الأجنحة المتكسرة" ، فهي صورة جبران خليل جبران الذي تدرجت محبته من شغف فتى في صباح العمر بامرأة حسناء إلى نوع من تلك العبادة الخرساء التي يشعر بها الصبي اليتيم نحو روح أمه الساكنة في الأبدية. و الذي تحولت صبابته إلى كآبة عمياء لا ترى غير نفسها ، و انقلبت ولعه الذي كان يستدر الدموع من عينيه إلى وله «يستقطر الدم» من قلبه ، و غدت أنة الحنين التي كانت تملأ ضلوعه صلاة عميقة تقدمها روحه أمام السماء ، مستمدة السعادة لسلمى ، و الغبطة لبعلها ، و الطمأنينة لوالدها.
إنها صورة جبران الثائر على مفاسد المجتمع ، و على استغلال النفوذ من قبل اللصوص و المحتالين ، ذوي النفوس المعوجة و الأخلاق الفاسدة ، صورة الرجل المنعزل عن الناس ، و لا رفيق له سوى أحلام تتصاعد بنفسه تارة فتبلغها الكواكب ، و تنخفض بقلبه طورا ، فتلحده بجوف الأرض ، صورة الكئيب الذي تجد نفسه راحة بالعزلة و الانفراد، فتهجر الناس ، مثلما يبتعد الغزال الجريح عن سربه ، و يتوارى في كهفه حتى يبرأ أو يموت .
إنها أيضا صورة جبران المتمرد، الداعي إلى التمرد ، و القوي المروج للقوة ، في تصميم و عناد و كبرياء : " تعالي يا سلمى ، تعالي ننتصب كالأبراج أمام الزوبعة . هلمي نقف كالجنود أمام الأعداء ، متلقين شفار السيوف بصدورنا لا بظهورنا ، فإن صرعنا ، نمت كالشهداء ، و إن تغلبنا نعش كالأبطال ...هلمي نسر ، يا سلمى ، بقدم ثابتة على هذه الطريق الوعرة ، رافعين أعيننا نحو الشمس كي لا نرى الجماجم المطروحة بين الصخور ، و الأفاعي المنسابة بين الأشواك ، فإن أوقفنا الخوف في منتصف الطريق ، أسمعتنا أشباح الليل صراخ الاستهزاء و السخرية ، و إن بلغنا قمة الجبل بشجاعة ، تترنم معنا أرواح الفضاء بأنشودة النصر و الاستظهار " .
و أخيرا تبدو صورة جبران ، و قد حلت المأساة بسلمى كرامة ، بوفاة والدها ، واستيلاء زوجها على أموالها ، صورة إنسان ضائع بين أحلامه و هواجسه، تنتابه " الأيام و الليالي مثلما تنتاب النسور و العقبان لحمان الفريسة " ، و هكذا لا يرى سوى الأشباح السوداء في مواكب الأجيال ، و لا يسمع من أنغام الأمم سوى الندب و النواح.
***
تبقى، بعد صور شخصيات "الأجنحة المتكسرة" ، في هذا الفصل خواطر جبران و آراؤه المنبثة " أمام عرش الموت" :
فمن آراء جبران أن الزيجة تجارة مضحكة مبكية ، في أيامه، إذ يتولى أمورها الفتيان و آباء الصبايا ، فيربح الفتيان في أكثر المواطن، و يخسر الآباء دائما ،و أما الصبايا فتزول بهجتهن إذ ينتقلن كالسلع من منزل إلى منزل ، و يصبحن كالأمتعة العتيقة ، تدفن في زوايا المنازل " حيث الظلمة و الفناء البطيء".
و رأي كهذا ، يؤدي بطبيعة الحال ، إلى رأي آخر عن المرأة التي أنمت المدينة الحاضرة مداركها قليلا ، و لكنها زادت أوجاعها " بتعميم مطامع الرجال" . المرأة بالأمس كانت خادمة سعيدة ، عمياء تسير في نور النهار ، جميلة بجهلها ، فاضلة ببساطتها ، قوية بضعفها ، و لقد انقلبت ، أيام جبران ، سيدة تسعة ، مبصرة تسير في ظلمة الليل ، قبيحة بتفننها ، سطحية بمداركها ، بعيدة عن القلب بمعارفها .
وهكذا فإن المرأة الضعيفة هي رمز الأمة المظلومة، في نظر جبران، والمرأة المتوجعة بين ميول نفسها وقيود جسدها، هي كالأمة المتعذبة بين حكامها وكهانها.
ثم تطل السخرية مقهقهة، إذ يصف جبران الزواج بأنه شهر عسل يترك وراءه شهور الخل والعلقم، مثلما "تترك أمجاد الحروب جماجم القتلى في البرية البعيدة" . وهكذا يقول جبران في صراحة لا حدود لها: "إن بهرجة الأعراس الشرقية تصعد بنفوس الفتيان والصبايا صعود النسر إلى ما وراء الغيوم، ثم تهبط بهم هبوط حجر الرحى إلى أعماق اليم، بل هي مثل آثار الأقدام على الشاطئ، لا تلبث أن تمحوها الأمواج" .
وجبران يؤمن بسنة النشوء والارتقاء، في تمنيه على المرأة اجتماع جمالها بمعرفتها، وتفننها بفضيلتها، وضعف جسدها بقوة نفسها: "أنا من القائلين إلى الارتقاء الروحي سنة في البشر، والتقرب من الكمال شريعة بطيئة، لكنها فعالة" .
ومثل هذه الفكرة تتردد في كتابه "العواصف" حيث يقول :
"أنا من القائلين بسنة النشوء والارتقاء، وفي عرفي أن هذه السنة تناول بمفاعيلها الكيانات المعنوية بتناولها الكائنات المحسوسة، فتنتقل بالأديان والحكومات من الحسن إلى الأحسن، انتقالها بالمخلوقات كافة من المناسب إلى الأنسب. فلا رجوع إلى الوراء إلا في الظاهر، ولا انحطاط إلا في السطحي.
ولسنة الارتقاء سبل متشعبة،يتفرع بعضها من بعض ولكنها متلازمة الأصول، ومظاهر قاسية ظالمة مظلمة، تنكرها الأفكار المحدودة، وتتمرد عليها القلوب الضعيفة، أما خفاياها فعادلة منيرة، متمسكة بحق أسمى من حقوق الأفراد، محدقة إلى غرض من مرام الجماعة، مصغية إلى صوت يغمر بهوله وعذوبته تنهدات المنكوبين، و غصَّات المتوجعين" .
ومن خطرات جبران، في هذا الفصل، حول ما يعترض سبيل الإنسان المتقدم إلى أهدافه، من عوائق وعثرات، قوله: "إن العقبات التي تبلغنا قمة الجبل، لا تخو من مكامن اللصوص وكهوف الذئاب".
ومن خطراته أيضا، حول الأشخاص الذين يعيشون قبل زمانهم، قوله: "لا تخلو المدينة من إمرة ترمز بوجودها عن ابنة المستقبل" .
ومن خطراته حول المرأة، وقد سكبها في صيغة تساؤل العارف، قوله: "أو ليست العواطف الخفية التي تذهب بالصبية الجميلة إلى ظلمة القبر هي كالعواصف الشديدة التاي تغمر حياة الشعوب بالتراب؟ ".
وقوله: "إن المرأة من الأمة بمنزلة الشعاع من السراج، وهل يكون شعاع السراج ضئيلا إن لم يكن زيته شحيحا؟ " .
ولقد سبقت الإشارة، لدى رسم صورة جبران في هذا الفصل، إلى خاطرته القائلة: "إن النفس الكئيبة تجد راحة بالعزلة والانفراد" .
وفي حديثه إلى سلمى، وهي أمام التجربة التي حلت بها، لدى نزاع والدها، يقول جبران، في قوة ومكابرة:
"إن عذاب النفس بثباتها أمام المصاعب والمتاعب لهو أشرف من تقهقرها إلى حيث الأمن والطمأنينة. فالفراشة التي تظل مرفرفة حول السراج حتى تحترق، هي أسمى من الخلد الذي يعيش براحة وسلامة في نفقه المظلم . والنواة التي لا تحمل برد الشتاء وثورات العناصر، لا تقوى على شق الأرض، ولن تفرح بجمال نيسان".
ومن جديد، وبصيغة تساؤل العارف، يقول جبران، على لسان سلمى كرامة التي عرفت أن جبران يؤاسيها في وقت هو أحوج منها فيه إلى من يؤاسيه:
"أيعطي الفقير الجائع خبزه للجائع الفقير؟ أو يصف العليل دواء لعليل آخر، وهو أحرى بالدواء؟".
وعلى لسان الشيخ المتهاوي أمام أشباح الفناء، يدير جبران هذا الكلام:
"إن أيامنا مثل أوراق الخريف تتساقط، وتتبد أمام وجه الشمس".
كما يعود جبران إلى إنطاق سلمى كرامة، بهذا الكلام:
"إن الحزينة لا تتصبر بحزن جارتها، كما أن الحمامة لا تطير بأجنحة مكسورة"، وأن الأخ "يشترك بالمصيبة ولا يخففه، ويساعد بالبكاء، فيزيد الدمع مرارة والقلب احتراقا" .
ومن أقوال جبران أيضا، على لسان فارس كرامة، وهو في النزع الأخير:
"إن الحزن على الأموات غلطة من أغلاط الأجيال الغابرة".
وكذلك قوله في الموقف ذاته:
"أن إرادة البشر لا تغير مشيئة الله، كما أن المنجمين لا يحولون مسير النجوم".
ومثل هذا قوله أيضا:
إن "اللجة تنادي اللجة، أما السفينة، فتظل سائرة حتى تبلغ الساحل" .
ومن أقوال جبران خليل جبران، في آخر هذا الفصل:
"يضعف القنوط بصيرتنا، فلا نرى غير أشباحنا الرهيبة"، و"يصم اليأس آذاننا، فلا نسمع غير طرقات قلوبنا المضطربة".
ولعل أجمل ما في هذا الفصل من خواطر عبر فيها جبران عن شعوره وشعور كل ابن بار نحو أمه الفاضلة التقية الطاهرة المباركة، هذه العبارات:-
"إن أعذب ما تحدثه الشفاه البشرية هو لفظة "الأم"، وأجمل مناداة هي: "يا أمي". كلمة صغيرة كبيرة مملوءة بالأمل والحب والانعطاف، وكل ما في القلب البشري من الرقة والحلاوة والعذوبة.
الأم هي كل شيء في هذه الحياة، هي التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في الضعف، هي ينبوع الحنو والرأفة والشفقة والغفران، فالذي يفقد أمه، يفقد صدرا يسند إليه رأسه، ويدا تباركه، وعينا تحرسه... كل شيء في الطبيعة يرمز ويتكلم عن الأمومة، فالشمس هي أم هذه الأرض، ترضعها حرارتها، وتحتضنها بنورها، ولا تغادرها عند المساء إلا بعد أن تنومها على نغمة أمواج البحر وترنيمة العصافير والسواقي، وهذه الأرض هي أم للأشجار والأزهار تصير بدورها أمهات حنونات للأثمار الشهية، والبذور الحية. وأم كل شيء في الكيان هي الروح الكلية الأزلية الأبدية المملوءة بالجمال والمحبة... إن لفظة "الأم" تختبئ في قلوبنا مثلما تختبئ النواة في قلب الأرض، وتنبثق من بين شفاهنا في ساعات الحزن والفرح كما يتصاعد العطر من قلب الوردة في الفضاء الصافي والممطر" .
هذا، بصورة عامة، مجمل الأحداث والصور، والخواطر التي ارتسمت في "الأجنحة المتكسرة"، وعلى الأخص "أمام عرش الموت"، وهي تدور في جو من الصوفية المشوقة، الرومانطيقية الساحرة، والوجد النفسي الباهر، بأسلوب تتمادى فيه التشبيهات والاستعارات والكنايات، فضلا عما ينطوي عليه من إطناب، ومراعاة للنظير، وغير هذا من ضروب البلاغة، مما يصعب حصرها في أدب جبران الذي لون كتابته بالموسيقى والإيقاع الجميل، وأشاع في نثره روحا شعرية متناهية الرقة، والأسر والإشراق.
( 2 )
* طه حسين في كتابه : الأيـــام
دراسة نص أدبي:
* طه حسين في كتابه : الأيـــام
دراسة نص أدبي:
الإحالة المفتاحية:
"الأيام" هي أشهر سيرة ذاتية في الأدب العربي الحديث، كتبها الدكتور طه حسين يصف فيها نشأته في بيئة ريفية بصعيد مصر، وما خبره في عهد حداثته، وكيف تدرج في تحصيله العلمي متنقلا مع الأيام من تلميذ في كتاب قروي إلى طالب جامعي في القاهرة، وفي قصته يتحدث عن نفسه كمن يتحدث عن غلام عرفه ورافق أطوار حياته. ويتناول حديثه عن الغلام مرحلتين، أولاهما حياته الريفية منذ طفولته حتى بلوغه الثالثة عشرة، وثانيتهما حياته المدنية، وذلك بعد أن ترك الريف والتحق بالأزهر.
وفي المرحلة الأولى، يعرض لنا صورا صادقة من حياة الريف المصري آنذاك، وفي هذا المقتطف يروي بحرارة وحسرة وأسى وفاة أخيه ليلة21 أوت 1902 بداء الكوليرا الذي أصاب مصر في تلك الفترة من الزمن.
وفي المرحلة الأولى، يعرض لنا صورا صادقة من حياة الريف المصري آنذاك، وفي هذا المقتطف يروي بحرارة وحسرة وأسى وفاة أخيه ليلة21 أوت 1902 بداء الكوليرا الذي أصاب مصر في تلك الفترة من الزمن.
النص:
... وكانت الدار هادئة مغرقة في النوم كبارها وصغارها وحيوانها عندما انتصف اليل، ولكن صيحة غريبة ملأت هذا الجو الهادي، فهب لها القوم جميعا......
....وما هي إلا ساعة أو بعض ساعة حتى هيئ الفتى للدفن وخرج الرجال به على أعناقهم.
... وكانت الدار هادئة مغرقة في النوم كبارها وصغارها وحيوانها عندما انتصف اليل، ولكن صيحة غريبة ملأت هذا الجو الهادي، فهب لها القوم جميعا......
....وما هي إلا ساعة أو بعض ساعة حتى هيئ الفتى للدفن وخرج الرجال به على أعناقهم.
شرح المفردات:
فهب: فقام. الهلع: الخوف الشديد. الحشرجة: صوت يصحب القيء. الوباء: داء الكوليرا، خليقا: جديرا. جلد: صابر و يصابر. النازلة: الحادثة. الابتهال: التضرع لله. واجمين: صامتين والخوف قد شلهم. بعد لأي: بطء شديد. يحتضر: يحضره الموت أو يعاني سكرات الموت. يتضور: يتلوى من شدة الألم. وهن جلدها: ضعف صبرها ونفذ.
فهب: فقام. الهلع: الخوف الشديد. الحشرجة: صوت يصحب القيء. الوباء: داء الكوليرا، خليقا: جديرا. جلد: صابر و يصابر. النازلة: الحادثة. الابتهال: التضرع لله. واجمين: صامتين والخوف قد شلهم. بعد لأي: بطء شديد. يحتضر: يحضره الموت أو يعاني سكرات الموت. يتضور: يتلوى من شدة الألم. وهن جلدها: ضعف صبرها ونفذ.
التعريف بالكاتب:
هو الدكتور طه حسين، ولد في قرية من قرى صعيد مصر سنة 1889، كف بصره في الخامسة من عمره على إثر مرض، نشأ في أسرة ريفية فقيرة محافظة، محاطا بعناية أفرادها، وقد ختم القرآن الكريم في طفولته.
سافر إلى القاهرة ودرس في الأزهر الشريف من سنة 1902 إلى1908. ثم التحق بالجامعة من سنة 1908 إلى سنة 1914، ثم سافر إلى فرنسا، والتحق بجامعة مونبيليه، فدرس الأدب الفرنسي واللغات الفرنسية واللاتينية واليونانية, وأحرز على شهادة الدكتوراه من جامعة السربون برسالة موضوعها:" فلسفة ابن خلدون الاجتماعية, القاهرة"، وفي سنة 1925 انتقل إلى الجامعة فدرس الأدب العربي، وفي سنة 1926 أصدر كتاب " في الشعر الجاهلي" الذي أثار جدلا عنيفا في المحاكم الأدبية ومجلس النواب لما تضمن من احكام.
ومن مؤلفات طه حسين الكثيرة التي أنتجها والتي أثرى بها المكتبة العربية، ومكتبة الفكر الإنساني , نذكر بعضها في الأدب والنقد مثل: حديث الأربعاء، مع المتنبي، من حديث الشعر والنثر، في الأدب الجاهلي. وبعضها في الرواية مثل: المعذبون في الأرض، دعاء الكروان، صوت باريس. وبعضها في التراجم والسير مثل: عثمان، الوعد الحق، علي وبنوه، على هامش السيرة، و"الأيام" التي أخذنا منها هذا المقتطف.
هو الدكتور طه حسين، ولد في قرية من قرى صعيد مصر سنة 1889، كف بصره في الخامسة من عمره على إثر مرض، نشأ في أسرة ريفية فقيرة محافظة، محاطا بعناية أفرادها، وقد ختم القرآن الكريم في طفولته.
سافر إلى القاهرة ودرس في الأزهر الشريف من سنة 1902 إلى1908. ثم التحق بالجامعة من سنة 1908 إلى سنة 1914، ثم سافر إلى فرنسا، والتحق بجامعة مونبيليه، فدرس الأدب الفرنسي واللغات الفرنسية واللاتينية واليونانية, وأحرز على شهادة الدكتوراه من جامعة السربون برسالة موضوعها:" فلسفة ابن خلدون الاجتماعية, القاهرة"، وفي سنة 1925 انتقل إلى الجامعة فدرس الأدب العربي، وفي سنة 1926 أصدر كتاب " في الشعر الجاهلي" الذي أثار جدلا عنيفا في المحاكم الأدبية ومجلس النواب لما تضمن من احكام.
ومن مؤلفات طه حسين الكثيرة التي أنتجها والتي أثرى بها المكتبة العربية، ومكتبة الفكر الإنساني , نذكر بعضها في الأدب والنقد مثل: حديث الأربعاء، مع المتنبي، من حديث الشعر والنثر، في الأدب الجاهلي. وبعضها في الرواية مثل: المعذبون في الأرض، دعاء الكروان، صوت باريس. وبعضها في التراجم والسير مثل: عثمان، الوعد الحق، علي وبنوه، على هامش السيرة، و"الأيام" التي أخذنا منها هذا المقتطف.
* التعريف بالنص:
النص مقتطف قصير من مؤلف " الأيام" الذي ينتمي إلى أدب التراجم والسير، وهو نوع من الأدب يجمع بين التحري والتاريخ والامتناع القصصي، ويراد به درس حياة فرد من الأفراد، أو رسم صورة دقيقة لشخصيته. وفن المسيرة (الذاتية) كجنس من الأجناس الأدبية هو عريق ضارب في القدم، عرفه العرب منذ صدر الإسلام، ومنه كتاب "السيرة النبوية لابن هشام".
والنص المقترح للدراسة يروي جانبا من قصة حياة طه حسين التي يقول عنها: "وهكذا اتصفت أيام الصبي (طه حسين) بين البيت والكتاب والمسجد وحلقات الذكر، لا هي بالحلوة ولا هي بالمرة، ولكنها تحلو حينا وتمر حينا آخر". ومن مرارتها ما يذكر عن وفاة أخيه حين هبط الوباء بمصر وفتك بأهلها فتكا ذريعا.
النص مقتطف قصير من مؤلف " الأيام" الذي ينتمي إلى أدب التراجم والسير، وهو نوع من الأدب يجمع بين التحري والتاريخ والامتناع القصصي، ويراد به درس حياة فرد من الأفراد، أو رسم صورة دقيقة لشخصيته. وفن المسيرة (الذاتية) كجنس من الأجناس الأدبية هو عريق ضارب في القدم، عرفه العرب منذ صدر الإسلام، ومنه كتاب "السيرة النبوية لابن هشام".
والنص المقترح للدراسة يروي جانبا من قصة حياة طه حسين التي يقول عنها: "وهكذا اتصفت أيام الصبي (طه حسين) بين البيت والكتاب والمسجد وحلقات الذكر، لا هي بالحلوة ولا هي بالمرة، ولكنها تحلو حينا وتمر حينا آخر". ومن مرارتها ما يذكر عن وفاة أخيه حين هبط الوباء بمصر وفتك بأهلها فتكا ذريعا.
البناء الفكري:
* أفكار النص الأساسية ثلاث:
1/ بداية المرض.
2/ مصارعة الفتى الموت.
3/ نهاية المريض.
جاءت الأفكار على هذا النحو، مرتبة ترتيبا منطقيا، واضحة تدرك بيسلى، متسلسلة ومترابطة في إحكام كبير، تتضافر فيما بينها لتعطي للنص وحدته العضوية.
* أفكار النص الأساسية ثلاث:
1/ بداية المرض.
2/ مصارعة الفتى الموت.
3/ نهاية المريض.
جاءت الأفكار على هذا النحو، مرتبة ترتيبا منطقيا، واضحة تدرك بيسلى، متسلسلة ومترابطة في إحكام كبير، تتضافر فيما بينها لتعطي للنص وحدته العضوية.
المعنى الإجمالي للنص:
في بداية النص الذي بين أيدينا، يصور لنا الأديب تلك الليلة العصيبة من ليالي صيف سنة 1902 التي تميزت بهدوئها المعتاد، قبيل وقوع الحادثة الأليمة، ومما جعل الحادثة أكثر إيلاما وأكثر تأثيرا في نفس الراوي وفي نفس القارئ وقوعها في الليل، في فترة هدوء ونوم. فكانت أولى أعراض المرض وهي القيء والصرخة التي أفزعت النائمين دالة على شدة الألم.
وأثناء تعرض الكاتب لمصارعة المريض المرض، يكشف مدى تمكن الداء من المريض، وجلد هذا المريض وصبره، وقوة احتماله مع يقين بقرب أجله، فهو يكابد الآلام، ويسأل من حين إلى آخر عن الساعة وكأنه يتعجلها ويتمنى وصول عمه وأخيه قبل أن يصل هذا الموت المنتظر أيضا، فمن يصل قبل الآخر؟... ويقابل هذا كله صبر وجلد الأسرة مع تأثير بليغ.
وأخيرا، كانت النهاية المحتومة التي ينتهي بها هذا المرض الخبيث، وجو الحزن والأسى يملأ حياة هذه الأسرة التي هي عينة من المجتمع المصري، ومعاناتها جزء من معاناته.
في بداية النص الذي بين أيدينا، يصور لنا الأديب تلك الليلة العصيبة من ليالي صيف سنة 1902 التي تميزت بهدوئها المعتاد، قبيل وقوع الحادثة الأليمة، ومما جعل الحادثة أكثر إيلاما وأكثر تأثيرا في نفس الراوي وفي نفس القارئ وقوعها في الليل، في فترة هدوء ونوم. فكانت أولى أعراض المرض وهي القيء والصرخة التي أفزعت النائمين دالة على شدة الألم.
وأثناء تعرض الكاتب لمصارعة المريض المرض، يكشف مدى تمكن الداء من المريض، وجلد هذا المريض وصبره، وقوة احتماله مع يقين بقرب أجله، فهو يكابد الآلام، ويسأل من حين إلى آخر عن الساعة وكأنه يتعجلها ويتمنى وصول عمه وأخيه قبل أن يصل هذا الموت المنتظر أيضا، فمن يصل قبل الآخر؟... ويقابل هذا كله صبر وجلد الأسرة مع تأثير بليغ.
وأخيرا، كانت النهاية المحتومة التي ينتهي بها هذا المرض الخبيث، وجو الحزن والأسى يملأ حياة هذه الأسرة التي هي عينة من المجتمع المصري، ومعاناتها جزء من معاناته.
* الخصائص الفنية للنص الأدبي:
النص من النثر الفني ,فالكاتب في هذا المقتطف يتحدث عن جانب من حياته في قالب قصص جذاب, يجعلنا نصغي إليه مأخوذين برشاقة حديثه ودقة تصويره, وعذوبة ألفاظه, كقوله مثلا وهو يحاول وصف والدي الفتى وهو يشكو علته ويكابد ألمه " والقيء يجهده ويخلع في الوقت نفسه قلب أبويه".
أ/ الأسلوب:
ومن أهم الخصائص الفنية لأسلوب طه حسين البارزة في هذا النص، روعة التصور ودقته، ونعني بهذا تصوير الوقائع والأحوال و الخوالج والتأثرات تصويرا حسيا كان أو معنويا، فمثلا هذا التصوير البارع لما أحدثته صرخة المريض من فزع من العائلة كلها: " ولكن صيحة غريبة ملأت الجو.... وماذا كانت الحركة الغريبة." ثم قوة هذا التصوير ومبلغ تأثيره في النفوس وهو يصف المريض الذي يصارع الموت، فيقول: "والفتى في سريره يتضور، يقف ثم يلقي بنفسه، ثم يجلس، ثم يطلب الساعة، ثم يعالج القيء." فهو يقوى ويضعف أمام هذا الخصم العنيد... الذي يصرعه في النهاية. ويعبر الكاتب عن هذه النهاية فيقول: " ثم ألقى الفتى نفسه على السرير وعجز عن الحركة، وأخذ يئن أنينا يخفت من حين إلى حين، وكان صوت هذا الأنين يبعد شيئا فشيئا ." وأن الصبي (طه حسين) يألم لهذه النهاية المأساوية التي تبقى محفورة آثارها في قلبه لا ينساها ما حيي: "وأن الصبي ينسى كل شيء قبل أن ينسى هذه الأنّة الأخيرة التي أرسلها الفتى نحيلة ضئيلة طويلة ثم سكت."
فالأسلوب الغالب في هذا النص، هو الأسلوب الخبري، لأنه يناسب السرد القصصي، وغرضه الأدبي التقدير، هذا السرد الذي تخلله مرة واحدة الحوار على لسان الفتى المريض: " لست خيرا من النبي، أليس النبي قد مات؟...
وكان أسلوب الكاتب مباشرا في سرد الوقائع، لم يحفل فيه بالصور البديعية. ومن المحسنات البديعية القليلة الواردة في النص والتي زاد استعمالها أسلوب الكاتب العذب رقة وجمالا. نذكر الطباق في قوله: "كبارا و صغارا" ، و" يقوم ويقعد".
2/ لغة النص:
لغة أدبية، فصيحة، عباراتها سهلة واضحة، ومفرداتها رقيقة عذبة موحية.
3/ الصورة الفنية:
قليلة، وبالرغم من قلتها فهي فنية، خادمة للنص وأدبيته، مبينة للمعاني، بعيدة عن الحسّية،
4/ العاطفة: عاطفة حزن وألم وأسى، لأن الأمر يتعلق بموت أخيه، فهي لذلك صادقة وقوية ونبيلة.
فوائد وقيم:
الفائدة الأدبية:
من خصائص فن السيّر والتراجم الوصف، سرد الوقائع وتقديرها في أسلوب قصصي ممتع.
القيم:
للنص قيمة تاريخية: تتمثل في تأريخ إصابة مصر بداء الكوليرا.
وقيمة طبية: تتمثل في أعراض مرض الكوليرا: القيء مع شدة الألم، ضرورة
عزل المريض كون المرض معديا.
وقيمة اجتماعية: تتمثل في: بيئة ريفية (علاقات اجتماعية متينة، مكانة المرأة
في تلك البيئة، قيم التضامن والتعاضد.)
أ/ الأسلوب:
ومن أهم الخصائص الفنية لأسلوب طه حسين البارزة في هذا النص، روعة التصور ودقته، ونعني بهذا تصوير الوقائع والأحوال و الخوالج والتأثرات تصويرا حسيا كان أو معنويا، فمثلا هذا التصوير البارع لما أحدثته صرخة المريض من فزع من العائلة كلها: " ولكن صيحة غريبة ملأت الجو.... وماذا كانت الحركة الغريبة." ثم قوة هذا التصوير ومبلغ تأثيره في النفوس وهو يصف المريض الذي يصارع الموت، فيقول: "والفتى في سريره يتضور، يقف ثم يلقي بنفسه، ثم يجلس، ثم يطلب الساعة، ثم يعالج القيء." فهو يقوى ويضعف أمام هذا الخصم العنيد... الذي يصرعه في النهاية. ويعبر الكاتب عن هذه النهاية فيقول: " ثم ألقى الفتى نفسه على السرير وعجز عن الحركة، وأخذ يئن أنينا يخفت من حين إلى حين، وكان صوت هذا الأنين يبعد شيئا فشيئا ." وأن الصبي (طه حسين) يألم لهذه النهاية المأساوية التي تبقى محفورة آثارها في قلبه لا ينساها ما حيي: "وأن الصبي ينسى كل شيء قبل أن ينسى هذه الأنّة الأخيرة التي أرسلها الفتى نحيلة ضئيلة طويلة ثم سكت."
فالأسلوب الغالب في هذا النص، هو الأسلوب الخبري، لأنه يناسب السرد القصصي، وغرضه الأدبي التقدير، هذا السرد الذي تخلله مرة واحدة الحوار على لسان الفتى المريض: " لست خيرا من النبي، أليس النبي قد مات؟...
وكان أسلوب الكاتب مباشرا في سرد الوقائع، لم يحفل فيه بالصور البديعية. ومن المحسنات البديعية القليلة الواردة في النص والتي زاد استعمالها أسلوب الكاتب العذب رقة وجمالا. نذكر الطباق في قوله: "كبارا و صغارا" ، و" يقوم ويقعد".
2/ لغة النص:
لغة أدبية، فصيحة، عباراتها سهلة واضحة، ومفرداتها رقيقة عذبة موحية.
3/ الصورة الفنية:
قليلة، وبالرغم من قلتها فهي فنية، خادمة للنص وأدبيته، مبينة للمعاني، بعيدة عن الحسّية،
4/ العاطفة: عاطفة حزن وألم وأسى، لأن الأمر يتعلق بموت أخيه، فهي لذلك صادقة وقوية ونبيلة.
فوائد وقيم:
الفائدة الأدبية:
من خصائص فن السيّر والتراجم الوصف، سرد الوقائع وتقديرها في أسلوب قصصي ممتع.
القيم:
للنص قيمة تاريخية: تتمثل في تأريخ إصابة مصر بداء الكوليرا.
وقيمة طبية: تتمثل في أعراض مرض الكوليرا: القيء مع شدة الألم، ضرورة
عزل المريض كون المرض معديا.
وقيمة اجتماعية: تتمثل في: بيئة ريفية (علاقات اجتماعية متينة، مكانة المرأة
في تلك البيئة، قيم التضامن والتعاضد.)
الخاتمة :
عزيزي المربي؛ نشير في النهاية الى أن هذا العمل المتواضع في الحقيقة ما هو إلا قطوف دانية من مراجع مختلفة بذلنا جهدا في البحث عنها ضمن صفوف الكتب و حاولنا انتقاء ما رأيناه يخدم الموضوع، و الحقيقة إن موضوع الأدب الحديث و المعاصر - كما سبق أن ذكرنا في المقدمة - بحر مترامي الأطراف، لا يمكن الإحاطة به إلا من خلال المطالعة و المستمرة و البحث الذاتي لتكوين رصيد معرفي يمكنك من قيادة العملية التعليمية بكفاءة و اقتدار.
عزيزي المربي؛ نشير في النهاية الى أن هذا العمل المتواضع في الحقيقة ما هو إلا قطوف دانية من مراجع مختلفة بذلنا جهدا في البحث عنها ضمن صفوف الكتب و حاولنا انتقاء ما رأيناه يخدم الموضوع، و الحقيقة إن موضوع الأدب الحديث و المعاصر - كما سبق أن ذكرنا في المقدمة - بحر مترامي الأطراف، لا يمكن الإحاطة به إلا من خلال المطالعة و المستمرة و البحث الذاتي لتكوين رصيد معرفي يمكنك من قيادة العملية التعليمية بكفاءة و اقتدار.
إرسال تعليق