أقوى ما في المرأة حَدْسُها، أو شُعورُها الباطنيُّ، وإذا تعلَّقَ الأمرُ بالعاطفة بانَ ذلك بوضوحٍ أكثر، ولستَ تدري كيف تُوَفَّقُ في معرفةِ أشياءٍ مهما حاول الرجلُ أنْ يُداريها، وبأيِّ وسيلةٍ تكْشِفُها ولو كانت أسْراراً خاصَّةً؟
إنَّ الحَدْسَ عند المرأة من أقوى أسلحتِها الفتاكة في التعامل مع الرجل، وتعتمد عليه كثيراً في الإطلاع على ماضيه وحاضره، وتستخدمُه كمجْهَرٍ دقيقٍ لرؤيةِ تفاصيل قد تكون مخبأةً بحرْصٍ في عقله وصدره..
إنَّ المرأة مزوَّدةٌ بأشعة غريبة مجهولة، تُسلِّطُها على حياة الرجل الذي تُريدهُ، فترى من خلالها ما يظنُّ أنه لا يُرى، ولا يُكتشفُ !!
في رواية "تعاطف"، للروائي السوداني "أمير تاج السر"، يحْكي السَّاردُ عن شخصيةٍ نسائيةٍ عجيبةٍ اسْمُها "السارة الملقبة بالسحلية"، وقد وقع في غرامِها مُحرِّرٌ ثقافِيٌّ في إحدى الصحف، اسمه "جعفر سعيد الملقب بسقراط"، وتقدمَّ للزواج منها، فوافقتْ، لكنها طلبتْ منْ شاهِديْ العُرْسِ اللذين جاءا إليها، لنقْل مُوافقتِها إلى المَأذون أنْ يُغَيِّرَ اسْمَ زاويته الأسبوعية في الصحيفة، من "نظرات" إلى "السارة" !!
وعلَّلتْ ذلك "أنَّ نظرات تلك ربما تكون حبيبةً قديمةً، كان يعْرِفُها حبيبُها ذات يومٍ، ويُمَجِّدُها في تلك الزاوية"...
استغرب الحاضرون لهذا الطلب الغريبِ، "فلا أحدَ على الإطلاق سمع أنَّ ثمَّةَ امرأةً اسمها نظرات موجودة في أي حقبةٍ من الحقب المختلفة"...
المُدْهشُ أنَّ سقراط وافق على تغيير الاسم برحابة صدْرٍ، واكتمل توقيعُ القران... فقد اعترف بينه وبين نفسه، دون أن يلاحظه أحدٌ، أنه "كانت بالفعل ثمة امرأة اسمها نظرات من بنات الغجر موجودةً في ماضيه، ومنها استلهم كل تلك الخواطر العاطفية التي كتبها في زاويته، حتى يوم الزفاف."
إرسال تعليق