U3F1ZWV6ZTM1MDgwNzg5ODg1MDQyX0ZyZWUyMjEzMTk5NTcyNTU4MA==

الحداثيون :

أتمنى أن يوجد طرح علمي أوسع لهذه الفئة التي تتنامى في عالمنا الإسلامي، وتتلقف الصحف وغيرها من وسائل الإعلام أقوالهم بالتلقي والقبول، وتعرض لهم المقابلات تلو المقابلات.
وهؤلاء انطلقوا من منطلقين - فيما يبدو-:
الأول: كسر الثوابت الدينية في نفوسهم، فصاروا يقولون في أمور الشريعة بلا قيود، لذا لا يتحرج مثل حامد نصر أبو زيد من أن يذكر إجماع المفسرين واللغويين على معنى اقرأ بأنه (اتل) ثم يصنع من كيسه قولًا جديدًا، وهو أن المعنى (ردد)، فمن ذا الذي يستطيع الانفلات من الإجماع إلا إذا كان يرى نفسه ليس ملزمًا به ؟
الثاني:
 الاعتماد على بعض النظريات الغربية في القراءة للنصوص، التي تعطي قارئ النص الحق المطلق في تفسيره كما يراه هو، لا كما أراده كاتبه.
ويبدو لي أن ظهور كثير من هؤلاء كان لأسباب منها:
1 - انفتاح باب الشهوات في هؤلاء القوم، فتراه يرى من العلماء الآمرين الناهين أو من المجتمع ردًّا عليه إما قولا وإما فعلا وإما ضمنًا فتراه يتبرم من مجتمعه الذي يعتمد على ثوابت لا تعطيه الفرصة في شهواته فيبدأ بالانفلات شيئًا فشيئًا، فإن كان الله وهبه عقلا بدأ يستخدمه ضد كل ما يراه عائقًا عن شهواته، حتى يصير رأسًا في الشبهات.
2 - أن يكون ممن وهبه الله عقلا، لكنه اصطدم ببعض المواقف مع بعض الأشياخ، فلم يحسنوا معاملته فيبدأ بالبعد عنهم وعن ما يحملونه من العلم شيئًا فشيئًا حتى يصير رأسا في باب الشبهات والإلحاد والعياذ بالله.
3 - أن يُخذل في بداية عمره بمن يدله على هذا الطريق المنحرف، فلا تراه يستطيع التعامل مع الصالحين، فيبدا بالانحسار والعيش مع هؤلاء الموبوئين، حتى يصير بفضل دعمهم له رأسًا في الإلحاد والزندقة.
والعجيب أن هؤلاء يقدسون كل ما هو غربي، ويرونه دينًا يدينون به، وعقيدة يلتزمونها، بل لا ترى بعضهم ينقد أسفار بني إسرائيل مثل ما ينتقد كتاب الله وسنة رسوله، بل تراه يفعل ذلك بكل حقد وبغض!
والبحث في أسباب وقوع هؤلاء في هذه الانحرافات مما يحتاج إلى بحث واستقراء للاستفادة منها في عدم الوقوع فيها لاحقًا.
كما أن البحث في طريقة ردهم وصدهم من واجبات العلماء والمفكرين، فكم من هؤلاء لما بدأ لم يكن يؤبه له، فلما صار ذا شأن ابتدره العلماء والمفكرون بالرد، ولو كان صده من بداياته لكان فيه خير، والله أعلم بقدره كيف يكون؟
وإن التقليل اليوم من شان هذه الانحرافات ليس سبيلا صحيحًا، فالإنسان يستطيع نشر خرافاته وانحرافاته بكل يسر وسهولة، وتراها تنتشر أسرع من انتشار النار في الهشيم، وليس عندنا قدرة في أن نعرف أثر هذه او تلك في المستقبل، فوجب التصدي لمثل هذه الانحرافات خشيت نموها وترعرها، حتى يكو ن لها شأن، فيصعب اجتثاثها.
ونحن أمام معركة علمية وفكرية خطرة، كما أننا أما معركة الشهوات التي تُقذف علينا من كل جانب، أسأل الله أن يحمينا من فتنة الشهوات وفتنة الشبهات، وأن يجعلنا ممن اصطفاهم لحمل كتابه والذب عنه.
وأحب أن أذكر بأمر قد يغيب عن بعضنا، وهو أن الدعوة إلى صد هؤلاء ليست واجبًا على الجميع، بل من آنس من نفسه قدرة وتخصص في هذا المجال، فذلك هو المطلوب، وليس من الحكمة أن نجر المسلمين كلهم إلى معركة واحدة كما يظهر من كلام بعض من يتحدث في هذه الأمور، وأضرب مثالاً لذلك:
لقد صدر كتاب يزعم فيه كاتبه أن يعارض القرآن وسماه بما سماه، فتصدى له نفر من المسلمين، فكفوا في هذا الجانب، ولو اتجه علماء المسلمين ومفكروهم إلى تفنيد هذا الكتاب لما كان ذلك من العقل، لأن المشكلات اكثر وأكبر من أن نصرف لها الجهود كلها مرة واحدة، لكن إذا كان مبدأ التنوع في العمل الإسلامي، فإننا سنستطيع - بإذن الله - أن نتفاعل مع واقعنا، ونقود الدفة من جديد، فالعلماء كل في مجاله، والمفكرون كل في مجاله، والمجاهدون كل في مكانه، والاقتصاديون .... الخ، فتتكامل هذا الجهود، وتنمو المجتمعات الإسلامية بإذن الله.
ومتى أحسسنا بنقص في مجال ما، فإن علينا التذكير به، ودعمه بالطاقات وبما يحتاج.
وأكتفي بهذا فالقلم لو تركته يسيل بما في الذهن في هذا الموضوع لخرجت عن مقصود المشاركة، فأسأل الله ان يطرح فيه البركة، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.
______________________________________
(*) نشر هذا المقال بملتقى أهل التفسير، بتاريخ: 05/11/1426 - 08/12/2005، تحت هذا الرابط .
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة