قال كارلسون في كتابه: “الأرجح أنّ الفصام هو المصطلح الذي يتعرض لأكبر قدرٍ من إساءةِ الاستخدام في الوجود.” ربّما يقوم معظمنا بإساءة استخدام هذا المصطلح ووضعه في غير سياقه عندما نقول لمن يحمل رأيين في نفس الوقت أنّ لديه انفصامًا في الشخصية، وعندما تخرج هذه المغالطات الشعبية من جعبة الكبار، فلا حرج على العامّة لذلك وجب التنبيه لمثل هكذا مغالطات.
غالبًا ما ترتبط هذه المغالطة باضطرابين شائعين في الطب النفسي وهما:
أولا: الفصام schizophrenia
يعتبر من أهمّ الأمراض النفسية حيث كانت نسبة المصابين به عام (2013) حوالي (0.3- 0.7%) من سكان العالم، وقُدّرَت (16.000) حالة وفاة ناتجة عن سلوكيات متعلقة بالفصام، وهو اضطرابٌ ذهانيّ يبدأ غالبًا في سنّ المراهقة وربما يدوم لكامل العمر.
تعتبر أهم أعراض الفصام هي الهلاوس والضلالات، مثل توهم أو رؤية أشياء لا تحدث وسماع أصوات ليست موجودة بالفعل، وتؤدي هذه الأعراض إلى اختلالٍ في الإدراك والسلوك لدى المريض، فعلى سبيل المثال يسمع مريض الفصام أصواتًا تنتقده أو تأمره بفعل شيءٍ ما، كذلك يَعتقد المريض أنّ الناس من حوله يتآمرون ضدّه ليقوموا بإيذائه، أو أنهم يتقاسمون خصوصية مشاعره وأفكاره، أو أنّ المواقف اليومية تحمل معانٍ خاصة ضدّه، ويُلاحَظ على المريض أيضًا تكرار بعض الحركات الجسدية وصعوبة أو عدم تناسق الكلام والتعبير عن العواطف، وكذلك تقلبّ المزاج أو عدم اتّساقه.
استُخدِم هذا المصطلح للمرة الأولى في الطبّ النفسيّ بواسطة العالم بلولر، وهو إغريقي الأصل، والمعنى الحرفي له هو فصام العقل أو انقسام العقل، وربما ساهم هذا المعنى في انتشار المغالطات حوله لاحقًا، لكن عندما طرحه بلولر فإنه قَصَد به هذه الملاحظات على المرضى حيث انقسام وظائف العقل واختلال الإدراك.
تمّ سرد الحالة الفصامية لعالم الرياضيات جون ناش في الفيلم الشهير .A Beautiful Mind
ثانيًا: اضطرابُ تعدّد الشّخصية multiple personality disorder
يطلق عليه الآن أيضًا اضطرابُ الهويّة الانشقاقي dissociative identity disorder DID. وهو اضطرابٌ نادرُ الحدوث حيث أنّ الحالات المسجلة به في تاريخ الطب النفسي قليلة، ويختلف عليه علماء الطبّ النفسيّ من حيث التصنيف وكذلك معايير العلاج، لكن في الحقبة الأخيرة ارتفع عدد المرضى الذين ظهرت عليهم أعراض هذا الاضطراب، وتعتبر أهمها هي تقمصُ المريض لشخصيتين أو أكثر، ينتقل المريض بينهما دون أدنى إدراكٍ منه بذلك، بل وحتى لا يقتنع بما يكون عليه في وقتٍ آخر لأنّه لا يدري أو يتذكر بالفعل ما يكون عليه، ويرافق هذه الأعراض فقد أو اختلال في الذكريات لا يفسرها النسيان الطبيعي.
غالبًا ما تكون هذه الشخصيات متناقضة كشخصية خجولة و أخرى اجتماعية منفتحة، ويحدث التحوّل من إحداهما لأخرى بعد صدمةٍ ما أو بعد التعرض لشيءٍ يسببُ الحزن أو الضيق.
في كلا الحالتين، لا وجود لتناقضٍ في الرأيّ أو تضارب الاعتقادات. لذلك في المرة المقبلة عندما يخبرك صديقك أنّك تعاني انفصامًا في الشخصية، فما عليك فعله سوى رجمه أو لكمه، أو أن تعفو عنه وترشده لمتابعة المبادرات العلمية والتي سيعرف منها الكثير حول الخرافات المنتشرة.
في كلا الحالتين، لا وجود لتناقضٍ في الرأيّ أو تضارب الاعتقادات. لذلك في المرة المقبلة عندما يخبرك صديقك أنّك تعاني انفصامًا في الشخصية، فما عليك فعله سوى رجمه أو لكمه، أو أن تعفو عنه وترشده لمتابعة المبادرات العلمية والتي سيعرف منها الكثير حول الخرافات المنتشرة.
*الهلاوس hallucinations: سماعُ أو رؤية أشياء غير موجودةٍ بالواقع.
*التّوهّمات أو الضلالات delusions: معتقداتٌ غير مستندة إلى الواقع وتنقصها الأدلة.
*الذّهان psychosis: مصطلحٌ يشير إلى الحالة العقلية التي يحدث فيها خلل في اتصال الإنسان بالواقع المحيط به، ويعاني المريض بمرض ذهانيّ بشكلٍ أساسي من التّوهّمات والهلاوس.
المراجعة العاشرة لتصنيف الاضطرابات النفسية والسلوكية ICD/10
*كتاب: أشهر 50 خرافة في علم النفس، الخرافة رقم 39
إرسال تعليق