U3F1ZWV6ZTM1MDgwNzg5ODg1MDQyX0ZyZWUyMjEzMTk5NTcyNTU4MA==

العبادة :


إن النفس البشرية مجبولة على العبادة سواء عرف الإنسان الإله الحق أو لم تصله معرفته او أنه رفض معرفته..فكل من يحيد عن عبادة الرحمان إلا ويسقط في عبادة الاوثان سواء تحدثنا عن الإنسان قديما من خلال عبدة الأصنام وتاليه البشر والشجر والكواكب او الإنسان حديثا من خلال تاليه الأفكار الباطلة كالقيم والمبادئ الزائفة فتتحول تلك الافكار بدورها إلى اوثان تعشعش في القلوب وتسخّر العقول للباطل وهذه هي نفس تأثيرات الأصنام المادية قديما في النفس البشرية فيسقط هذا الإنسان الحديث بدوره في نفس العبودية الوثنية القديمة متمثلة في قيم حداثية خاطئة مضللة اخترعها أو اخترعوها له وربما جسدها فيما بعد في أصنام تمثلها كحال تمثال" الحرية" أو تماثيل مفكرين ودكاتاتوريين رفعهم البعض إلى درجة الربوبيّة. حتى وإن أنكروا بأفواههم فواقع عبوديتهم الوثنية يتحدّث بلسان حالهم..
إذن فالنفس البشرية تسعى إراديا أو لا إراديا للعبادة نتيجة لصفات الضعف والعجز والمحدودية التي أودعها الله فيها حتى تلجأ إلى خالقها الحق بالمناجاة وطلب المساعدة منه عند الشدائد
( وخلق الإنسان ضعيفا ) ..
فكان ضعف الإنسان وعجزه وافتقاره سببا فطريا يدفع الإنسان للبحث عن خالقه و دليلا عقليا قاطعا على وجوب العبادة على مر الازمان واستدلالا قويا على الفطرة البشرية:
( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ )
( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ )
إذن فحتى وإن حادت النفس البشرية عن الطريق القويم إلا واتخدت لنفسها إلها من دون الله لإشباع تلك الرغبة الروحية الفطرية المتعلقة في الاصل بخالقها ..فتجعل لهذا الوثن صفات من صفات الله كالقدرة والحكمة والحب والجمال والازلية تُجسد تلك الفكرة الفطرية في أغلب الأحيان إلى صنما ماديا يُعبد من دون الله أو فكرة صنمية تعبد وترفع لدرجة الإله والعياذ بالله كحال ملاحدة هذا الزمان عبدة الكون.. فلا فرق بين ملحدي هذا الزمان ومشركي قوم سيدنا ابراهيم عليه السلام بل لا فرق بين الحوار الذي دار بين ابراهيم عليه السلام وقومه في القرآن حول الإستدلال على الخالق وبين حواراتنا مع ملحدي هذا الزمان فقد خاطب ابراهيم عليه السلام قومه بمنطق الفطرة البديهي القريب من كل إنسان بمختلف افكاره وايديولوجياته بعيدا عن كل القضايا الجدلية.. فكانت بداية دعوته فرضا هو فرض المستدل لما لا يعتقده ثم يتبعه نقض ذلك الفرض وإبطاله..
فحينما أظلم الليل ورأى النجم قال : هذا ربي فرضا فلما أفل قال:لا أحب الآفلين
أي إذا كان الرب يظهر ثم يغيب فمن ذا الذي يرعى الخلائق ومن ذا الذي يدبر أمرها . . ؟ !في حين أن الرب - كما يعرفة إبراهيم بفطرته وقلبه - لا يغيب !
ثم انتقل بهم في البحث إلى كوكب هو في أعينهم أضوأ وأكبر من الأول وهذا الأمر مرتبط بفطرة الإنسان ومعرفته بصفات ربه كالعظمة والعلو والنور فافترض كوكبا آخر هو القمر (فلما رأى القمر بازغا قال:هذا ربي)
فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين)
ثم انتقل بهم لما هو أكبر وأضوأ ألا وهو الشمس ( فلما رأى الشمس بازغة قال:هذا ربي . هذا أكبر . فلما أفلت قال:يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا , وما أنا من المشركين )
فأراد ابراهيم عليه السلام ان يبين لقومه أن صفات المادة التي اتخذوها آلهة لا تتوفر فيها صفات الألوهية كالأزلية والقيومية وهي صفات تعرفها الذات البشرية فطريا لتكون استدلالا وحكما قاطعا على كل من يدعي الألوهية من دون الله..
وهذا هو نفس المنزلق الذي سقط فيه اهل الإلحاد فملحدي هذا الزمان ليسوا إلا عباد اوثان يعبدون نفس المادة الصماء التي عبدها من هم قبلهم ممن اتخذوا الشمس والقمر والكواكب آلهة من دون الله ووصفوها كما وصفوها ولكن وثنيي هذا الزمان لم يرضوا لا بالقمر ولا بالشمس آلهة فمشاهدتهم لكبر الكون وعظمته التي فاقت كبر الشمس والقمر جعلهم يقولون هذا ربي هذا اكبر.. فعبدوا الكون كما عُبد الشمس والقمر ونسبوا إليه صفة الازلية (أزلية المادة) إلى أن جاء العلم وقال ان هذا الوثن كغيره من الآفلين…ووصفوه بالحكمة والقيومية (الإصطفاء والبقاء للأصلح )..فكان هذا الوثن كغيره من الاوثان مادة صماء تتصف بصفات العقلاء لجعلها مطابقة للصفات الفطرية التي يحملها الإنسان عن الله الخالق الحق..
من العبادات الوثنية في هذا الزمان نجد أيضا العلمانيين الذين رفعوا الملوك والرؤساء إلى درجة الربوبية فالوثن هنا هو إنسان جعلوه مركز التفكير والعبادة بل ونصبت له أصناما في الساحات العمومية لتسبحيه آناء الليل وأطراف النهار فلا تكاد تخلوا ساحة عمومية دكتاتورية سواء علمانية أو نازية أو فاشية إلا ونصبت لزعيمها التماثيل تمجيدا وتقديسا بل وتأليها فمالفرق بين هؤلاء وبين من فتنوا بعبادا أمثالهم فنحتوا لهم التماثيل واتخذوهم آلهة تعبد من دون الله !!!
(إنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أمثَالُكُم فَادعُوهُم فَليَستَجِيبُوا لَكُم إن كُنتُم صَادِقِينَ )
نجد أيضا اللبراليين عباد شعار الحرية والذي جعلوه بدوره صنما متمثلا في تمثال الحرية كغيره من الأصنام الوثنية التي تعبد من دون الله وإن كانوا لا يسجدون له بأجسادهم إلا أنهم سجود آناء اليل وأطراف النهار بعقولهم وأفعالهم..يدعون إليه يوالون ويُعادون عليه !!!
فمفهوم الحرية تعرض للتحريف والتخريب كحال تحريف الديانات السماوية السابقة فجعلوها حرية زائفة مرتبطة بالنفعية المادية دمروا من خلالها الروابط الأسرية والعلاقات الإجتماعية وجعلوا الأفراد مجرّد آلات عاملة..
فتمثال الحرية هو في الحقيقة صنم العبودية وصنم سلب الحرية ليكونوا بذلك كغيرهم من عُبّاد الأوثان ممن حادوا عن عبادة الرحمان


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة