U3F1ZWV6ZTM1MDgwNzg5ODg1MDQyX0ZyZWUyMjEzMTk5NTcyNTU4MA==

عقيدة الأشاعرة والمعتزلة :

إن تاريخ تطور الفكر الشيعي، هو تاريخ الصراع بين الفكر الشيعي والفكر السني. بمعنى أن الأول لم يكن يتطور إلا بمقدار معارضته وصراعه ضد الثاني، والعكس بالعكس. لذلك كانت كل مرحلة كبرى من تطور الفكر السني إلا وتقابلها مرحلة من تطور الفكر الشيعي.
الأسس الأديولوجية التي يقوم عليها الفكر الشيعي
الأسس الأديولوجية التي يقوم عليها الفكر الشيعي


وكما أن الأول مر تدريجيا بمرحلة: علم الكلام البدائي وعلم الكلام المعتزلي وبالفلسفة، كذلك فإن الثاني قد مر بدوره بمراحل: علم الكلام الشيعي وفكر إخوان الصفا وبالفلسفة الشيعية.

إن المجتمع العربي الإسلامي، كان اذن منقسما بين هذين التيارين الفكريين الكبيرين. أما المذاهب الأخرى، فكانت في خطها العام لا تخرج عن راية أحدهما، وأن استقلالها تجاههما لم يكن إلا استقلالا نسبيا.

فماهي الأسس الأيديولوجيا التي يقوم عليها الفكر الشيعي؟

لقد تحددت تلك الأسس تاريخيا، على أساس نوعية الإجابة التي قدمها كل طرف على الإشكاليات الأصلية التالية: ما هو الموقف من الدين الإسلامي؟ هل يجب أن يكون التعامل معه في حدود الالتزام بظاهره الشرعي القانوني المنظم للحياة العملية المادية، أم يجب الذهاب ما وراء الظاهر، إلى أسراره الباطنية؟  ولقد قدم الشيعة والسنة اجابتين مختلفتين جذريا على تلك الإشكالية. 

مفهوم الباطن عند الشيعة:

بالنسبة للشيعة، لقد تأسست أيديولوجيتها على مفهومين جوهريين هما مفهوم الباطن ومفهوم الإمامة. إن مفهوم الباطن يطرح نفسه كنقيض لكل ظاهر واقعي ملموس. إنه يستبدل الظواهر المباشرة بالأشياء الماورائية. وما يهمه في القرآن، ليس هو القرآن في حد ذاته كنص تشريعي له وجود مادي مجسد زمنيا ومكانيا، ويخدم قضايا اجتماعية واقعية محسوسة، بل تهمه حقيقة القرآن الجوهرية بما هي حقيقة روحية متعالية عن عالم المحسوسات. لذلك كان لمفهوم الباطن امتدادات أخرى من نفس الطبيعة، هي مفهوم التأويل كنقيض للتنزيل، ومفهوم الحقيقة كنقيض للشريعة.

إن مفهوم التأويل للقرآن ينطلق من التصور الشيعي لكلمة تنزيل، فبالنسبة للشيعة، إن كلمة تنزيل التي تعني أن القرآن نزل من العالم العلوي إلى العالم السفلي، قد خضع فقط لحركة ذات اتجاه واحد، من الأعلى إلى الأسفل، وهذه الحركة ليست هي الجوهرية المعبرة عن حقيقة القرآن المتعالية. لذلك وجب القيام بحركة أخرى في اتجاه معاكس من أجل اكتشاف تلك الحقيقة، أي الرجوع إلى الأصل الأبدي للقرآن. والوسيلة لتحقيق ذلك هي التأويل، الذي يعني فلب عبارات النص القرآني الظاهرة للرجوع بها إلى معانيها الأصلية الباطنية. 

ومقابل ثنائية التنزيل والتأويل، توجد ثنائية الشريعة والحقيقة. إن الشريعة بمعنى النصوص القانونية المنظمة للحياة الاجتماعية، ليست هي الأساسية في التصور الشيعي. وقيمتها تكمن فقط في كونها تشكل نقطة انطلاق للتأمل في خلفيتها الفعلية، من أجل إدراك حقيقتها الباطنية المتعالية عن عالم المحسوسات.

مفهوم الإمامة عند الشيعة:

إن مفهوم الباطن، الذي تتمحور حوله الثنائيات الثلاث الظاهر والباطن , التنزيل والتأويل, الشريعة والحقيقة , يشكل الإطار المعرفي لمفهوم حوهري ثاني , هو مفهوم الإمامة . فبما أن حقيقة الدين حقيقة باطنية تنتمي إلى عالم الماورائيات، وليست حقيقة ظاهرة تنتمي إلى عالم المحسوسات، فبالتالي لا يمكن إدراكها بواسطة المنطق العقلاني الدنيوي، بل إدراكها فقط يواسطة الكشف الروحاني القائم على الوحي والإلهام والوصال.

وهذه الهبة السماوية ليست في متناول عامة الناس، وإنما هي فقط في متناول نخبة من الخواص، هم الأئمة. إن الإمام الشيعي، هو إذن الوارث الحقيقي لعلم النبي(ص) ومن هذه الفكرة جاء مفهوم العلم الإرثي الذي يستعمله الفكر الشيعي.

إن الإمام هو وحده القادر على تفسير آيات القرآن، أي اكتشاف الأسرار الباطنية من خلال نفي النصوص الظاهرة، لذلك يمكن اعتباره قيم القرآن حسب التعبير الشيعي. ورغم أن الأيديولوجيا الشيعية تعترف بأن دورة النبوة أي التعاقب التاريخي للأنبياء قد انتهت مع النبي محمد(ص)، الذي هو خاتم الأنبياء والمرسلين، إلا أنها تؤكد من ناحية أخرى بأن تلك الدورة لم تنتهي إلا لكي تفتح الباب أمام دورة جديدة هي دورة الإمامة. وهذه الدورة تتكون من 12 إماما يتوارثون العلم الديني، الواحد تلو الآخر. ومن أين يأتي الأئمة؟ 
يأتون أساسا من سلالة علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة ابنة النبي (ص). ولذاك لا يعترف الشيعة بشرعية الخلفاء الثلاث الذين جاؤوا بعد الرسول(ص) وسبقوا عليا كرم الله وجهه.

الخلاصة، هي أن الاندماج بين مفهوم الباطن ومفهوم الإمامة، قد أسس في الإيديولوجيا الشيعية ما يسمى بالعرفان الشيعي وتعني كلمة العرفان عند الفرس اكتساب المعرفة عن طريق الالهام والوحي بدل العقل والمنطق العقلاني. وفي موضوع قادم بمشيئة الله سأحاول أن ألقي الضوء على الإيديولوجيا السنية منتهجا نوعا من الحيادية في طرحي للأفكار والسلام. 
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة