رواية ثلاثية غرناطة – كما هو واضح من اسمها – ليست رواية واحدة وإنما ثلاث روايات (غرناطة – مريمة – الرحيل) تم دمجها في كتاب واحد ضخم. الرواية كتبتها كاتبة لها ثقلها الأدبي، وقلمها الوثاب الذي يأخذك في سرد الأحداث إلى ما وراء الأحداث، وإلى قراءة ما بين السطور، وهي الكاتبة رضوى عاشور.
من قرأ رواية الموريسكي الأخير سيشعر بألفة شديدة مع هذه الرواية. فأجواء رواية ثلاثية غرناطة تحمل نفس الرحيق الأندلسي بعد سقوط غرناطة مباشرة. غير أن الأولى دارت أحداثها في حيّ البُشرات، بينما الثانية دارت في حي البيازين، وهما بالمناسبة أشهر حيين في غرناطة.

للأسف لم يتوافر لديّ النسخة الأصلية الأولى الخاصة بدار الهلال، والتي صدرت عام 1994 على جزئين، (غرناطة) في كتاب، و(مريمة والرحيل) في كتاب. والنسخة الحالية – الموضحة في الصورة – طبعة دار الشروق الرابعة عشر، والطبعة الأولى كانت عام 2009.
نظرة عامة على ثلاثية غرناطة
الرواية من الروايات التاريخية الطويلة التي تعاصر حقبة طويلة من الزمن بعد سقوط غرناطة، آخر ممالك المسلمين في الأندلس. تروي رواية ثلاثية غرناطة الأحداث المروعة التي مرّ بها المسلمون في الفترة التي تلت تسليم مفاتيح غرناطة لملكي قشتالة وليون.
تُروى الأحداث التي تلت سقوط غرناطة من خلال الأحداث التي تمر على عائلة أبي جعفر الوراق. تمر الرواية الطويلة بأحفاده، ثم أحفاد أحفاده على مر عقود طويلة من الزمن، ومع ذلك تحتفظ الكاتبة بسلاسة الأحداث وترابطها، وطبائع شخصياتها والتغيرات التي تمت عليهم بفعل حكم القشتاليين الجديد لغرناطة.
التركيز الأكبر للرواية كان على الأفعال المروعة التي قام بها الأسبان بعد استيلائهم على غرناطة، والتي ليس لها أي تبرير منطقي غير الحقد والغل على المسلمين. وتقوم أحداث الرواية كلها على ردود أفعال المسلمين تجاه هذه الأحداث، والتغيرات التي حدثت في حياتهم بسببها.
بدأ الأمر بمعاهدة من فرديناند وإيزابيللا ملكي قشتالة وليون بتأمين المسلمين المقيمين في غرناطة على دينهم وممتلكاتهم وحرية ممارسة الشعائر والعادات الإسلامية، ومعاملتهم كمواطنين عاديين في حكم الملك وعدم إبداء أي ممارسة من شأنها بث روح التفرقة العنصرية بين العرب والأسبان.
لم يمض الكثير من الوقت حتى نقض الملكان العهد وبدأت سلسلة من أبشع الممارسات العنصرية، لا أقول في التاريخ الإسلامي، ولكن في التاريخ الإنساني كافة.
قرار بإجراء عمليات تنصير قسري جماعي للمسلمين، تغيير أسماء المسلمين العربية إلى أسماء قشتالية، قرار بتسليم كل الكتب العربية لدى المسلمين لحرقها، ومن يثبت أن لديه كتاب أخفاه، يُحاكم ويُسجن وقد يُقتل حرقًا. يجب على العرب المتنصرين الجدد أن يذهبوا إلى الكنيسة كل أحد وإقامة الشعائر الكنسية لإثبات إنتماؤهم إلى الدين الجديد، فتح أبواب المنازل أيام الجُمع للتأكد من عدم ممارسة أي شعائر دينية، عدم لبس الأزياء العربية واستبدالها بالأزياء القشتالية، وممنوع منعًا باتًا مغادرة البيازين لأي سبب، إلا بعد العودة إلى استئذان حاكم المدينة.

ممنوع منعًا باتًا، طهور الصِّبْية، سير النساء برؤوس مغطاة في الشارع، أو إقامة أي شعيرة من شعائر الدين الإسلامي، من صلاة أو صيام أو غيره. ممنوع الذبح في المنازل تمامًا، الزواج يجب أن يتم في الكنيسة على يد القس، ممنوع تكفين الميت وتشييعه وفقًا للشريعة الإسلامية.
لم يقتصر الأمر على الأمور الدينية فقط، وإنما امتد إلى العادات الشخصية والحياتية، مثل الذهاب إلى الحمام للاغتسال، فتم إغلاق كل الحمامات بأمر الملك، الاحتفاء بليال الجمعة، الإنشاد الديني والتواشيح، وغيرها من الأمور التعسفية التي لا تعكس إلا حقد وكراهية من القشتاليين للعرب المسلمين.

أما أسوأ ما تعرض له المسلمون في هذه الفترة فهو محاكم التفتيش. تحتوي الرواية على مشهد من أروع المشاهد التي تصف كيف كانت التحقيقات تتم مع المشتبه فيهم، فيمن يقع تحت أنياب محاكم التفتيش. لقد صورت رضوى عاشور المشهد كأروع ما يكون، وصاغت تفاصيل المحاكمة ببراعة واقتدار، وعبرت به عن حجم الجهل الذي كانت تغرق فيه العقول (المتنورة) الأوروبية، وكيف كانت الكنيسة تتعامل مع الأمور العلمية، وكيف كانت تفسرها. ولولا الخوض في تفاصيل الرواية لتحدثت أكثر عن المشهد، وهو بالمناسبة في نهايات الجزء الأول من الرواية (غرناطة).
ملخص رواية ثلاثية غرناطة
تبدأ أحداث الرواية قُبيل تسليم غرناطة بأيام قليلة في بيت أبي جعفر الوراق. وكما هو واضح من اسمه فقد كان أبو جعفر يعمل خطاطًا له حانوته الخاص، ينسخ الكتب، ويخيط صفحاتها، ويجلد غلافها، ثم يختمها بعنوان الكتاب، يخطه بأناقة على الغلاف، ويستأثر بهذه المهمة بالتحديد دون صبيه نعيم.
عشق هذا الرجل للكتب لا يضاهيه عشق. فهو لا يرى في مهنته مجرد مهنة، وإنما ينظر إليها كرسالة، لن تستمر البشرية بدونها. عشقه للكتب لازمه في حياته، وكان سببًا في وفاته.
تتكون عائلة أبو جعفر من زوجته أم جعفر، وأرملة ابنه أم حسن، وحفيديه حسن وسليمة. كذلك الصبي (نعيم) الذي يساعده في حانوته، والذي يعتبره أبو جعفر وأم جعفر فرد من العائلة. إنضم إليهم حديثًا الصبي (سعد) الذي يكبر نعيم بعام واحد فقط، والذي جاء بتوصيه من أبي منصور صاحب الحمام. وكان سعدًا خادمًا لرجل يستحم في حمام أبي منصور، حتى استفز – الرجل – أبو منصور، فقام إليه ليضربه، ففر الرجل وترك سعدًا خلفه بلا عمل.
من نتائج عشق أبو جعفر للكتب والعلم أن أصرّ على انتظام تعليم حفيديه حسن وسليمة، وبالأخص سليمة التي كان يرى فيها – حسب تخيله – أحد علماء الأندلس الأفذاذ.
تتوالى الأحداث على البيازين تباعًا، فيرى أبو جعفر بعينيه تسليم قصر الحمراء، ورفع الصليب على أبراجه، ويهرع إلى حماية الكتب التي تحويها مكتبته بوضعها في مكان سري في بيت ثان له في منطقة قريبة تُسمى عين الدمع، وتتوالى الأحداث على عائلة أبي جعفر بعد قرار التنصير القسري وما يستتبعه من أحداث.
الشخصيات البارزة في رواية ثلاثية غرناطة
أبو جعفر: الجد الخطاط عاشق الكتب الذي أصرّ على تعليم أحفاده رغم توقف العمل بحانوته بعد سقوط غرناطة.
أم جعفر: الجدة التي تقف بجانب زوجها حتى وفاته، وتحنو على أحفادها بشدة، وتخشى تذكر ولدها – جعفر – لما يسببه ذلك من آلام، وتستعيض عنه بالنظر إلى أولاده حسن وسليمة. وتكنّ مشاعر رفق خاصة للشريدين نعيم وسعد.
أم حسن: أرملة جعفر، التي لا ترى لها في حياتها هدف إلا رعاية أبناءها. وكعادة أي حماة، تحنو وترفق على أبناءها، وتتحفز وتحتد على زوجاتهم.
حسن: الشخصية التي تقدّر العائلة أيّما تقدير، وتحرص دومًا على أمنها وسلامتها، مهما كانت التضحيات. حسن يُمّثل الشخصية المتعادلة التي تعشق الاستقرار والبقاء في منطقة الراحة، ولا تحبذ الاصطدام بالسلطة، أو تعريض سلامة العائلة للخطر، وخاصة ووضعها حرج، وسنرى ذلك من تقديمه الكثير من التنازلات خلال أحداث الرواية، حتى اختفاؤه منها.
سليمة: شخصية فذة، ذات عقلية علمية، تعشق العلم والتعلم، خوض بحور الكتب، ومستعدة للتضحية في سبيل ذلك بأي شيء وكل شيء. سنرى أن شخصية سليمة تموج بالكثير من الأسئلة العقلية النافذة التي تبحث دومًا عن إجابة شافية، فلا تجد. مزاجها غير مستقر، مدللة نوعًا ما، وتمثل الجانب المتمرد في شخصيات الرواية ضد كل ما هو تقليدي.
نعيم: هي الشخصية التي تعطي روح الفكاهة لثلاثية غرناطة. خفيف الظل، مليء بالحيوية، متجدد المواقف، مفعم بالنشاط، مخلص إلى أقصى حد، يحب رفيق حياته سعد حتى الجنون، ومستعد للتضحية بحياته شخصيًا في سبيله. من الجدير بالذكر أن العائلة بأسرها تتعامل مع نعيم وكأنه أحد أفرادها ذي الدم، وليس وافدًا غريبًا عليها، وله معزّة خاصة في قلب أم جعفر.
سعد: الصبي اليافع الهارب من مالقة بعد مأساة ألمّت بعائلته. وحيد، حزين، يبحث عن دفء العائلة، فيجده في آل أبي جعفر، وبالأخص صديقه المقرب نعيم. يحب سليمة ويتزوجها ويتحمل منها الكثير لأجل هذا الحب، ولأجل إكرام آل أبو جعفر له. وكعادة آل أبي جعفر، يتعاملون مع سعد وكأنه أحد أفراد العائلة.
مريمة: شخصية رئيسية ومحورية للغاية في الرواية، وبها سُمّيَ الجزء الثاني من الرواية، على الرغم من تأخر ظهورها حتى الفصل التاسع من الجزء الأول. الحديث عن هذه مريمة – ابنة الطبَّال – قد يستغرق كتابًا بأكمله. شخصية ذكية، ذات روح خفيفة وثابة، شديدة المرح، سريعة البديهة، خدومة إلى أقصى حد، لها رأي مميز في الحكم على الأمور، ونظرة متوجسة للمستقبل. وكعادة حموات كل زمان ومكان تصطدم بها حماتها أم حسن في بداية ظهورها، على عكس أم جعفر التي تتقبلها وتتفهمها وتحنو عليها، وتتفهم طبيعة العلاقة بينها وبين حماتها. مريمة تستحق عن جدارة أن يُفرد لها الجزء الثاني من الكتاب بأكمله لتغطي أحداثه.

رأيي الشخصي في الرواية
على الرغم من تنوع الشخصيات في الرواية، وتطور الأحداث، إلا أن الكاتبة تمكنت من الربط بينهم ببراعة وإحكام، حتى لتشعر وكأنها تروي قصة حقيقية، وكان دورها فقط هو تسجيل الأحداث.
يعيب الرواية – في رأي الشخصي بالطبع – واقعيتها الشديدة وخلوها من الأحداث المبهجة إلا قليلاً. تشعر مع واقعية الرواية وكأنها تصف أحوالنا الحالية، بكل منغصاتها وتقلباتها، وليست قبسًا من الماضي.
التردد ومرادفه الضياع، هو السمة الغالبة لشخصيات الرواية. فتشعر وكأن أبطال الرواية يسيرون وفق ما تقودهم الأحداث. ربما تكون مقصودة من الكاتبة، بسبب طبيعة المرحلة الحرجة التي كانت تمر بها غرناطة.
شراء رواية ثلاثية غرناطة
الآن يمكنك شراء رواية ثلاثية غرناطة عبر الإنترنت من موقع جملون، حيث تصلك إلى باب منزلك.
إرسال تعليق