U3F1ZWV6ZTM1MDgwNzg5ODg1MDQyX0ZyZWUyMjEzMTk5NTcyNTU4MA==

رواية قواعد العشق الأربعون للكاتبة التركية إليف شافاك :

رواية قواعد العشق الأربعون خدعت بعنوانها الكثير من العشاق والرومانسيين. فقد ظنوا أن الرواية تتحدث عن العشق المادي – أو حتى الروحي – للنساء. بل أكاد أجزم أن من وضع غلاف هذه الطبعة الرواية قد نظر نفس النظرة السطحية إلى الرواية، بينما رواية إليف شافاك شيء مختلف تمامًا عن تلك الظنون.
قبل أن نلقي نظرة عامة على رواية قواعد العشق الأربعون، نحن بحاجة إلى نظرة سريعة على مؤلفتها التركية إليف شافاك. بالمناسبة لقب العائلة ليس (شافاك)، فهي ابنة الفيلسوف نوري بيلجن، وبالتالي فالاسم الرسمي لها هو إليف بيلجن. أما (شافاك) فهو الاسم الأول لأمها (شافاك أتيمان) الدبلوماسية التركية، التي انفصلت عن زوجها – بيلجن – بعد عام واحد فقط من ميلاد إليف.
نشأة إليف في كنف والدتها أبعد عنها الأجواء الذكورية في النشأة، بكل قيودها الفكرية والفعلية. وتذكر إليف أن هذا الأمر ساهم في دعم نشأتها ككاتبة وروائية إلى حد كبير. إليف بالمناسبة صاحبة مقال صحفي منتظم في أشهر المجلات والجرائد العالمية مثل الجارديان البريطانية، اللوموند الفرنسية، بيرلينر زايتونغ الألمانية، نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، واشنطون بوست، والتايم الأمريكية.

غلاف رواية قواعد العشق الأربعون لإليف شافاك
غلاف رواية قواعد العشق الأربعون لإليف شافاك

تعمقت إليف في دراسة الفكر الصوفي، كفكر لتوحيد الشعوب المتشاحنة والبعد عن الصراع في ظل عالم ساخن على وشك الانفجار. لذلك نالت جائزة جلال الدين الرومي عن روايتها الأولى “الصوفي” عام 1998 بوصفها أفضل عمل في الأدب الصوفي في تركيا، مما شجعها على إخراج المزيد من أفكارها في كتب أخرى مثل رواية مرايا المدينة، رواية نظرة محدقة، رواية قصر البرغوث، تبعها كتاب يحوي مجموعة من المقالات تناقش قضايا اجتماعية مختلفة، ثم رواية لقيطة اسطنبول عام 2006 والتي ركزت على أحداث الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915، ورُفِعَ عليها دعوى قضائية بإهانة القومية التركية، ولكن حكم القاضي ببراءتها لعدم كفاية الأدلة.
جاء العام 2010 ثريًا على إليف شافاك حينما أخرجت أفضل واشهر أعمالها العالمية .. كتابنا اليوم: قواعد العشق الأربعون الذي كتبته بغرض توحيد الشعوب العالمية في مظلة الحب الإلهي، وقبول الآخر أيًا كان دينه أو جنسه أو لونه، بعيدًا عن الصراعات الدنيوية بين الناس وبعضهم البعض.

نظرة عامة على رواية قواعد العشق الأربعون

رواية قواعد العشق الأربعون كان أولى بعنوانها أن يكون (قواعد العشق الإلهي الأربعون) على نمط الصوفية. الكتاب فكرته الأساسية تحرر الإنسان من القيود التي وضعها لنفسه، والتي سببت ضيقًا واختناقًا لحياته، متمثلاً في (إيلا) الشخصية الرئيسية في الرواية. يمكنك أن تصنف الرواية على أنها عمل تاريخي، إذ أنها تعرج على حقبة زمنية مضطربة بالكثير من الصراعات المادية والفكرية. وكذلك يمكن تصنيفها كعمل فلسفي، إذا كنت من عُشاق الفلسفة. ويبدو أن الفلسفة من الأمور التي تنتقل بالجينات، فقد كان والد إليف – نوري بيلجن – فيلسوفًا. أو يمكنك أن تصنفها كعمل اجتماعي، حينما تتعرض الكاتبة لحياة إيلا روبنشتاين ربة المنزل البسيطة المملة، وحياتها الرتيبة الخالية من الحب، وكيف هي صعوبة التغير في عالم يعج بالصراعات.
الرواية تروي بالتوازي الحياة الرتيبة لربة المنزل الأمريكية اليهودية (إيلا) في القرن الواحد والعشرين، وواقعها الممل الذي تعيشه، والذي يهدد بنهاية حياة زوجية استمرت أكثر من عشرين عامًا، وحياة شمس التبريزي وقصة لقائه بجلال الدين الرومي، وتأثر الأخير بشمس، وتعلم قواعد العشق الإلهي الأربعون منه.
بخلاف الفقرات الخاصة بيوميات إيلا، فإن القصة بصيغة الراوي، وضعت إليف شافاك على رأس كل فصل عنوان عبارة عن اسم من يرويه. تنوع الرواة حسب المعاني الصوفية التي ترغب شافاك في توصيلها للقارئ، فتارة يكون شمس التبريزي نفسه، وأخرى جلال الدين الرومي، أو حسن الشحاذ، سليمان السكير، العاهرة زهرة الصحراء، علاء الدين بن جلال الدين الرومي، كيميا ربيبة جلال الدين الرومي، كيرا زوجته، ابنه البار سلطان ولد، وغيرهم من الشخصيات. بالطبع إيلا روبنشتاين هي التي تروي تقريبًا ثلث فصول الرواية، متنقلة بين الحاضر الذي تحياه، والماضي الذي تأثرت به من خلال الرواية.
الرواية طويلة نوعًا – 470 صفحة تقريبًا – ولكنها شيقة، مليئة بالأحداث المثيرة التي تدفعك دفعًا إلى إكمالها. وعلى الرغم من أن النسخة التي وقعت في يدي هي النسخة العربية، إلا أنني في شوق لقراءة النسخة الإنجليزية (اللغة الأصلية التي كُتِبَت بها الرواية)، فالترجمة العربية للرواية هي واحدة من أكثر من 30 ترجمة مختلفة للرواية. بالطبع الترجمة رائعة، لا غبار على ذلك، ولكن في الأعمال المميزة – مثل كتاب العادات السبع لأكثر الناس فعالية لستيفن كوفي على سبيل المثال – أفضل أن أقرأ النسخة الأصلية من أول لغة كُتِبَ بها الكتاب.

ملخص رواية قواعد العشق الأربعون

تبدأ الرواية بمشهد سريع لحياة (إيلا روبنشتاين) المملة. تحيا إيلا كربة منزل يهودية تقليدية، تعني بأبنائها، مخلصة لزوجها، على الرغم من فتور العلاقة فيما بينهما. الظاهر في العلاقة بينهما أنه يحبها ويحترمها، وهذا ما يظهر أمام الأبناء، ولكن باطن العلاقة يقول أنه يخونها مع العديد من النساء، لا لشيء إلا أنه أحس بالملل منها، على الرغم من حرصه على هيكل الأسرة اليهودية الصالحة، للحفاظ على استمرار الحياة، وعدم تدمير أسرته.
لم تستطع (إيلا) مواجهته بشكوكها – بشأن خيانته – ولكن بدأت تجلد نفسها، كأم على مشارف الأربعين من عمرها، وليس بها شيئًا مثيرًا يسمح لزوجها بالبقاء في كنفها، وليس خيانتها. تسترجع حياتها أيام صباها، فتراها مملة على خلاف العديد من الفتيات اللاتي كن يتميزن بالإثارة من أي نوع.
تتصادم مع أبنائها، وخاصة ابنتها جانيت التي ترغب في الزواج من أحد الشبان المسيحيين – مخالف لديانتها – لأنها تحبه، وتقدم على خطوة متهورة بالحديث مع الشاب محاولة منها لإثنائه عن الزواج بابنتها، فيحدث صدام بينها وبين جانيت، وتراجع إيلا نفسها، لتعلم أنها أخطأت، وأن تصرفها هذا كان نتيجة لنفسيتها الظامئة للحب، ويأسها من العثور عليه، ففطنت أنها تريد أن تحيا ابنتها نفس حياتها المملة الرتيبة الخالية من الحب. هذا كله يضطرها للاعتذار لابنتها. كانت إيلا ترى أن ابنتها يجب أن تحذو حذوها، فليس شرطًا أن تتزوج عن حب، لأن الحب – من وجهة نظر إيلا – لا يدوم في علاقة بين زوجين.

صدام الحب بين إيلا وابنتها جانيت - قواعد العشق الأربعون
صدام الحب بين إيلا وابنتها جانيت – قواعد العشق الأربعون

كان هذا كله أثناء عثورها على عمل جديد – وهي على مشارف الأربعين – كمدققة أدبية في وكالة أدبية متوسطة. أوكلت إليها الوكالة مراجعة رواية كتبها كاتب هولندي مغمور اسمه عزيز ز. زاهار. عنوان الرواية مثير للغاية: الكفر الحلو.
على مضض بدأت إيلا في قراءة الرواية، وهي تفكر ألف مرة في تجاهلها والانغماس في حياتها المليئة بالعثرات، وترك العمل بالكلية والالتفات إلى أبنائها، ومحاولة إكمال الطريق كما اعتادت. بشكل عام، تبدو شخصية إيلا في الرواية من الشخصيات التي تحب النظام والالتزام، وتكره التجديد والخروج من منطقة الراحة لأي سبب Comfort Zone. لذلك ترى أن أي فعل أو تقليد يتطلب منها القيام بشيء جديد هو بالنسبة لها أمر شاق. فكان أمر التحاقها بالعمل الجديد شاقًا عليها في البداية، وكان أمر قراءة الرواية في أول الأمر شاقًا عليها في البداية كذلك، ولكن لم تلبث الرواية أن جذبتها بشدة، وأحست أنها مكتوبة لأجلها فقط، وليس لأجل النشر، ومنذ أن بدأت تقرأ الرواية بهذا المفهوم، وتغيرت حياتها تغيرًا جذريًا.
فعن ماذا تحكي الرواية؟
شمس التبريزي الدرويش الرحَّال
شمس التبريزي شخصية حقيقية. وهو عاف صوفي مسلم وشاعر. ومصطلح (عارف) يُشار إليه بين الصوفيين على مدى سعة علمه، واتصاله بالعلوم الغيبية عن الله. شمس التبريزي درويش رحَّال أي أنه لا يسكن في مكان محدد أو بلدة محددة، وإنما يتنقل من مكان لآخر يبحث عن الله في كل الموجودات.
تحكي الرواية عن تمرد شمس التبريزي في سن مبكرة للغاية عن الحياة التقليدية النمطية التي تحياها أسرته، ورغبته في الرحيل إلى دنيا الله الواسعة. ويستمر في ترحاله فترة طويلة للغاية، يؤسس خلالها أربعون قاعدة للعشق الإلهي، ولكنه يرى في المنام أن هناك من يقتله، فلا يأبه لمصيره، ولكن كل ما يهمه هو أن يبحث عن أخ له يرافقه رحلة العشق الإلهي، يوليه رعايته، وينقل إليه قواعد العشق الأربعون.
في الرواية، شمس التبريزي له قدرات خارقة، إذ يمكنه قراءة الكف وقراءة الماضي من خلاله، وتفسير الأحلام، ويؤثر بشكل قاهر على أي شخص يقابله، كما يمتلك القدرة في التأثير على الجماهير، ولا يخشى أحدًا سواء أكان قاضيًا، أو وزيرًا أو حتى أميرًا. كذلك يقول عن نفسه أنه لا يرى أحلامًا، وإنما رؤى. فقد توقف عن الحلم من زمان، وأُتيَ – بدلاً من ذلك – القدرة على تفسير أحلام الآخرين، وبالطبع لا يُغلب في حوار.
في رؤيا يرى أن من سيدله على صاحبه هو عالم صوفي يرأس تكية للدراويش في بغداد. يرتحل شمس إلى بغداد، ويقابل العالم الصوفي بابا زمان هناك، ويقيم في تكيته شهورًا عديدة ينتظر اللحظة التي سيتعرف فيها على رفيقه، ولا يعرف كيف ستأتي.
يطول المقام، ويتضجر شمس التبريزي من طول المقام، وقد اعتاد السفر والترحال، وعدم الثبات على حال، في انتظار اللحظة الموعودة. التي تأتي في شكل رسالة من جلال الدين الرومي.
جلال الدين الرومي
جلال الدين الرومي في الرواية يمثل العالم المسلم الذي يعرف دينه حقًا، ثم يبدأ بالاتجاه إلى التصوف طلبًا للمزيد من المعرفة والقرب من الله. يبدأ ظهور جلال الدين الرومي في الرواية برؤيا غريبة يرى فيها رجلاً قد أشعل له أصابعه كالشموع. ويأخذ من الرؤيا دلائل أن هذا الرجل موجود في تكية الدراويش في بغداد، فيرسل رسالة إلى بابا زمان يطلب منه تفسيرًا للأمر، وإن كان هذا الرجل لديه، أن يرسله إليه ليكون رفيقه في رحلة معرفة الله.
جلال الدين يعيش أزهى أيامه، فهو عالم مشهور، من عائلة عريقة في بلدته قونية، يأتيه الناس من كل مكان ليستمعوا إلى خطبه ودروسه، وله الآلاف من المعجبين والمريدين، ويكاد موكبه يقارب موكب حاكم المدينة حينما يتحرك من وإلى المسجد، من كثرة فخامته وزحام الناس من حوله. يظل الأمر على هذا الحال، حتى يلقى جلال الدين الرومي شمس التبريزي في قونية.
جلال الدين الرومي تراوده رؤيا مزعجة، يبحث لها عن تفسير، رؤيا لشخص يجعل من أصابعه شموعًا تضيء له الطريق.

رؤيا جلال الدين الرومي
رؤيا جلال الدين الرومي

إيلا روبنشتاين
تعيش إيلا أحداث الرواية جنبًا إلى جنب مع حياتها الشخصية، فتنام وتصحى على أحداث الرواية، بل وتبدأ في مراسلة عزيز – مؤلف الرواية – وتستوضح منه أسباب كتابته لها، وما هي فلسفته في الحياة، وتبدأ في التأثر به بشكل كبير، يؤثر على مسار حياتها للأبد.
ترى إيلا نفسها أنها كانت تتبنى الكثير من المبادئ الخاطئة التي كان من الممكن استبدالها بأمور أخرى، وأن الحب ليس شرطًا أن يكون على نفس الشاكلة التي تصورتها مع زوجها، وأن الحب دائمًا موجود في كل الموجودات ولكننا لا نحسن البحث عنه، بل موجود في داخلنا ولكننا في حاجة إلى إزالة الغبار عنه، وأخذ الخطوة الأولى ناحية الله.
وفي زيارة خاطفة من أمستردام إلى بوسطن يأتي عزيز ليضع إيلا في حيرة شديدة بشأن حياتها، والمسار الذي يجب أن تختاره وتسير فيه.

رأيي الشخصي في رواية قواعد العشق الأربعون للكاتبة التركية إليف شافاك

رأيي في الرواية ينقسم  إلى ثلاثة أقسام:
الأول: رأيي في الرواية كعمل أدبي
عمل في غاية الروعة، ولا غبار عليه. عمل نظيف للغاية، يختار أفصح العبارات وأبلغ المعاني، لتوصيل الفكرة. حينما بدأت في القراءة من العمل، كان تصوري أنني سأقوم بالإطلاع السريع حتى وقت آخر، ولكن ما وجدته بالفعل هو أنني لم أستطع ترك الرواية. الرواية ليس بها أحداث مثيرة تشد أو تدفعك إلى الاستمرار في القراءة، ولكن كان هناك شيء غامض في الرواية دفعني إلى قراءة المزيد والمزيد من الصفحات، وأظن أن هذا هو صدق الكاتبة في كتابة كل كلمة وكل فصل، وربما يفسر هذا نجاحها الشديد، لأن ما يخرج من القلب حتمًا يصل إلى القلب مباشرةً، بدون تمثيل أو افتعال.
وهذا أمر طبيعي لكاتبة بموهبة وإمكانيات إليف شافاك، وتاريخها الروائي والصحفي، المليء بالأعمال المتميزة التي حصدت عليها الجوائز.
الثاني: رأيي في الرواية كأفكار فلسفية
الكتاب قائم على أفكار فلسفية راقية للغاية، وهي توحيد الوجود الإنساني، والاندماج في الذات الإلهية، ونبذ العنصرية والتطرف، وأننا إذا كان أصلنا واحد، فالأولى أن نعود للأصل، وننبذ الاختلاف.
الفكرة تبدو رومانسية جميلة، ولكنها – للأسف – غير واقعية. فطبيعة النفس البشرية التي أُلهمت الخير والشر – فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿الشمس: ٨﴾ الآية – تختار وفق مصلحتها، فإذا كانت مصلحتها مع الخير، فبها ونعمت. وإذا كانت مصلحتها مع الشر، تختار الشر. ولأن النفس البشرية عجولة بطبعها – وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا ﴿الإسراء: ١١﴾ الآية – فهي تختار الطريق الأقصر للمصلحة، والذي غالبًا ما يكون بعيدًا عن الخير. وهي – النفس – حينما تختار هذا الخيار لا تظن فيه الشر، بل تصوغه صياغة مريحة للنفس حتى يمكنها التمادي فيها لما هو أعمق.
هذا بالطبع غير أمراض النفس (الحقد، الحسد، الغضب، الغيرة، …الخ) التي تساهم بدورها في بذر بذور الشر في العالم، فيبتعد الإنسان عن التسامي بأخلاقه أكثر وأكثر.
يُذكرني الأمر بأفكار المجاهد الشيوعي تشي جيفارا ورغبته في القضاء على الظلم في العالم، في أي مكان، ومع أي فريق، وأي بلد لنشر العدل في البشرية. فكرة جميلة محببة إلى النفس، ولكنها رومانسية أكثر من اللازم، وتبتعد كل البعد عن الواقعية.
بنفس المنهجية، ترى الكاتبة – من خلال قواعد العشق الأربعون – أنه يجب على الإنسانية أن تتوحد بغض النظر عن الجنس أو الدين أو العرق في ظل الحب الإلهي، ونبذ الخلافات التي حتمًا ستتسبب في هلاك البشرية يومًا. لا تعترف الرواية باختلاف الأديان، سماوية كانت أو أرضية، بل ترى أنه يمكن للهندوسي والبوذي أن يصبح صوفيًا.

حدود رحمة الله من وجهة نظر الصوفية
حدود رحمة الله من وجهة نظر الصوفية

أجواء الرواية – في أجزاء كثيرة – تذكرني بأجواء كهنة التبيت ومعبد شاولين الصيني. نفس الانعزال، نفس التدين، نفس التأمل، نفس الطرق الشاقة في التربية، نفس الدرجات في الاحترام، وغيرها. اقرأ الرواية بهذا المفهوم، وستفهم قصدي وخاصة حينما كان شمس التبريزي في تكية الدراويش عند بابا زمان.

أجواء المعابد التبتية في تكية الدراويش - حديث المبتدئ عن رحلة وصوله إلى الدروشة
أجواء المعابد التبتية في تكية الدراويش – حديث المبتدئ عن رحلة وصوله إلى الدروشة

الثالث: رأيي في الرواية كتوجهات دينية
هنا يأتي الصدام ..
الصوفية – كفكر ديني ارتقائي – ليس لديّ أي اعتراض عليه، اللهم بعض الأمور الخاصة بالعقيدة، والتي يمكن التفاهم بشأنها. الإنسان يريد أن يتقرب إلى الله، ويعرفه أكثر من خلال الإكثار من العبادة، والتأمل في ملكوت الله، وهذا أمر مشروع ومقبول، طالما يتم هذا الأمر وفق ما أشار به النبي صلى الله عليه وسلم من شعائر وعبادات.
ففي مسألة التعبد والتقرب إلى الله، ترك النبي صلى الله عليه وسلم الباب مفتوحًا للمجتهدين بشرط ألا يبتدعوا شيئًا جديدًا لم يأت به النبي. فمن أراد التقرب بالصلاة، فليؤد الفرائض كما هي بالضبط، وله أن يجتهد في النوافل ما شاء. من أراد الصوم فليصم شهر رمضان – المفروض عليه شرعًا – وليصم تطوعًا ما شاء الله له أن يصوم.
ولكن أن تأتي بعبادات لم يأت بها النبي صلى الله عليه وسلم، أو تنسب إلى النبي حديث لم يقله، أو تتجرأ على الله بألفاظ، وتصفه بصفات لم يصف نفسه بها سبحانه، فهذا مما لا شك فيه مغالاة مرفوضة، وخاصة عندي بصفتي مسلم على عقيدة أهل السنة والجماعة.
هذا بالإضافة إلى أن الكاتبة تهاجم – بشكل ذكي غير مباشر – علماء الدين في شكلهم التقليدي، وأنهم لا يشعرون بعموم الناس، بينما الصوفي يشعر بهم.

تجديف من شمس أو الكاتبة فيه تعميم لا يليق على العلماء
تجديف من شمس أو الكاتبة فيه تعميم لا يليق على العلماء

نعم .. التقرب إلى الله أمر محمود، والخلوة أمر مطلوب كل فترة لتصفية الذهن من عوالق الدنيا، ولكن التفرغ للعبادة بشكل كامل، واعتزال الحياة العامة والأنشطة التي تنهض عليها الأمة، وتتقدم على أ ثرها، فلا أظن أن هذا هو ما أشار به النبي صلى الله عليه وسلم ولا ما دعى إليه في رسالته، ولا أظن أنه بهذا تتقدم الأمة وتخرج من كبوتها، فلو تحولنا إلى مجموعة من الدراويش الذين يسبحون في بحيرة العشق الإلهي، من يقوم بأمرنا، ويرعى شئوننا المختلفة؟ وأين فقه الأخذ بالأسباب والسعي في الدنيا؟ وأين فروض الكفاية في الأمة؟ أعتقد أن الأمر به الكثير من التفصيل، الذي لا محل لذكره هنا، ولست بالعلم الكافي الذي يسمح لي بذلك.
من المغالاة في الرواية، أن الصوفي لا ينظر إلى الدين كأساس لتصوفه. الصوفي هو الصوفي سواء أكان مسلمًا، نصرانيًا، يهوديًا، أو حتى بوذيًا. كذلك الصوفي ليس بالضرورة أن يعتني بنفسه وظاهره أمام الناس، وربما لا يصلي، ولا يصوم، ويشرب الخمر، ويرقص، ولكنه يظل صوفيًا. فالأمر – في رأي كاتبة الرواية أو رأي الرومي – أرقى وأعلى من رؤية الناس المحدودة لهذه المحسوسات.

قصيدة الرومي التي يتجول فيها بين الأديان
قصيدة الرومي التي يتجول فيها بين الأديان

رأيي في قواعد العشق الأربعون للتبريزي

المعاني الروحية أو الإنسانية المذكورة في قواعد العشق الأربعون راقية، إذا استثنينا منها أنها تحتمل التأويل لأكثر من معنى أو مقصود. وربما أسوأ التأويلات التي ذُكِرَت في رأيي تلك – صدق أو لا تُصدق – التي وردت في الرواية. فأشعر أن الكاتبة قد وظفتها لتبرير مغالاة شمس التبريزي الصوفية، واضطلاعه بالعديد من الأفعال المخالفة للشريعة بدعوى الإيمان.
إذا نظرت لقواعد العشق الأربعون بعيدًا عن رواية قواعد العشق الأربعون ستستشعر قيمتها أكثر، فهي – أكرر – معان راقية، غرضها السمو بالنفس، ولكن .. ولأن الدين بالنسبة لي، وبالنسبة لكثير من المسلمين منهج حياة، فهو لا يستقيم إلا باتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم والابتعاد عن البدع، والمغالاة في العبادات، والتأويل الخاطئ لبعض المشاهدات والأفعال، بتأويل لا يليق بمسلم ملتزم بمنهاج رباني هو القرآن والسنة.

قواعد العشق الأربعون كما نقلتها من موقع ويكيبيديا، وذلك إذا رغبت في قراءتها:

  1. إن الطريقة التي نرى فيها الله ما هي إلا انعكاس للطريقة التي نرى فيها أنفسنا فإذا لم يكن الله يجلب إلى عقولنا سوى الخوف والملامة فهذا يعني أن قدرا كبيرا من الخوف والملامة يتدفق في نفوسنا، أما إذا رأينا الله مفعما بالمحبة والرحمة فإننا نكون كذلك.
  2. إن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب لا من الرأس فاجعل قلبك لا عقلك دليلك الرئيسي. واجه، تحد وتغلب في نهاية المطاف على النفس بقلبك. إن معرفتك بنفسك ستقودك إلى معرفة الله
  3. إن كل قارئ للقران الكريم يفهمه بمستوى مختلف بحسب عمق فهمه. وهناك أربعة مستويات من البصيرة: يتمثل المستوى الأول في المعنى الخارجي وهو المعنى الذي يقتنع به معظم الناس، ثم يأتي المستوى الباطني. وفي المستوى الثالث ياتي باطن الباطن، أما المستوى الرابع فهو العمق ولا يمكن الاعراب عنه بالكلمات، لذلك يتعذر وصفه.
  4. يمكنك أن تدرس الله من خلال كل شيء وكل شخص في هذا الكون، لأن وجود الله لا ينحصر في المسجد أو في الكنيسة أو في الكنيس. إذا كنت لا تزال تريد أن تعرف أين يقع عرشه بالتحديد، يوجد مكان واحد فقط تستطيع أن تبحث فيه عنه، وهو قلب عاشق حقيقي. فلم يعش أحد بعد رؤيته ولم يمت أحد بعد رؤيته، فمن يجده يبقى معه إلى الأبد.
  5. يتكوّن الفكر والحب من مواد مختلفة. الفكر يربط البشر في عقد، لكن الحب يذيب جميع العقد، إن الفكر حذر دوما وهو يقول ناصحا: “احذر الكثير من النشوة” بينما يقول الحب: “لا تكترث! أقدم على هذه المجازفة”. وفي حين أن الفكر لا يمكن أن يتلاشى بسهولة، فإن الحب يتهدم بسهولة ويصبح ركاما من تلقاء نفسه، لكن الكنوز تتوارى بين الانقاض والقلب الكسير يخبئ كنوزا .
  6. تنبع معظم مشاكل العالم من أخطاء لغوية ومن سوء فهم بسيط. لا تأخذ الكلمات بمعناها الظاهري مطلقا. وعندما تلج دائرة الحب، تكون اللغة التي نعرفها قد عفى عليها الزمن، فالشيء الذي لا يمكن التعبير عنه بكلمات، لا يمكن إدراكه إلا بالصمت.
  7. الوحدة والخلوة شيئان مختلفان، فعندما تكون وحيدا، من السهل أن تخدع نفسك ويخيل إليك أنك تسير على الطريق القويم. أما الخلوة فهي أفضل لنا، لأنها تعني أن تكون وحدك من دون أن تشعر بأنك وحيد. لكن في نهاية الأمر، من الأفضل لك أن تبحث عن شخص، شخص يكون بمثابة مرآة لك ، تذكر أنك لا تستطيع أن ترى نفسك حقا، إلا في قلب شخص آخر، وبوجود الله في داخلك.
  8. مهما حدث في حياتك ومهما بدت الاشياء مزعجة فلا تدخل ربوع اليأس. وحتى لو ظلت جميع الابواب موصدة، فإن الله سيفتح دربا جديدا لك. أحمد ربك! من السهل عليك ان تحمد الله عندما يكون كل شيء على ما يرام. فالصوفي لا يحمد الله على ما منحه إياه فحسب، بل يحمده أيضا على كل ما حرمه منه.
  9. لا يعني الصبر أن تتحمل المصاعب سلبا بل يعني أن تكون بعيد النظر بحيث تثق بالنتيجة النهائية التي ستتمخض عن أي عملية. ماذا يعني الصبر؟ إنه يعني أن تنظر إلى الشوكة وترى الوردة، أن تنظر إلى الليل وترى الفجر، أما نفاد الصبر فيعني أن تكون قصير النظر ولا تتمكن من رؤية النتيجة. إن عشاق الله لا ينفد صبرهم مطلقا لأنهم يعرفون أنه لكي يصبح الهلال بدرا فهو يحتاج إلى وقت.
  10. لا يوجد فرق كبير بين الشرق والغرب، والجنوب والشمال. فمهما كانت وجهتك، يجب أن تجعل الرحلة التي تقوم بها رحلة في داخلك، فإذا سافرت في داخلك، فسيكون بإمكانك اجتياز العالم الشاسع وما وراءه.
  11. عندما تجد القابلة أن الحُبلى لا تتألم أثناء المخاض فإنها تعرف أن الطريق ليس سالكا بعد لوليدها، فلن تضع وليدها إذا. ولكي تولد نفس جديدة، يجب أن يكون ألم. وكما يحتاج الصلصال إلى حرارة عالية ليشتد، كذلك الحب لا يكتمل إلا بالألم .
  12. إن السعي وراء الحب يغيرنا، فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته، فما أن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ تتغير من الداخل والخارج.
  13. يوجد معلمون وأساتذة مزيفون في هذا العالم أكثر عددا من النجوم في الكون المرئي. فلا تخلط بين الأشخاص الأنانيين الذين يعملون بدافع السلطة وبين المعلمين الحقيقيين. فالمعلم الروحي الصادق لا يوجه انتباهك إليه ولا يتوقع طاعة مطلقة أو إعجابا تاما منك، بل يساعدك على أن تقدر نفسك الداخلية وتحترمها. إن المعلمين الحقيقيين شفافون كالبلور، يعبر نور الله من خلالهم. لا تحاول ان تقاوم التغييرات التي تعترض سبيلك، بل دع الحياة تعيش فيك. ولا تقلق إذا قلبت حياتك رأسا على عقب. فكيف يمكنك أن تعرف ان الجانب الذي اعتدت عليه أفضل من الجانب الذي سيأتي؟
  14. إن الله منهمك في إكمال صنعك، من الخارج ومن الداخل. إنه منهمك بك تماما. فكل إنسان هو عمل متواصل يتحرك ببطء لكن بثبات نحو الكمال. فكل واحد منا هو عبارة عن عمل فني غير مكتمل يسعى جاهدا للاكتمال. إن الله يتعامل مع كل واحد منا على حدة لأن البشرية لوحة جميلة رسمها خطاط ماهر تتساوى فيها جميع النقاط من حيث الأهمية لإكمال الصورة. من السهل ان تحب إلها يتصف بالكمال، والنقاء، والعصمة. لكن الأصعب من ذلك ان تحب إخوانك البشر بكل نقائصهم وعيوبهم. تذكر أن المرء لا يعرف إلا ما هو قادر على أن يحب. فلا حكمة من دون حب. وما لم نتعلم كيف نحب خلق الله، فلن نستطيع أن نحب حقا ولن نعرف الله حقا.
  15. إن القذارة الحقيقية تقبع في الداخل، أما القذارة الأخرى فتزول بغسلها. ويوجد نوع واحد من القذارة لا يمكن تطهيرها بالماء النقي، وهو لوثة الكراهية والتعصب التي تلوث الروح. نستطيع أن نطهر أجسامنا بالزهد والصيام، لكن الحب وحده هو الذي يطهر قلوبنا.
  16. إن كل إنسان عبارة عن كتاب مفتوح، وكل واحد منا قرآن متنقل. إن البحث عن الله متأصل في قلوب الجميع، سواء أكان وليا ام قديسا أم مومسا. فالحب يقبع في داخل كل منا منذ اللحظة التي نولد فيها، وينتظر الفرصة التي يظهر فيها منذ تلك اللحظة. يقبع الكون داخل كل إنسان، كل شيء تراه حولك، بما في ذلك الاشياء التي لا تحبها، حتى الاشخاص الذين تحتقرهم أو تمقتهم، يقبعون في داخلك بدرجات متفاوتة. لا تبحث عن الشيطان خارج نفسك، فالشيطان ليس قوة خارقة تهاجمك من الخارج بل هو صوت عادي ينبعث من داخلك فاذا تعرفت على نفسك تماما وواجهت بصدق وقسوة جانبيك المظلم والمشرق، عندها تبلغ ارقى اشكال الوعي. وعندما تعرف نفسك، فإنك ستعرف الله.
  17. إذا أراد المرء ان يغير الطريقة التي يعامله فيها الناس، فيجب أن يغير اولا الطريقة التي يعامل فيها نفسه. وإذا لم يتعلم كيف يحب نفسه، حبا كاملا صادقا، فلا توجد وسيلة يمكنه فيها أن يحب. لكنه عندما يبلغ تلك المرحلة، سيشكر كل شوكة يلقيها عليه الاخرون. فهذا يدل على أن الورود ستنهمر عليه قريبا.
  18. إن الماضي دوامة، إذا تركته يسيطر على لحظتك الحالية فإنه سيمتصك ويجرفك. ما الزمن إلا وهم فحسب، وكل ما تحتاج إليه هو ان تعيش هذه اللحظة بالذات. هذا كل ما يهم.
  19. لا تهتم إلى اين سيقودك الطريق، بل ركز على الخطوة الاولى. فهي أصعب خطوة، يجب أن تتحمل مسؤوليتها. وما ان تتخذ تلك الخطوة، دع كل شيء يجري بشكل طبيعي وسيأتي ما تبقى من تلقاء نفسه. لا تسر مع التيار، بل كن انت التيار.
  20. لقد خلقنا جميعا على صورة الله ومع ذلك فإننا جميعا مخلوقات مختلفة ومميزة. لا يوجد شخصان متشابهان، ولا يخفق قلبان لهما الايقاع ذاته. ولو أراد الله أن نكون متشابهين لخلقنا متشابهين. لذلك، فإن عدم احترام الاختلافات وفرض أفكارك على الآخرين يعني عدم احترام النظام المقدس الذي أرساه الله.
  21. لا يصبح المرء مؤمنا بين ليلة وضحاها. إذ يخيل للمرء انه مؤمن، ثم يحدث شيء في حياته فيصبح ملحدا. ثم يعود ويؤمن ثانية، ثم يصبح متشككا وهكذا دواليك، حتى يبلغ مرحلة معينة. إننا نتردد باستمرار. هذه هي الطريقة الوحيدة التي تجعلنا نمضي إلى الامام. ومع كل خطوة جديدة، نزداد قربا من الحقيقة.
  22. عندما يدخل عاشق حقيقي لله إلى حانة، فإنها تصبح غرفة صلاته، لكن عندما يدخل شارب الخمر إلى الغرفة تفسها، فإنها تصبح خمارته. ففي كل شيء نفعله قلوبنا هي المهمة، لا مظاهرنا الخارجية.
  23. ما الحياة إلا دين مؤقت وما هذا العالم إلا تقليد هزيل للحقيقة. والأطفال فقط هم الذين يخلطون بين اللعبة والشيء الحقيقي. ومع ذلك فإما أن يفتتن البشر باللعبة أو يكسروها بازدراء ويرموها جانبا. في هذه الحياة تحاشى التطرف بجميع انواعه لانه سيحطم اتزانك الداخلي.
  24. يتبوأ الإنسان مكانة فريدة بين خلق الله، إذ يقول: “ونفخت فيه من روحي”. خلقنا جميعا دون استثناء لكي نكون خلفاء الله على الأرض، فسأل نفسك: كم مرة تصرفت كخليفة له، هذا إن فعلت ذلك؟ تذكر أنه يقع على عاتق كل منا اكتشاف الروح الالهية في داخله حتى يعيش وفقها.
  25. إن جهنم تقبع هنا والآن، وكذلك الجنة. توقفوا عن التفكير بجهنم بخوف أو الحلم بالجنة، لأنهما موجودتان في هذه اللحظة بالذات. ففي كل مرة نحب، نصعد إلى السماء. وفي كل مرة نكره أو نحسد أو نحارب احدا فإننا نسقط مباشرة في نار جهنم. هل يوجد جحيم أسوأ من العذاب الذي يعانيه الإنسان عندما يعرف في اعماق ضميره أنه اقترف ذنبا جسيما. هل توجد جنة أفضل من النعمة التي تهبط على الإنسان في تلك اللحظات النادرة من الحياة عندما تفتح فيها مزاليج الكون ويشعر انه امتلك كل اسرار الخلود واتحد مع الله اتحادا كاملا؟
  26. يرتبط كل شيء وكل شخص بشبكة خفية من القصص. سواء أدركنا ذلك ام لم ندركه، فإننا نشارك جميعا في حديث صامت. لا ضرر ولا ضرار وكن رحيما ولا تكن نماما، حتى لو كانت كلماتك بريئة، لان الكلمات التي تنبعث من افواهنا لا تتلاشى بل تظل في الفضاء اللانهائي إلى مالانهاية وستعود الينا في الوقت المناسب. إن معاناة إنسان واحد تؤذينا جميعا وبهجة إنسان واحد تجعلنا جميعا نبتسم.
  27. يشبه هذا العالم جبلا مكسوا بالثلج يردد صدى صوتك، فكل ما تقوله سواء اكان جيدا ام سيئا سيعود إليك على نحو ما. لذلك إذا كان هناك شخص يتحدث بالسوء عنك فإن التحدث بالسوء بالطريقة نفسها عنه يزيد الامور سوءا. وستجد نفسك حبيس حلقة مفرغة من طاقة حقودة. انطلق وفكر طوال اربعين يوما وليلة بأشياء لطيفة عن ذلك الشخص. إن كل شيء سيصبح مختلفا في النهاية، لأنك ستصبح مختلفا في داخلك.
  28. إن الماضي تفسير والمستقبل وهم. إن العالم لا يتحرك عبر الزمن وكانه خط مستقيم، يمضي من الماضي إلى المستقبل. بل إن الزمن يتحرك من خلالنا وفي داخلنا، في لوالب لا نهاية لها. إن السرمدية لا تعني الزمن المطلق بل تعني الخلود.
  29. لا يعني القدر ان حياتك محددة بقدر محتوم. لذلك فإن ترك كل شيء للقدر وعدم المشاركة في عزف موسيقى الكون دليل على جهل مطلق. إن موسيقى الكون تعم كل مكان وتتألف من أربعين مستوى مختلفا. إن قدرك هو المستوى الذي تعزف فيه لحنك. فقد لا تغير آلتك الموسيقية بل تبدل الدرجة التي تجيد فيها العزف.
  30. إن الصوفي الحق هو الذي يتحمل بصبر حتى لو اتهم باطلا وتعرض للهجوم من جميع الجهات ولا يوجه كلة نابية إلى أي من منتقديه، فهو لا ينحي باللائمة على أحد. فكيف يمكن أن يوجد خصوم أو منافسون أو حتى آخرون في حين لا توجد نفس في المقام الاول؟ كيف يمكن أن يوجد أحد يلومه في الوقت الذي لا يوجد فيه الا واحد؟
  31. إذا أردت ان تقوي إيمانك فيجب أن تكون لينا في داخلك. لأنه لكي يشتد إيمانك ويصبح صلبا كالصخرة يجب أن يكون قلبك خفيفا كالريشة. فإذا أصبنا بمرض أو وقعت لنا حادثة أو تعرضنا لخسارة أو أصابنا خوف بطريقة أو بأخرى، فإننا نواجه جميعا الحوادث التي تعلمنا كيف نصبح أقل أنانية وأكثر حكمة وأكثر عطفا وأكثر كرما. إن الوسيلة التي تمكنك من الاقتراب من الحقيقة أكثر تكمن في ان يتسع قلبك لاستيعاب البشرية كلها وأن يظل فيه متسع لمزيد من الحب.
  32. يجب ألا يحول شيء بينك وبين الله ,لا أئمة ولا قساوسة ولا احبار ولا أي وصي آخر على الزعامة الاخلاقية أو الدينية، ولا السادة الروحيون، ولا حتى إيمانك. آمن بقيمك ومبادئك لكن لا تفرضها على الآخرين، وإذا كنت تحطم قلوب الآخرين فمهما كانت العقيدة التي تعتنقها فهي ليست عقيدة جيدة. ابتعد عن عبادة الاصنام بجميع انواعها لانها تشوه رؤيتك. ليكن الله والله وحده دليلك. تعلم الحقيقة يا صديقي لكن احرص على الا تصنع من الحقائق التي تتكون لديك أوثانا.
  33. على الرغم من ان المرء يجاهد ليحقق شيئا ويصبح شخصا مهما، فإنه سيخلف كل شيء بعد موته. إنك تهدف إلى بلوغ المرحلة العليا من العدم. عش هذه الحياة خفيفة وفارغة مثل الرقم صفر. إننا لا نختلف عن أصيص الزرع، فلست الزينة في الخارج، بل الفراغ في داخلنا هو الذي يجعلنا نقف منتصبي القامة. مثل هذا تماما، فالوعي بالعدم وليس ما نتطلع إلى تحقيقه، هو الذي يبقينا نواصل الحياة.
  34. لا يعني الاستسلام ان يكون المرء ضعيفا أو سلبيا و ولا يؤدي إلى الايمان بالقضاء والقدر أو الاستسلام، بل على العكس تماما. إذ تكمن القوة الحقيقية في الاستسلام والقوة المنبعثة من الداخل. فالذين يستسلمون للجهور الالهي في الحياة ويعيشون بطمأنينة وسلام حتى عندما يتعرض العالم برمته إلى اضطراب تلو الاضطراب.
  35. في هذا العالم، ليست الاشياء المتشابهة أو المنتظمة، بل المتناقضات الصارخة هي ما يجعلنا نتقدم خطوة إلى الامام. ففي داخل كل منا توجد جميع المتناقضات في الكون، لذلك يجب على المؤمن أن يلتقي بالكافر القابع في داخله، وعلى الشخص الكافر أن يتعرف على المؤمن الصامت في داخله. وإلى أن نصل إلى اليوم الذي يبلغ فيه المرء مرحلة الكمال مرحلة الإنسان المثالي، فإن الايمان ليس إلا عملية تدريجية ويستلزم وجود نظيره الكفر.
  36. لقد خلق هذا العالم على مبدأ التبادل، فكل امرئ يكافأ على كل ذرة خير يفعلها وويعاقب على كل ذرة شر يفعلها. لا تخف من المؤامرات أو المكر أو المكائد التي يحكيها الاخرون وتذكر انه إذا نصب لك أحدهم شركا فإن الله يكون قد فعل ذلك. فهو المخطط الأكبر. إذ لا تتحرك ورقة شجرة دون علمه. آمن بذلك ببساطة وبصورة تامة، فكل ما يفعله الله يفعله بشكل جميل.
  37. إن الله ميقاتي دقيق، إنه دقيق إلى حد ان ترتيبه وتنظيمه يجعلان كل شيء على وجه الأرض يتم في حينه، لا قبل دقيقة ولا بعد دقيقة. والساعة تمشي بدقة شديدة بالنسبة للجميع بلا استثناء.فلكل شخص وقت للحب ووقت للموت.
  38. ليس من المتأخر مطلقا ان تسأل نفسك، هل انا مستعد لتغيير الحياة التي احياها؟ هل أنا مستعد لتغيير نفسي من الداخل؟ وحتى ولو كان قد تبقى من حياتك يوم واحد يشبه اليوم الذي سبقه، ففي كل لحظة ومع كل نفس جديد، يجب على المرء أن يتجدد ويتجدد ثانية. ولا توجد إلا وسيلة واحدة حتى يولد المرء في حياة جديدة وهي أن يموت قبل الموت.
  39. مع ان الأجزاء تتغير، فإن الكل يظل ذاته، لانه عندما يغادر لص هذا العالم، يولد لص جديد، وعندما يموت شخص شريف، يحل مكانه شريف آخر. وبهذه الطريقة لا يبقى شيء دون تغيير، بل لا يتغير شيء أبدا أيضا !إن ديننا هو دين العشق وجميع البشر مرتبطون بسلسلة من القلوب، فإذا انفصلت حلقة منها حلت محلها حلقة أخرى في مكان آخر.
  40. لا قيمة للحياة من دون عشق. لا تسأل نفسك ما نوع العشق الذي تريده، روحي أم مادي، إلهي ام دنيوي، غربي ام شرقي .. فالانقسامات لا تؤدي الا إلى مزيد من الانقسامات. ليس للعشق تسميات ولا علامات ولا تعاريف. إنه كما هو نقي وبسيط. العشق ماء الحياة، والعشيق هو روح من نار !يصبح الكون مختلفا عندما تعشق النار الماء.
شراء رواية قواعد العشق الأربعون
الآن يمكنك شراء رواية قواعد العشق الأربعون  للكاتبة التركية إليف شافاك مباشرة من موقعنا من خلال هذا الرابط، ليصلك حتى باب منزلك. الشحن مجاني لجميع أنحاء العالم.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة