U3F1ZWV6ZTM1MDgwNzg5ODg1MDQyX0ZyZWUyMjEzMTk5NTcyNTU4MA==

سلسلة : مع الفيلسوف "جورج فريدريك هيجل"

الحجم
 سلسلة : مع الفيلسوف "جورج فريدريك هيجل"
ثالثاً : المنهج الجدلي
- تهيمن حركة جدلية هائلة على تاريخ العالم بدءاً من العالم اليوناني وحتى الآن. كانت اليونان مجتمعاً يقوم على الأخلاق العرفية ، مجتمعاً متناغماً يتوحد فيه المواطن مع المجتمع ولا يفكِّر في معارضته. يشكِّل المجتمع العرفي هذا نقطة انطلاق الحركة الجدلية التي تسمى اصطلاحاً "الأطروحة".
المرحلة التالية هي أن تثبت هذه الأطروحة أنها غير متلائمة أو متناقضة. في حالة المجتمع في اليونان القديمة تنكشف عدم ملائمة الأطروحة عبر تشكيك "سقراط". لم يكن اليونانيون ليستمروا دون فكر مستقل لكن المفكر المستقل هو الخصم اللدود للأخلاق العرفية. هكذا ينهار مثل هذا المجتمع القائم على العرف أمام مبدأ الفكر المستقل. حان الآن دور هذا المبدأ ليتطور ، وهو ما حدث في ظل المسيحية. تؤدي حركة الإصلاح الديني إلى قبول الحق الأسمى للضمير الفردي. لقد فُقِد تناغم المجتمع اليوناني ، لكن الحرية انتصرت. هذه هي المرحلة الثانية للحركة الجدلية. إنها نقيض أو مضاد المرحلة الأولى ، فهي تُعرَف باسم "الأطروحة المضادة".
- ثم تثبت المرحلة الثانية أيضاً أنها غير ملائمة ، فالحرية
وحدها بتضح أنها مجردة بدرجة أكبر من المطلوب ، ولا يمكنها أن تكون أساساً يقوم عليه المجتمع. وعند التطبيق يتحول مبدأ الحرية المطلقة إلى الإرهاب الثوري في الثورة الفرنسية. وهكذا يمكننا رؤية أن كل من التناغم العرفي والحرية المجردة للفرد ، نموذج أحادي الجانب. فيجب الجمع بينهما وتوحيدهما بطريقة تحافظ على كل منهما ، ويقودنا هذا إلى المرحلة الثالثة الأكثر ملائمة وهي مرحلة "الأطروحة المركبة". في كتاب "فلسفة التاريخ" نجد أن تلك الأطروحة في الحركة الجدلية ككل هي المجتمع الألماني في عصر هيجل ، والذي اعتبره متناغماً لأنه مجتمع عضوي ، ومع ذلك يحافظ على الحرية الفردية لأنه منظَّم على أسس عقلانية.
- تنتهي كل حركة جدلية بأطروحة مركبة ، لكن لا تنهي كل أطروحة مركبة العملية الجدلية بالطريقة التي ظن هيجل أن المجتمع العضوي في عصره أنهى بها الحركة الجدلية للتاريخ. فكثيراً ما يتضح أن الأطروحة المركبة - على الرغم من أنها توحِّد بين الأطروحة والأطروحة المضادة - أحادية من جانب آخر ، ومن ثم تصبح أطروحة لحركة جدلية أخرى ، وهكذا تستمر العملية. وقد رأينا ذلك يحدث أكثر من مرة في كتب هيجل ، ففي كتاب "فينومينولوجيا الروح" انتهى الجزء الخاص بالوعي بظهور الوعي الذاتي ، وباعتبار هذا أطروحة ، رأينا أن الوعي الذاتي كان في حاجة لشيء ما يستطيع أن يميز نفسه من خلاله ؛ يمكن اعتبار الشيء الخارجي هو الأطروحة المضادة. لم يكن هذا مرضياً ، لأن الشيء الخارجي هو شيء غريب عن الوعي الذاتي. وكانت الأطروحة المركبة هي الرغبة. ثم ثبت أن حالة الرغبة بدورها غير مرضية ، وهكذا انتقلنا إلى شيء خارجي كان هو ذاته وعياً ذاتياً. يمكن اعتبار الوعي الذاتي الثاني هو الأطروحة المضادة للوعي الذاتي الأول ؛ وكانت الأطروحة المركبة هي موقفاً يهيمن فيه السيد على العبد ، وبذلك يحصل على الاعتراف به. لم تصمد تلك الأطروحة الجديدة أكثر من سوابقها ، حيث انتهى الحال إلى أن أصبح العبد أكثر استقلالية وأكثر وعياً بذاته من السيد. وقد وجدت الأطروحة المضادة هذه أطروحتها في المذهب الرواقي ، الفلسفة التي تجمع بين السيد و العبد.
- وهكذا فمن وجهة نظر هيجل فالعملية الجدلية هي طريقة للعرض ، لكنها هي طريقة أيضاً يقول عنها : "إنها لا تختلف بأي حال عن الشيء الخاص بها ومضمونها ، لأن المضمون في ذاته والجدلية التي تتضمنها في ذاتها هما اللذان يحركَّانها ". في فئات فكرنا وفي تطور الوعي وفي تقدم التاريخ ، هناك عناصر متناقضة تؤدي إلى تفكك ما بدا أنه مستقر ، وإلى ظهور شيء جديد يوفِّق بين العناصر التي كانت متناقضة في السابق ، لكنه بدوره يطوّر توترات داخلية خاصة به. هذه العملية ضرورية لأنه لا الفكر ولا الوعي يمكنهما البروز في الوجود في شكل ملائم. ولا يمكنهما تحقيق الملائمة إلا عبر عملية التطور الجدلي. ووفقاً لهيجل تعمل الجدلية كطريقة عرض لأن العالم يعمل على نحو جدلي.
_________________
📕 موسوعة العلوم الفلسفية ، هيجل ، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام ، دار التنوير ، بيروت.
📕 هيجل ، بيتر سنجر ، ترجمة ابراهيم السيد ، مؤسسة هنداوي للنشر ، ٢٠١٥.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة