U3F1ZWV6ZTM1MDgwNzg5ODg1MDQyX0ZyZWUyMjEzMTk5NTcyNTU4MA==

مشكلات الأفكار مالك بن نبي

المفكر الإسلامي الكبير مالك بن نبى هو أحد الرواد القلائل الذين اهتموا بمشكلات النهضة كطريق أوحد لرجوع الحضارة الإسلامية. و لقد صنف د.محمد الشنقيطي بعض من سلسلة كتبه عن مشكلات العالم الأسلامي من ضمن الكتب النوعية, وهي الكتب التي تقتحم أرضية جديدة في المضمون أو في المنهج أو في كليهما.
 لقد برزت في كتب مالك بن نبي أفكارا أصيلة تشخص مشكلات العالم الإسلامي وأيضا ابتكر مسارات جديدة لحل تلك المشكلات لم يتم التطرق إليها في مجال الفكر الإسلامي من قبل. وما هذا المقال إلا محاولة لتقريب فكر بن نبي عن طريق إبراز أهم ثنائيات فكره التي تتلامس مع واقعنا الحالي لتجعلنا نري مشاكلنا وحلولها من زاوية جديدة:
1- النماذج الثقافية:
يتحدث عن موقف الإنسان في عزلته عندما ينتابه شعور بالفراغ، وطريقته في ملء هذا الفراغ فهي التي تحدد طراز ثقافته وحضارته. فهناك طريقتان  لملء الفراغ:  فإما أن ينظر إلي الأرض ويملأ وحدته بالأشياء ويسعي للسيطرة عليها لامتلاكها أو يرفع بصره نحو السماء  ليملأ وحدته بالأفكار والبحث عن الحقيقية.
لذا فهناك نموذجان من الثقافة: ثقافة سيطرة ذات جذور تقنية وهي تتمثل في أوروبا (الثقافة الغربية) وثقافة حضارة ذات جذور أخلاقية وغيبية (الحضارة الإسلامية في نشاطها).
فالفكر الغربي يجنح إلي الدوران حول الوزن والكم ويصل إلي المادية عند الانحراف والمغالاة. بينما يدور الفكر الإسلامي في مداره الأصلي, حينما أعطاه القرآن اندفاعته الأولي, حول حب الخير أو كره الشر. وحين يكون في أفوله فإن المغالاة تدفعه إلي التقليد الأعمي والافتنان بأشياء الغرب.
٢- الأفكار المطبوعة والأفكار الموضوعة:
الأفكار المطبوعة: هي الأفكار المثالية والنموذج الأولي في ثقافة مجتمع ما. وعادة ما تكون عصية على التغيير بطول الزمن.
الأفكار الموضوعة: هي التعديلات التي تدخلها الأجيال علي الأفكار المطبوعة (الأصيلة) وتكون مستوردة وفعالة ولكنها ليست صحيحة للأسف.
فعند تبدل الأفكار المطبوعة  بأخرى موضوعة يحدث رد فعل من هذه المخذولة لتنتقم لنفسها فيصبح سلوك الفرد غير منسجم مع فكرته المثالية.
فيقول بن نبي: “أن عالم الأفكار اسطوانة يحملها الفرد  في نفسه عند ولادته. وتختلف هذه الاسطوانة من مجتمع لآخر ببعض النغمات الأساسية. إن اسطوانة كل مجتمع مطبوعة بطريقة تختلف عن اسطوانة مجتمع آخر, وتتناغم الأجيال والأفراد مع سلمها الأساسي وهم يضيفون إليها أنغامهم الخاصة بهم.
لقد تلقي المجتمع الإسلامي رسالته المطبوعة منذ أربعة عشر قرنا علي هيئة وحي, فانطبعت في ذاتية الجيل المعاصر لجيل غار حراء الذي أسمع السيمفونية البطولية (لدين الرجال) كما يدعو (نيتشه) الإسلام.
والمجتمع الإسلامي يدفع اليوم ضريبة خيانته لنماذجه الأساسية. فالأفكار حتي التي نستوردها ترتد علي من يخونها و تنتقم منه. يتمثل ذلك في اللحظة المؤلمة حيث تري المسلم منشطر الي شخصين: المسلم الذي يتمم واجباته الدينية و يصلي في المسجد. ثم المسلم العملي الذي يخرج  من المسجد ليغرق في عالم آخر”.
٣ الأفكار الميتة والأفكار المميتة:
الفكرة الميتة: هي فكرة موروثة انتجتها الثقافة الإسلامية في عصر الأفول وليست صالحة للتطبيق لا في عصرها ولا في العصر الحالي.
فيقول: “هي الفكرة التي بها خذلت الأصول, فكرة انحرفت عن مثلها الأعلى و لذا ليس لها جذور في العصارة الثقافية الأصيلة”.
الفكرة المميتة:  هي الفكرة الوافدة من الثقافة الغربية، هي في الأصل ميتة في محيطها  ولم تعد مستعملة.
 ويقول عنها: “هي الفكرة التي فقدت هويتها وقيمتها الثقافيتين بعد ما فقدت جذورها التي بقيت في مكانها في عالمها الثقافي الأصلي”.
لذا فأن المجتمع المريض هو من ينضح الأفكار الميتة من جهة ويمتص الأفكار المميتة من جهة أخري.
وليس المقصود هنا أن نتساءل لماذا توجد عناصر مميتة في الثقافة الغربية ولكن لماذا تذهب النخبة المسلمة بالضبط للبحث هناك عن هذه العناصر؟ هذه هي المشكلة التي يتوجب طرحها. فهناك خيار في الواقع لأنه ليس العالم الثقافي الغربي كله مميتا. إذ أنه ما يزال يبعث الحياة في حضارة تنظم مصير العالم حتي الآن. وليس العنصر المميت الذي نصادفه في ذلك الوسط الثقافي إلا نوعا من النفايات, الجزء الميت من الحضارة.
لكن الأفكار الميتة تبدو أشد فتكا. ومن أجل أن نقتنع بذلك ينبغي أن نلقي نظرة علي الميزانية التاريخية للأفكار التي قتلت المجتمع الإسلامي, والتي تشكل أيضا الديون التي تخلفت عن عصر نهضة المجتمع الإسلامي وهو لم يتخلص منها علي ما يبدو.
الخلاصة:
المجتمع الإسلامي يعاني من انتقام نماذجه المثالية لعالمه الثقافي الخاص به من ناحية, ومن ناحية أخري من انتقام رهيب تصبه الأفكار التي استعارها من أوروبا, دون أن يراعي الشروط التي تحفظ قيمتها الاجتماعية. وقد أورث ذلك تدهورا في قيمة الأفكار وتدهورا في قيمة الأفكار المكتسبة. وقد حملا افدح الضرر في نمو العالم الإسلامي أخلاقيا وماديا.
إن هذه هي النتائج الاجتماعية لذلك التدهور والتي نصادفها يوميا في صورة غياب فاعلية وقصور في مختلف أنشطتنا الاجتماعية. فنحن اليوم نقاسي هذا التدهور المزدوج, فالأفكار المخذولة في هذا الجانب أو ذاك لها انتقام رهيب. و أن انتقامها المحتوم هو ما نعاني منه اليوم.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة