U3F1ZWV6ZTM1MDgwNzg5ODg1MDQyX0ZyZWUyMjEzMTk5NTcyNTU4MA==

تلخيص كتاب “منهج التعرّف على الإسلام” – علي شريعتي .الشيعي .

إنّ مسألة المنهج في التاريخ هي ذات أهميّة قصوى، حيث يعتبر الدكتور علي شريعتي في كتابه “منهج التعرّف على الإسلام” أنّ سبب تخلّف أوروبا طيلة ألف عام كان نتيجة المنهج العلمي المتبّع فيها (المنهج الأرسطي المعتمد على القياس)، وحين اتبعت منهجاً علميّاً جديداً نهضت وتطوّرت، وإن كان يبدو بحسب الظاهر أنّ نهضتها كانت ناتجة عن تبديل نظام الإقطاع بالنظام البرجوازي، وذلك بتأثير احتكاك الغرب المسيحي بالشرقي الإسلامي في أيّام الحروب الصليبيّة.
ورغم انّ أرسطو، وغيره من الفلاسفة الذين انتجتهم أثينا، كان من نوابغ العلم مدى العصور، إلا أنّ النوابغ وحدهم ليسوا كفيلين بإحداث النهضة والتطوّر. أثينا، التي كانت تحتضن عشرات الفلاسفة النوابغ في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد، لم تستطع أن تصنّع آلة! بينما النهضة الأوروبيّة، التي قامت على علماء قد لا يفقهون جيّداً ما يقوله أرسطو، نراها أنتجت ما لا يحصى من الإختراعات. ويكفينا لفهم الفارق بين الإثنين المقارنة بين أرسطو الفيلسوف النابغة الذي لم يخترع شيئاً، وإديسون المخترع الذي قد لا يعدّ من الدرجة الثالثة من طلاب أرسطو، ولكنّه سجّل عشرات الإختراعات.
إذاً المنهج الصحيح في المعرفة العلميّة (في كلّ الإختصاصات) أساسيّ من أجل النهوض. وفي كتابه هذا يناقش شريعتي منهج معرفة الإسلام.
طريقتان
يعتبر المؤلّف أنّه من أجل أن ندرس الإسلام بشكل صحيح ودقيق، ونعرفه بنظرة عصرية، توجد طريقتان رئيسيتان:
– الطريقة الأولى: دراسة القرآن وهو عبارة عن المبادئ والآثار الفكريّة والعمليّة للإسلام.– الطريقة الثانية: استعراض المسيرة التاريخيّة للإسلام، وتتبّع التطوّرات التي حدثت فيه منذ بداية البعثة المحمّديّة إلى اليوم، وما حدث بينهما.
المنهج الصحيح لمعرفة أي دين
المنهج الآخر لمعرفة الإسلام، أو أي دين آخر سماويّاً كان أم وضعيّاً، الذي يتبعه شريعتي هو ما يسمّيه: العلم عن طريق تصنيف القضايا والمقارنة بينها، وهو ما يعرف في علم الإجتماع بالتيبولوجيا (Typologie)، وهو منهج مستخدم عادةً في اوروبا للتحقيق في بعض العلوم الإنسانيّة. إستخرج شريعتي منه منهجاً يمكن الإعتماد عليه لمعرفة أي دين. وهو عبارة عن معرفة الجوانب الخمسة التالية من كل دين، ومقابلتها بالجوانب المقابلة لها في الأديان الأخرى:
– معرفة الإله المعبود، أو الآلهة، في كل دين وصفاته (الله في حالة الإسلام، يهوه، اهورامزدا، بعل…)– نبيّ كل الدين، وحياته بجانبيها الإنساني و”النبوي” (محمّد في الإسلام، موسى في اليهوديّة، عيسى في المسيحيّة، بوذا…)– كتاب كل دين وتعاليمه (ألقرآن، التوراة…)– كيفيّة ظهور نبيّ كل دين، والشريحة التي توجّه إليها في دعوته (الحكام، الفلاسفة، المضطهدين…)– تلامذة وحواريو كل دين (في الإسلام مثلاً: علي، أبو ذر، الحسين بن علي…)
نحو علم إجتماع إسلامي
في تحقيقه ودراسته للمفاهيم الإجتماعيّة في القرآن الكريم (والدكتور شريعتي متخصّص في علم الإجتماع وتاريخ لأديان)، إنتهى المؤلف إلى نتائج يعتبرها طيّبة في مجال علم الإجتماع الإسلامي.
الهجرة: يعتبر شريعتي أنّ الهجرة في الإسلام والقرآن هي قانون فلسفي واجتماعي عميق، أبعد من النظرة التاريخيّة للهجرة في التاريخ الإسلامي على انّها هجرة المسلمين من مكّة إلى الحبشة أو المدينة. فالهجرة هي عامل من عوامل التطوّر والتمدّن. والمدنيات التي قامت عبر التاريخ كانت جميعها وليدة هجرات تمّت من قَبل (الولايات المتّحدة مثلاً معصراً). فالمجتمع البدوي القبلي لا يتطوّر ليشكّل مدنيّة وثقافة جديدة طالما انّه مستقرّ مكانه (وقد تناول شريعتي هذا المفهوم بتفصيلٍ أكثر في مقدّمة كتابه “محمّد خاتم النبيّين”).
العامل الأساسي للتغيير: تتعدّد النظريّات حول العامل الأساسي للتغيير الإجتماعي والتحوّل والنهضة في المجتمعات. والمدارس الإجتماعيّة انقسمت بين:
– فوضويّة: تعتبر الصدفة هي التي تسبّب التغيير دون اعتبار للتاريخ.– ماديّة: تؤمن بالجبريّة التاريخيّة، وأن التغيير الإجتماعي محكوم بقواعد ثابتة لا يستطيع الفرد التأثير فيها (الحتميّة التاريخيّة).– جماعة تقدّس الأبطال والعظماء، مثل الفاشيّة والنازيّة، ومثل العلماء “كارليل” و”امرسون” وغيرهم. يرون أنّ الشخصيات البارزة (لا عامة الشعب ولا الأفراد المتوسطون) هم من يصنع التاريخ.– بعض النظريات اعتبرت انّ للشعب دوراً في التغيير، ولكن أكثر النظريّات ديمقراطيّةً اعتبرت أنّ دور الشعب محدود، وأعطت الأهميّة للنخبة والحتميّة التاريخيّة أو ربّما الصدفة.
أمّا في الإسلام، فإنّ الفئة الأكثر أهميّة هي “الناس”، وهي الفئة المخاطبة من قبل الأنبياء والقرآن. حتّى الأنبياء يقتصر دورهم على “البلاغ”، بحيث “إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” (القرآن الكريم – سورة الرعد). وبهذا تصبح القوانين التي تحكم التاريخ كالقوانين التي تحكم نموّ الأشجار، والإنسان (المهندس الزراعي) بقدر علمه ومعرفته يستطيع أن يحسّن من نموّ هذه الأشجار وأن يعالج أمراضها. وعامل النخبة أو الصفوة متعلّق بمدى فهم هذه الشخصيّات للقوانين الحاكمة وقدرتهم على توجيهها، ولذا يعتبر شريعتي أنّ الأنبياء كانوا دائماً الأقدر على إحداث التغييرات الجذريّة في التاريخ لمعرفتهم بالقوانين والسنن الإلهيّة التي تحكم العالم والطبيعة.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة