سقراط الفيلسوف الثائر ..
الحجم
لقد تقدّم بدعوى للمحكمة ثلاثة من أعداء سقراط هم: مليتس، وأنيتس، وليكون، وهؤلاء الثلاثة كانوا واجهة للشعب المتعالم والمدعي للحكمة الذي هزمه سقراط، وكذلك واجهة لدعاة الديمقراطية، فتقدموا بتهم شتى من مثل أنّ سقراط يزعزع استقرار المجتمع وأنّه يسخر من العادات والأعراف والقوانين، وكان المعروف حينها أن يقف المتهم أمام القضاة خانعًا ذليلًا يطلب العفو والرحمة، وقد يحضر زوجته وأبناءه ليثير شفقة القاضي عليه، ولكنّ سقراط لم يكن كذلك، بل وقف ودافع عن نفسه لأنّه رأى في أفعال غيره منافاة للرجولة والأخلاق التي يدافع عنها بشدة. وعندما رأى القضاة أنّ سقراط لم يتذلّل بل وقف ودافع عن نفسه بكل جرأة، صار عندهم قناعة أنّ سقراط هذا كما قيل عنه يهاجم العادات والأعراف لأنّه لم يفعل ما فعله غيره من خضوع وتذلّل، وفوق ذلك لم ينفِ سقراط التهم الموجهة إليه، بل صار يهاجم القضاة ويسخر منهم ويشفق على جهلهم، فطلب أعداء سقراط أن يُعدم، وكانت العادة أنّه إن ثبتت التهمة على المتهم فإنّه يجب أن يقترح عقوبة ويقترح خصومه عقوبة والقضاء يختار منها، فلمّا طلبوا من سقراط أن يختار عقوبة سخر منهم، فحكموا عليه بالإعدام بأن يحتسي السم.
سجن سقراط لماذا رفض سقراط الهروب من السجن؟
حكم على سقراط بالموت بتناول سم الشوكران، وبقي في السجن مدة لا بأس بها من الزمن، وقد حاول تلامذته -كما يروي تلميذه أفلاطون- أن يقنعوه بأن يهرب من السجن كما هرب حكيم آخر من قبل، ولكنّه رفض الفكرة لأنّها تخالف مبادئه في اتباع القوانين السائدة ولو كانت ظالمة، وفي ذلك ردّ على الذين قالوا إنّ سقراط ثائر على الأعراف والتقاليد والقوانين، وبقي في محبسه وأبعد نساءه وأبناءه عن السجن لئلّا يجزعوا ويحدثوا جلبة، فجاءه الحارس بقدح من السم وشربه سقراط، وبعد مدة من الزمن لم يعد يشعر بأجزاء جسمه شيئًا فشيئًا حتى مات.
فى الخلف تظهر زوجة سقراط وهى تغادر حيث أمرها سقراط حتى لا تشاهد لحظاته الأخيرة، فيما يلتف حوله تلاميذه فى أسى بالغ، ويظهر سقراط فى مظهر بطولى غير مكترث بالموت الذى أختاره مقابل الحفاظ على مبادئه، فى أقصى اليسار-طرف السرير- يظهر افلاطون فى حالة تأمل وقد اعطى ظهره لمعلمه سقراط والأكثر لفتاً للنظر أنه يظهر وكأنه أكبر عمراً من معلمه، ويرى بعض المحللين أن هذه لفتة دقيقة من الرسام، لأن افلاطون لم يحضر جلسة الإعدام ويعتذر بأنه كان مريضاً، فكأنه يصوره حالة ندم، أو أن الرسام يستدعى المشهد من ذاكرة أفلاطون بدلالة أن المشهد يقع خلفه وكأنه ماضى يتذكره ويسترجعه.
إرسال تعليق