بسيط في شكله عظيمة في شأنه .. كم عبرنا به عن مكنونات نفوسنا وخلجات صدونا، وبه تعلمنا وأبصرنا نور العلم، وبه سُطرت حضارات وقامت ممالك وإمبراطوريات، وبه جُمع حصاد العلوم والمعارف والأفكار والأشعار.
إنه «القلم» الذي أقسم الله عز وجل به في كتابه، لعظم قدرة وخطورة أمره، فما أكثر من نشروا بالقلم الخير المديد، وأيضا هناك من تجاوزت أقلامهم الخطوط الحمراء فعاثوا فسادا في بحور الظلام، يمالئون ظالما ويبررون منكرا ويداهنون فاجرا، ويقلبون بمعسول كتاباتهم الحق باطلا .. فكم رفع القلم أناسا ووضع آخرين.
قال ابن الهيثم: "من جلالة القلم أنه لم يكتب الله كتاباً إلا به، ولذلك أقسم به. الأقلام مطايا الفِطن ورسل الكرام. وقيل: البيان اثنان: بيان لسان، وبيان بَنَان، ومِن فضل بيان البنان أنَّ ما ببيَّنته الأقلام باق على الأيام، وبيان اللسان تدْرُسه الأعوام".
وقال سهل بن هارون: "القلم أنف الضمير، إذا رعف [نزف] أعلن أسراره، وأبان آثاره".
وقال ابن أبي دؤاد: "القلم سفير العقل، ورسوله الأنبل، ولسانه الأطول وترجمانه الأفضل".
وقالوا: "القلم أصم يسمع النجوى. وأخرس يفصح بالدعوى. وجاهل يعلم الفحوى".
قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد). [رواه الترمذي] وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يا أبا هريرة جف القلم بما هو كائن) (3) [البخاري:5076]
وكما بين النبي صلى الله عليه وسلم أن القلم خلق أولا لكتابة المقادير فقد بين عليه الصلاة والسلام تاريخ القلم في البشر، وذكر أول من كتب به من الناس، فقال عليه الصلاة والسلام عن نبي الله إدريس عليه السلام: (وهو أول من خط بالقلم) [كنز العمال:11/481].
وعن جعفر بن أبي المغيرة قال: سألت سعيد بن جبير عن الألواح [ألواح التوراة] من أي شيء كانت؟ قال: من ياقوته كتابه الذهب كتبها الرحمن بيده، فسمع أهل السموات صريف القلم وهو يكتبها.[عبد الله بن أحمد في السنة 1/294]
وذكرَ ابنُ عَبْدِ البرِّ مِنْ حديثِ ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ بَينَ يدي السَّاعةِ: التَّسليمُ على الخاصَّةِ. وفُشُوُّ التِّجارةِ، حتى تُعينَ المَرْأةُ زوْجَها على التجارةِ. وقَطعُ الأرحامِ. وفُشُوُّ القَلَمِ. وظُهورُ شَهادَةِ الزُّور. وكِتْمانُ شهادَةَ الحقِّ).
إرسال تعليق