وقفت جميع مشاعري تتأمل | وفمي عن النطق المبين معطل |
ما كنت في حلم ولا في يقظة | بل كنت بين يديهما أتململ |
أرنو إلى الأفق البعيد فماأرى | إلا دخانا تائهـا يتجول |
وحشود أسئلة تجر ذيولها | نحوي وباب الذهن عنها مقفل |
أحسست أن إرادتي مسلوبة | وشعرت أن مخاوفـي تترهل |
وشعرت أني في القيامة واقف | والناس في ساحاتها قد هرولوا |
يسعون كالموج العنيف عيونهم | مشدوهـة وعقولهـم لا تعقـل |
والكون من حولي ضجيج مرعب | والأرض من حولي امتداد مذهل |
قد أخرجت أثقالها وتأهبـت | للحشر وانكسر الرتاج المقفـل |
والناس أمثال الفراش تقاطروا | من كل صوب هاهنا وتكتلـوا |
كل الجبال تحولت من حولهم | عهنا وكل الشامخـات تزلـزل |
وجميع من حولي بما في نفسهم | لاه فلا معـط ولا متفضــل |
كل الخلائق في صعيد واحـد | جمعت فسبحـان الذي لايغفـل |
وأقيم ميزان العدالـة بينهـم | هـذا بـه يعلـو وذلك يـنزل |
وتجمعت كل البهائم بعضهـا | يقتص من بعض وربـك أعـدل |
حتى إذا فرغ الحساب وأنصفت | من بعضها نزل القضاء الأمثـل |
كوني ترابا يا بهائم .. عندهـا | صاح الطغاة وبالأماني جلجلـوا |
يا ليتنا كنـا ترابـا مثلهــا | يا ليتنا عـن أصلنـا نتحـول |
هيهات لا تجدي الندامة بعدما | نصب الصراط لكم وقام الفيصل |
ومضيت أقرأ في الوجوه حكاية | إجمالهـا عنـد الذكي مفصـل |
ورأيت مالا كنت أحلم أن أرى | حولي وقد كشف الستار المسدل |
هذا هو النمرود يندب حظـه | والدمع مـن هول المصيبة يهطل |
وهناك فرعون المألـه نفسـه | يسعى بغـير بصيرة ويولول |
وهناك كسرى تـاه عند إيوانه | مترنـح فـي سـيره متملمـل |
وهناك قيصر نفسـه مكسورة | وبقـلبـه ممـا يعانـي مرجـل |
وهنا ابو جهل يراجع نفسـه | عينـاه توحـي أنـه يتـوسـل |
يارب أرجعنا لنعمـل صالحـا | غير الذي كنـا نقـول ونعمـل |
هيهات قد طوي الكتاب ألم يكن | فيكـم نـبي بالهدايـة مرسـل |
سبحان ربك هؤلاء جميعهـم | كانـت لهـم دار هنـاك تبجـل |
لكنهم كفروا بمن أعطاهــم | ملكـا وعاثوا في البـلاد وقتلـوا |
ورموا بشرع الله خلف ظهورهم | عزلوه عن حكم الزمان وعطلـوا |
جمع الطغاة هنا وقد هانوا علـى | ربـي وعـد المؤمـن المتبتـل |
وقفوا وآلاف الضحايا حولهـم | فاليوم ينظر في الأمور ويبطل |
واليوم يسعـد مؤمـن بيقينـه | واليوم يشقى الفاسق المتحلل |
واليوم يمتد الصراط فمسـرع | نحو النعيم وزاحف متمهل |
ومحمل بالذنب زلـت رجلـه | فهوى ونار جهنم تستقبل |
فأجلت طرفي ساعة فرأيت من | أمر القيامة مايروع ويذهل |
هذا أب يسعى إلـيه وحيـده | وبمقلته ترقب وتـوسل |
أبتاه أرهقني المسـير وحاجـتي | شيء يسير لايمض ويثقل |
شيء من الحسنات ينقذني وقـد | خفت موازيني وفيك أؤمل |
أنت الذي عودتني فيما مضـى | بذلا ومثلك في المصائب يبذل |
وإزور وجه أبيه عنه مـرددا | نفسي أحق بما تقول وأمثـل |
ومضى كسيف البال يسأل نفسه | ماذا جرى لأبي .. أهذا يعقل ؟ |
وبدت له بين الجموع حليلة | كانت تفضله وكـان يفضـل |
وغدا يناديها رويدك زوجتي | فأنا الحبيب وليس مثلك يجهل |
ريحانتي أنسيت أيام الصبا | أيام كنا من هوانـا ننهـل ؟ |
أنا من وهبتك في فؤادي منزل | ماكان فيه لغير حبك منزل |
شيء من الحسنات ينقذني وقد | خفت موازيني وفيك أؤمـل |
قالت له والهـم يشعـل قلبهـا | لهبا وفي أحشائهـا يتغلغـل |
عذرا فـأنت رفيق عمري إنمـا | نفسي أحق بما تقول وأمثـل |
ومضى كسيف البال حتى لاح في | وسط الزحام خيال من لايبخل |
أم رؤوم راح يركـض نحوهـا | جذلا وهل بعد الأمومة موئل ؟ |
حملته في أحشائهـا وتحملـت | من أجل راحته الذي لايحمـل |
أمـاه ياأمـاه مـدي لي يـدا | فلكم بذلت إذا أتيتك أسـأل |
شيء من الحسنات ينقذني وقد | خفت موازيني وفيـك أؤمـل |
قالت له والدمع يغلب صـبرها | نفسي أحق بما تقـول وأمثـل |
ونقلت طرفي لحظة فرأيت مـا | لاتستريح له النفـوس وتقبـل |
بشر كأنهم الحوامل قد مشـوا | مشيا ثقيـلا والمصيـبة أثقـل |
من هؤلاء ؟ فقال من يدري بهم : | أهل الربا بئس المقام المخجـل |
أكلوا الربا جهرا ولم يتورعـوا | عن أكله ومشوا إليه وأرملـوا |
ماصدهم عن أكلـه بطلانـه | وكذاك باطل كـل قـوم يبطـل |
وأخذت ناحية أفكـر بالـذي | يجري وأرسل ناظـري وأنقـل |
ماذا أرى رجل يحيـط برأسـه | طوق وفي رجليه قيـد محجـل |
من ذلك الرجل التعيس ؟ فقال لي | من عنده خـبر يقـين ينقـل |
هذا الذي خان العهود وعاش في | دنياه يغتصب الحقوق ويأكـل |
يسطوا على مال الضعيف وأرضه | واليوم يجـني ماثـراه ويحمـل |
الشبر في الدنيـا يقابلـه هنا | سبع من الأرضين بئس المحمـل |
ورأيت قومـا يدعسون كأنـهم | نمل وقد ذاقـوا الهوان وجللـوا |
من هؤلاء البائسـون أراهـم | هانوا ومن كتب الكرامة أعقلوا |
فأجابني : هم كل مختـال لـه | فيما مضى كـبر عليـه يعـول |
وذهلت عنهم حين أبصر ناظري | رجل يساق الى الجحيم ويعتــل |
ووراءه امرأة يحيـط بجيدهـا | حبل يلف مـن الجحيـم ويفتـل |
من ذلك الرجل الشقي وهذه | تجـري علـى أعقابـه وتولـول |
هذا أبو لهب وزوجتـه الـتي | كانت تجول على النـبي وتجهـل |
وأخذت ناحية فـلاح لناظـري | روض وأزهـار ونـور مقبـل |
غرف بطائنهـا الحريـر وتربها | مسك بماء المكرمـات مبلـل |
ونساؤهـا حور فوجه مشـرق | كالشمس ساطعة وطرف أكحل |
أنهارهـا عسـل وخمـر لـذة | للشاربـين وشربهـا لايثمـل |
وبناؤها من فضـة من فوقهـا | ذهب وعند الله ماهو افضـل |
أقـل من فيهـا نصيبا حظـه | أضعاف دنيانا وربـك يجـزل |
رأيت فيها الساكنين ربوعهـا | نحو الجنان وفي المنازل أنزلـوا |
على الأرائك يجلسون حديثهم | مستبشرين بما رأوه وحصلـوا |
يتذكرون حوادث الدنيا الـتي | صمدوا لها وعلى الإله توكلـوا |
طوبى لكم هذي منازلكم فمـا | خابـت مساعي من يجد ويعمل |
أجلت طرفي في الوجوه فـلاح لي | وجه بدا وكأنما هـو مشعـل |
وجه الرسول يشع نورا صادقـا | قد جاء في حلل السعادة يغفل |
ورأيت أصحاب الرسول وقد مضوا | نحو الجنان وفي المنازل أنزلـوا |
ورأيت مؤمن آل فرعون الـذي | نبذوا .. وصفحة وجهه تتهلل |
والكوثر الرقراق لاتسـأل فمـا | مثلي يجيب وليس مثلي يُسأل |
نهر كأن الـدر يجـري بينـه | أو أنه النور الذي يتسلسـل |
سبحـان ربك هاهنا حصل الذي | ماكان لولا فضل ربك يحصل |
ورفعت طرفي لحظة فرأيت مـن | لاشيء يشبهـه وليس يمثـل |
نور تجلـى للخـلائـق كلهـا | فتواضعـوا لجلالـه وتذللوا |
وقعوا سجودا يلهجون بذكـره | والكون بالصمت المهيب مكلل |
سجدوا وأما المبطلون فحاولـوا | أن يسجدوا لكنهم لم يفعلـوا |
وصحوت من حلمي ونفسي بالذي | شاهدت مؤمنة وعيني تهمـل |
وشعرت أن مظاهر الدنيا الـتي | لهوى ..مظاهر نشوة لا تكمـل |
وعلمت ان الله يمهـل عبــده | عطفـا عليـه وأنـه لا يهمـل |
وهنا وقفت وفي فؤادي دوحـة | تحنـو علي غصونهـا وتظلـل |
هي روضة الإيمان يجري نهرها | عذبـا ويشدوا في رباها البلبل |
مشاهد من يوم القيامة: عبد الرحمان العشماوي
الحجم
إرسال تعليق