تفكِّر أجهزة الكمبيوتر على نحو مباشر، بينما يفكِّر الناس على نحو غير مباشر. ورغم كلِّ الإحباطات التي تصْحَب التفكير غير المباشر، فإننا نُحْسِن التفكير على نحْوٍ أفضلَ بكثير من أجهزة الكمبيوتر. التَّفكير غير المباشر أكثرُ إثارةً للاهتمام، وأكثر جَدْوى، وصراحةً أكثر مُتْعَةً من التفكير المباشر؛ فالعاطفة والمُتْعة والفن والإبداع والجُرْأة وسرعة البديهة والذوق والحب — تقريبًا كلُّ شيء جيِّد — نتيجة ثانوية للتفكير غير المباشر. والتفكير غير المباشر — أن تكون واعيًا ومُدرِكًا لذاتك وغيرَ طبيعيٍّ قليلًا — مهارة أصعب بكثير من التفكير المباشر. هذا هو السبب في أنه كان سهلًا بالنسبة إلينا جَعْلُ الآلات تفكِّر تفكيرًا مباشرًا، في حين لا توجد لدينا أيَّة فكرة عن كيفية جعلها تفكِّر تفكيرًا غير مباشر.
قال سيرجي برين ذات مرة: «بالتأكيد إذا كان لديك … مخٌّ اصطناعيٌّ أكثر ذكاءً من مُخِّك، فسيكون أفضل كثيرًا.» بالتأكيد كان سيرجي برين مُخطِئًا؛ إذ كان يفكِّر على نحو مباشر للغاية. العقل البشري الواعي ذكيٌّ على نحو غير صافٍ ومشوب بالأخطاء، وهذا هو أهمُّ مميزاته.
مع ذلك، التفكير المباشِر — المباشِر حقًّا — مهارة مُفِيدة. رغم كلِّ شيء، فإنه يوفِّر مُكمِّلًا مثاليًّا لطريقة تفكيرنا. وذاك هو السبب في صُنْع أجهزة الكمبيوتر، وذاك أيضًا السبب في أن أجهزة الكمبيوتر مُهمَّة جدًّا في كثير من المواقف. فبالنسبة إلى صاحب التفكير غير المباشِر، لا يُوجَد شيء يُضاهِي الاستعانة بمساعدة صاحِب تفكير مباشِر من وقت لآخر.
في مقال حول الذكاء الاصطناعي نُشر في مجلة وايرد، قدَّم كيفن كيلي نُقْطةً حاسمة: بالنسبة إلى أجهزة الكمبيوتر، سيكون الوعْيُ كارِثة؛ خَلَلٌ بوصفه خللًا، وليس خَلَلٌ بوصفه مَيْزة. وكتب كيلي قائلًا إن ما نريد أن يكون عليه مساعدونا من أصحاب الذكاء الاصطناعي هو أن يكونوا «متخصِّصين فائِقي الذكاء ومُتوحِّدين على نحو أَخْرَق»:
في الواقع، لن يكون هذا ذكاءً حقًّا، على الأقلِّ ليس كما كنَّا نفكِّر فيه. في الواقع، ربما يكون الذكاء مسئوليَّة، خاصَّةً إذا كنَّا نعني ﺑ «الذكاء» وَعْيَنَا الذاتي المُميَّز؛ أي جميع حلقات التأمُّل المَحْمومة والتيارات الفَوْضَويَّة للوعي الذاتي. فنحن نريد أن تركِّز سيارتُنا الذاتية القيادة على نحو لا إنساني على الطريق، ولا تستغرق في الجِدال الذي وقع بينها وبين المرآب. ويجب أن يكون الدكتور واطسون الآلي في المستشفى مهووسًا بعمله، لا أن يتساءل إن كان ينبغي أن يتخصَّص في اللغة الإنجليزية بدلًا من الطب. فبينما يتطوَّر الذكاء الاصطناعي، ربما ينبغي علينا هندسةَ طرقٍ «للحَيْلُولة» دون امْتلاكِه الوعْي.
كان باحثو الذكاء الاصطناعي الشبيه بذكاء البشر يسعَون طوال الوقت لهدف خاطئ. فإذا كانت قيمة أجهزة الكمبيوتر لدينا تكْمُن في الطبيعة التكميليَّة لذكائها، فإن آخر شيء نُرِيده هو تَحْوِيلها إلى أصحابِ تفكير غير مباشر مثلنا. فمَن يريد جهاز كمبيوتر غيرَ طبيعيٍّ؟
إرسال تعليق