َعْرِف الإنسانُ عالَمَه في إطار من المكان والزمان، وإذا كان الوجود المكاني محسوسًا فإن الوجود الزماني تتأرجح محاولات فهمه وإدراكه بين العقلانيَّة اللاعقلانيَّة، وبين العلم والفلسفة، وهو موضوع هذا الكتاب. فبين دخول الزمن كعنصر جذاب وملغز في الأساطير القديمة، وكشاغل لأذهان الفلاسفة ضالع في نظرياتهم منذ أرسطو المعلم الأول، وبين القفزات المتتالية التي حققها العلم الحديث في قياس الزمن بوحدات تدِقُّ وتدِقُّ حتى تصل إلى «المايكرو» و«الفمتو» وحتى «الأتو» (واحد على بليون بليون من الثانية)، وبوحدات أخرى تضخُم وتضخُم لتعبِّر عن تقديرات العلماء المتعاظمة لعمر الكون ..
مقدمة
الزمان و المكان صدر المقولات
حين وضع المعلم الأول ارسطو القاطيغوريات ، او المقولات العشر التي هي أعم أجناس الوجود ، جعلها أولا : الجوهر ، ثم اعراضه التسعة : الكم ، و الكيف ، و الإضافة ، و الزمان ، و المكان ، و الوضع ، و الحالة و الفعل ، و الانفعال . إن أرسطو – بفلسفته المنصبة على الوجود ، التي دعمت الفلسفة طوال العصور الوسطى و دعمتها في كذلك – كان لا بد ان يجعل الجوهر (( القائم بنفسه ، و المتقوم بذاته ، و المتعين بماهيته ، و الذي تقوم به الاعراض و الكيفيات )) ، هو المقولة الأولى ، فالوجود او الكون واحدي ؛ أي حقيقة واحدة لا تكثر فيها ؛ أي جوهر كلي . و ما نراه من اختلافات ليس الا
صفات تحمل على الجوهر ، و المنطق هو الاورجانون أو أداة الفكر لأحكام هذا الحمل ؛ لذا كان المنطق قياسيا ، حمليا ، استنباطيا ، و كل مقدماته و نتائجه قضايا مكونة من موضوع و محمول .
و كانت فاتحة الحضارة الحديثة ، و بدء طريق العقل الحديث في العصر الحديث ، حيث نقل ديكارت الفلسفة من محور الوجود الى محور المعرفة ، فأصبحت من رأسها الى أخمص قدميها فلسفة منصبة على المعرفة و تدور حولها ؛ مما هيأ المناخ الغربي لنشأة العلم الحديث و نموه . و قد كان هذا مرتهنا بالافتراق عن طريق أرسطو و منطقه و جوهره . و بتنامي بنية الحضارة الحديثة ، و سيرها قدما في طريقها ، كان الجوهر الأرسطي يتوارى و يضؤل شيئا فشيئا ، حتى تلاشى نهائيا بنشأة المنطق الحديث على يد جورج بول مؤسس جبر المنطق ، و أبي المنطق الرياضي او الرمزي .
و اذا كان المنطق الارسطى هو منطق الحمل الذي لا يعرف الا القضية الحملية ، فإن المنطق الرياضي الحديث هو منطق العلاقات ، و القضية فيه قد تكون لزومية شرطية او انفصالية او عطفية او تركيبية من هذا و ذاك . و الحق ان منطق العلاقات هذا يعد من أعظم إنجازات الفلسفة المعاصرة ، فقد جعل من الممكن صياغة مشكلات قديمة بطريقة جديدة ، و كان له دوره العظيم في إثراء الفكر الفلسفي المعاصر ، و تطوير الرياضيات البحتة . و الذي يهمنا الآن فيه انه يتسق مع النظر الى الكون على النحو الذي ينظر به العلم الحديث الى الكون ؛ أي بوصفه ليس واحديا بحال ، بل بوصفه تعدديا , و كل الفلسفات ذات الطابع العلمي و العقلاني لا بد ان تسلم الآن بالتعددية .
و قد بلغت هذه التعددية ذروتها الذرية المنطقية مع أعظم فلاسفة العصر و صاحب الفضل الأول في تطوير المنطق الرياضي برتراند رسل و تلميذه و رفيقه لودفيج فتجنشتين .
بيانات الكتاب
الاسم : الزمان في الفلسفة و العلم
المؤلف : أ.د. يمنى طريف الخولي
الناشر : مؤسسة هنداوي
عدد الصفحات : 84
الحجم : 3.6 ميجا
تحميل كتاب الزمان في الفلسفة و العلم
حين وضع المعلم الأول ارسطو القاطيغوريات ، او المقولات العشر التي هي أعم أجناس الوجود ، جعلها أولا : الجوهر ، ثم اعراضه التسعة : الكم ، و الكيف ، و الإضافة ، و الزمان ، و المكان ، و الوضع ، و الحالة و الفعل ، و الانفعال . إن أرسطو – بفلسفته المنصبة على الوجود ، التي دعمت الفلسفة طوال العصور الوسطى و دعمتها في كذلك – كان لا بد ان يجعل الجوهر (( القائم بنفسه ، و المتقوم بذاته ، و المتعين بماهيته ، و الذي تقوم به الاعراض و الكيفيات )) ، هو المقولة الأولى ، فالوجود او الكون واحدي ؛ أي حقيقة واحدة لا تكثر فيها ؛ أي جوهر كلي . و ما نراه من اختلافات ليس الا

و كانت فاتحة الحضارة الحديثة ، و بدء طريق العقل الحديث في العصر الحديث ، حيث نقل ديكارت الفلسفة من محور الوجود الى محور المعرفة ، فأصبحت من رأسها الى أخمص قدميها فلسفة منصبة على المعرفة و تدور حولها ؛ مما هيأ المناخ الغربي لنشأة العلم الحديث و نموه . و قد كان هذا مرتهنا بالافتراق عن طريق أرسطو و منطقه و جوهره . و بتنامي بنية الحضارة الحديثة ، و سيرها قدما في طريقها ، كان الجوهر الأرسطي يتوارى و يضؤل شيئا فشيئا ، حتى تلاشى نهائيا بنشأة المنطق الحديث على يد جورج بول مؤسس جبر المنطق ، و أبي المنطق الرياضي او الرمزي .
و اذا كان المنطق الارسطى هو منطق الحمل الذي لا يعرف الا القضية الحملية ، فإن المنطق الرياضي الحديث هو منطق العلاقات ، و القضية فيه قد تكون لزومية شرطية او انفصالية او عطفية او تركيبية من هذا و ذاك . و الحق ان منطق العلاقات هذا يعد من أعظم إنجازات الفلسفة المعاصرة ، فقد جعل من الممكن صياغة مشكلات قديمة بطريقة جديدة ، و كان له دوره العظيم في إثراء الفكر الفلسفي المعاصر ، و تطوير الرياضيات البحتة . و الذي يهمنا الآن فيه انه يتسق مع النظر الى الكون على النحو الذي ينظر به العلم الحديث الى الكون ؛ أي بوصفه ليس واحديا بحال ، بل بوصفه تعدديا , و كل الفلسفات ذات الطابع العلمي و العقلاني لا بد ان تسلم الآن بالتعددية .
و قد بلغت هذه التعددية ذروتها الذرية المنطقية مع أعظم فلاسفة العصر و صاحب الفضل الأول في تطوير المنطق الرياضي برتراند رسل و تلميذه و رفيقه لودفيج فتجنشتين .
بيانات الكتاب
الاسم : الزمان في الفلسفة و العلم
المؤلف : أ.د. يمنى طريف الخولي
الناشر : مؤسسة هنداوي
عدد الصفحات : 84
الحجم : 3.6 ميجا
تحميل كتاب الزمان في الفلسفة و العلم
إرسال تعليق