من أحد تعريفات الثقافة أنها مجموعة من القيم والعادات والتقاليد والمعارف التي تميز جماعة ما، والعرب هم جماعة بشرية يُنسب أصلها إلى «يعرب بن قحطان» على أرجح الأقوال، وقد أنتجت هذه الأمة — خلال حياتها — ثقافة من أقدم الثقافات التاريخية؛ فطوَّروا أبجديتهم الخاصة للكتابة ليأخذها أهل الأمم الأخرى منهم فأنتجوا أبجدياتهم الخاصة، كما نقلوا بعض الكلمات العربية إلى لغاتهم. أما الشعر العربي، فقد أصبح فنًّا مستقلًّا له قواعده الخاصة وبحوره المعروفة ..
و هذه الثقافات الثلاث هي : العربية ، و اليونانية ، و العبرانية
أقدمها في التاريخ هي الثقافة العربية ، قبل ان تعرف أمة من هذه الأمم باسمها المشهور في العصور الحديثة .
و هذه حقيقة من حقائق التاريخ الثابت الذي لا يحتاج الى عناء طويل في اثباته ، و لكنها على ذلك حقيقة غريبة تقع عند الكثيرين من الأوروبيين و الشرقيين ، بل عند بعض العرب المحدثين ، موقع
المفاجأة التي لا تزول بغير المراجعة و البحث المستفيض .
و قد كان ينبغي ان يكون الجهل بهذه الحقيقة هو المفاجأة المستغربة ؛ لأن الايمان بهذه الحقيقة التاريخية لا يحتاج الى أكثر من الاطلاع على الأبجدية اليونانية ، و على السفرين الأولين من التوارة التي في أيدي الناس اليوم ، و هما : سفر التكوين و سفر الخروج ، ولا حاجة الى الاسترسال بعدهما في قراءة بقية الاسفار .
فالأبجدية اليونانية عربية بحروفها و بمعاني تلك الحروف و أشكالها ، منسوبة عندهم الى قدموس الفينيقي ، و هو في كتاب مؤرخهم الأكبر (( هيرودوت )) أول من علمهم الصناعات .
و سفر التكوين و سفر الخروج صريحان في تعليم الصالحين من العرب لكل من إبراهيم و موسى – عليها السلام ؛ فإبراهيم تعلم من ملكي صادق ، و موسى تعلم من يثرون إمام مدين ، و شاعت في السفرين رسالة (( الآباء )) قبل ان يعرفوا باسم الأنبياء ؛ لأن العبرانيين عرفوا كلمة (( النبي )) بعدو وصولهم الى أرض كنعان و اتصالهم بأئمة العرب بين جنوب فلسطين و شمال الحجاز .
فيحق العجب ممن يجهل هذه الحقيقة التاريخية المسجلة بالكتابة منذ ألوف السنين ، بل بالحروف التي سبقت الكتابة و الكتاب .
الا ان الاشاعة الموهومة كثيرا ما تطغي على الحقيقة المسجلة ، و لا سيما الاشاعة التي تحتمي بالصولة الحاضرة و تملأ الآفاق بالشهرة المترددة . و قد اشاع الأوروبيون في عصر ثقافتهم و سلطانهم ان اسلافهم اليونان سبقوا الأمم الى العلم و الحكمة ، و اختلط على الأوروبيين كما اختلك على غيرهم قدم التوراة بالنسبة الى الانجيل و القرآن ، و قدم الإسرائيليين بالنسبة الى المسيحيين و المسلمين ، فتوهموا ان العبرانيين سبقوا العرب الى الدين و الثقافة الدينية ، و كتابهم نفسه صريح في حداثة إسرائيل و حداثة إبراهيم من قبله بالنسبة الى أبناء البلاد العربية .
و ليس أعجب من الجهل بالحقيقة التي تظهر هذا الظهور .
ليس أعجب من هذا الجهل الا ان تكون الأوهام المشاعة بهذه القوة عند أقوى الأمم و عند أشهرها بالعلم و الثقافة .
فلو لم يكن في هذه الصفحات التالية الا انها تكشف هذه الاعجوبة في ناحية من نواحيها ، لكان ذلك حسبها من سبب يوجب علينا كتابة هذه الرسالة ؛ فهي تفصيل لما في هذه الاسطر القليلة من إجمال ، و أيسر تفصيل كاف في مجال كهذا المجال .
المؤلف : عباس محمود العقاد
الناشر : مؤسسة هنداوي
عدد الصفحات : 78
الحجم : 4.5 ميجا
تحميل كتاب الثقافة العربية
رابط تحميل مباشر - جوجل درايف
رابط تحميل فورشيرد
مقدمة
حقيقة مفاجئة أقدم الثقافات الثلاثو هذه الثقافات الثلاث هي : العربية ، و اليونانية ، و العبرانية
أقدمها في التاريخ هي الثقافة العربية ، قبل ان تعرف أمة من هذه الأمم باسمها المشهور في العصور الحديثة .
و هذه حقيقة من حقائق التاريخ الثابت الذي لا يحتاج الى عناء طويل في اثباته ، و لكنها على ذلك حقيقة غريبة تقع عند الكثيرين من الأوروبيين و الشرقيين ، بل عند بعض العرب المحدثين ، موقع

و قد كان ينبغي ان يكون الجهل بهذه الحقيقة هو المفاجأة المستغربة ؛ لأن الايمان بهذه الحقيقة التاريخية لا يحتاج الى أكثر من الاطلاع على الأبجدية اليونانية ، و على السفرين الأولين من التوارة التي في أيدي الناس اليوم ، و هما : سفر التكوين و سفر الخروج ، ولا حاجة الى الاسترسال بعدهما في قراءة بقية الاسفار .
فالأبجدية اليونانية عربية بحروفها و بمعاني تلك الحروف و أشكالها ، منسوبة عندهم الى قدموس الفينيقي ، و هو في كتاب مؤرخهم الأكبر (( هيرودوت )) أول من علمهم الصناعات .
و سفر التكوين و سفر الخروج صريحان في تعليم الصالحين من العرب لكل من إبراهيم و موسى – عليها السلام ؛ فإبراهيم تعلم من ملكي صادق ، و موسى تعلم من يثرون إمام مدين ، و شاعت في السفرين رسالة (( الآباء )) قبل ان يعرفوا باسم الأنبياء ؛ لأن العبرانيين عرفوا كلمة (( النبي )) بعدو وصولهم الى أرض كنعان و اتصالهم بأئمة العرب بين جنوب فلسطين و شمال الحجاز .
فيحق العجب ممن يجهل هذه الحقيقة التاريخية المسجلة بالكتابة منذ ألوف السنين ، بل بالحروف التي سبقت الكتابة و الكتاب .
الا ان الاشاعة الموهومة كثيرا ما تطغي على الحقيقة المسجلة ، و لا سيما الاشاعة التي تحتمي بالصولة الحاضرة و تملأ الآفاق بالشهرة المترددة . و قد اشاع الأوروبيون في عصر ثقافتهم و سلطانهم ان اسلافهم اليونان سبقوا الأمم الى العلم و الحكمة ، و اختلط على الأوروبيين كما اختلك على غيرهم قدم التوراة بالنسبة الى الانجيل و القرآن ، و قدم الإسرائيليين بالنسبة الى المسيحيين و المسلمين ، فتوهموا ان العبرانيين سبقوا العرب الى الدين و الثقافة الدينية ، و كتابهم نفسه صريح في حداثة إسرائيل و حداثة إبراهيم من قبله بالنسبة الى أبناء البلاد العربية .
و ليس أعجب من الجهل بالحقيقة التي تظهر هذا الظهور .
ليس أعجب من هذا الجهل الا ان تكون الأوهام المشاعة بهذه القوة عند أقوى الأمم و عند أشهرها بالعلم و الثقافة .
فلو لم يكن في هذه الصفحات التالية الا انها تكشف هذه الاعجوبة في ناحية من نواحيها ، لكان ذلك حسبها من سبب يوجب علينا كتابة هذه الرسالة ؛ فهي تفصيل لما في هذه الاسطر القليلة من إجمال ، و أيسر تفصيل كاف في مجال كهذا المجال .
بيانات الكتاب
الاسم : الثقافة العربيةالمؤلف : عباس محمود العقاد
الناشر : مؤسسة هنداوي
عدد الصفحات : 78
الحجم : 4.5 ميجا
تحميل كتاب الثقافة العربية
رابط تحميل مباشر - جوجل درايف
رابط تحميل فورشيرد
إرسال تعليق