يعتبر علم النفس العلم الإنساني الأكثر اهتماما بعالم الأحلام وتفسيرها، فقد اتخذ من الأحلام والرؤى موضوعا للدرس والتحليل والتأويل ومنها أسس منهجه واستخلص نظرياته وقدم تصورات علمية مفارقة لما كان معروفا عن عالم الأحلام وبواطن النفس الإنسانية.
لقد أعاد علم النفس الأسئلة القديمة إلى الواجهة، متسائلا عن معنى الحلم ومحتواه وصفاته وفاعليته وعن النوم وما هو وكيف هو، وما علاقته بأحلام الناس? وهي الأسئلة التي شكلت حجر الزاوية لكل مدارس وتيارات علم النفس.
ويعتبر سيجومند فريد الأب الروحي لعلم النفس الحديث الذي طوره من بعده تلامذته العديدون من أمثال أدكر ول. غ. يونج وهورني ومن بعدهم جاك لاكان وغيره.
المحتوى الظّاهر للحلم ومحتواه الكامن
إن الأحلام كلها غير غريبة عن الحالم، ولا هي مفهومة لديه ولا واضحة. فلو انكببتم على النظر في أحلام الأطفال الصغار - منذ أن يبلغوا من العمر عاما ونصف العام - لوجدتموها بسيطة جدا، سهلة التفسير، فالطفل الصغير يحلم دائما بتحقيق رغبات أنشأها في نفسه اليوم السابق دون إشباعها. ولا نحتاج إلى كبير تخمين لنتوصل إلى هذا الحلّ البسيط، بل يكفي أن نعلم ما مر بالطفل في اليوم السابق .
وقد يعترض بعضهم فيقول: إن أحلام الكهول لا تفهم في الغالب ولا تشبه إلا قليلا تحقيق الرغبة. فنجيب : ذلك أنها تغيرت ملامحها وتنكرت . والفرق في أن منشأها النفسي مختلف شديد الاختلاف عن الصورة التي تبدو عليها. ولهذا وجب أن نميز بين أمرين: الحلم كما يبدو لنا وكما نستحضره في الصباح غامضا إلى حد أننا نجد غالبا بعض العناء في روايته وترجمته إلى كلمات. وهذا ما سنسميه المحتوى الظاهر للحلم، هذا من جهة، ثم إن لنا مجموعة التصورات الكامنة للحلم، التي نفترض أنها تتحكم في الحلم في قرار اللاّشعور نفسه، من جهة أخرى. وعملية التشويه هذه هي نفسها التي تتحكم في نشأة الأعراض الهستيريّة. فتكون الأحلام ينتج إذن عن نفس التقابل الذي بقع بين القوى النفسية عند تكون الأعراض.
"المحتوى الظاهر" للحلم هو بديل محرّف من التصوّرات الكامنة للحلم، وهذا التحريف هو من عمل "الأنا" المدافع عن نفسه . ويتولد التحريف عن عمليات مقاومة تحبر على الرغبات اللاّشعورية تحجيرا مطلقا الدخول إلى حيّز الشعور في حالة اليقظة. لكن هذه القوى - رغم أن النوم يضعفها - ما يزال لها من القدرة ما يجعلها تفرض، على الأقل على الرغبات، قناعا يخفيها. وليس الحالم أقدر على فك معنى أحلامه من الهستيري على التعمّق في دلالة أعراضه.
فرويد
"خمسة دروس في التحليل النفسي"
الأحلام والقدرة فوق الحسية
لأن الوعي ينتشر خلال النوم، فهذا هو الوقت الملائم لتكون قدرتك فوق الحسية في حالتها المثلى. وغالباً ما تتطفل الانطباعات النفسانية فوق الطبيعية على آلية الحلم وتحدد، أو تؤثر على الأقل، على صور أحلامك. وهذه الانطباعات الحلمية ستكون إما حرفية أو رمزية، اعتماداً على عمق النوم.
الأحلام الحرفية المتعلقة بالقدرة فوق الحسية لا تطرح مشاكل في التفسير: فأنت تحلم مثلاً بحادث سيارة وبعد أيام قليلة يتحقق حلمك بكل تفاصيله. أما الأحلام الرمزية المتعلقة بالقدرة فوق الحسية فليست سهلة إلى ذلك الحد على الكشف والتفسير. فالرؤية في الذهن الباطن نوع من لغة الاختزال العالمية. وعلى أي حال، هناك تنويعات على المعنى من فرد إلى آخر، وبعض الرموز لها عدد من الترجمات الممكنة. مثلاً، إذا حلمت بطائر يمكن تفسير ذلك على أنه يعني: السلام، الموت، رسالة من مكان بعيد، الحرية، المرض والأمل. ومن الممكن أيضاً أن يشير الرمز إلى شيء خاص بالفرد، مبني ربما على ذاكرة الطفولة.
وبسبب هذه التنويعات الفردية، فليس عليك أن تلتزم على نحو صارم بالمعاني الواردة في لائحة الرموز على الصفحات التالية، ولكن استخدمها فقط كدليل عام في تفسير صور أحلامك.
عليك أن تصبح على اطلاع بلغة ذهنك الباطن، ويمكنك أن تفعل ذلك بمقارنة هذه الرمزية بحوادث حياتك، وهذا يعني أنك ستحتاج إلى إبقاء يوميات حلمية قرب سريرك في كل الأوقات، لذا ستقوم لدى استيقاظك في الصباح، وعلى الفور، بما أن الأحلام تميل إلى الزوال خلال دقائق قليلة بعد الاستيقاظ، بكتابة التفاصيل التي تتذكرها مما حلمت.
سجل أحلامك على الجانب الأيسر من مذكرات الحلم الخاصة بك. ثم قم كل مساء، وقبل أن تأوي إلى الفراش بتسجيل حوادث النهار على الصفحة المقابلة.وبهذه الطريقة ستتمكن بسهولة من مقارنة أحلامك مع حوادث اليوم التالي، وبذلك تكتشف الانطباعات فوق الحسية دون الوعيية. كما ستكسب بصيرة ثمينة تدخل إلى ما يعتمل في ذهنك الباطن وتبدأ بفهم شيء ما من رمزيتها. وعلى نحو أكثر أهمية، وبتنفيذ هذه التغذية الارتجاعية للحلم على أساس يومي، ستقوم بإنشاء رابطة أوثق بين المستويين الأعلى والأدنى لعقلك، ومع تدعيم هذه الرابطة الخارجية/ الداخلية فإن أحلامك فوق الطبيعية ستحدث مرات أكثر.
زاك مارتين
"كيف تنمي طاقتك الروحية وما فوق الحسية"
ما هو الحلم?
تتعدد الآراء بقدر ما تتنوع: رسائل من الآلهة، آثار هضم عسر، رؤى مستقبلية، صور غير مترابطة مأخوذة من الحياة اليومية ومشوهة بلا أي معنى، انعكاسات تخيلية تنتج عن الضجيج.
وجد على الدوام فن تفسير الأحلام، واعتبر في بعض الأحيان، نتيجة لإحدى قدرات الإنسان الأكثر رفعة. لقد كرس الكثيرون أنفسهم لدراسة الظواهر الحلمية: منهم العرافون مثل آرتيميدرس الدالدي في القرن الثاني قبل الميلاد ومنهم العلماء والباطنيون وكذلك كهنة العالم القديم عقب النوم المقدس في المعبد وأيضاً أطباء وفلاسفة. ولم يمر أي فكر عميق، مرور الكرام، حول هذا الموضوع في حين لم يكف العامة يوماً عن الاعتقاد بأن ثمة رسائل تنقل إلى الإنسان على هذا النحو.
ما زلنا رغم هذه الجهود نجهل ما هو الحلم. إننا نعرف صفاته وفعاليته وكذلك صوره النموذجية (كأن يجد المرء نفسه في الطريق مرتدياً قميصه فحسب، أو أن ينسى حقيبته، أو أن يرى قطاراً ينطلق، الخ ...)؛ إننا نعرف عمل الحلم (فرويد) ومع ذلك لم يستطع إنسان قط أن يعرّف، على نحو صحيح، هذا النسيج المدهش المصنوع من الذكريات الشخصية ومن أقدم الرموز، هذا التماوج من الصور المليء بالتناقضات الظاهرية وبالجماليات المدهشة.
يتجاوز السؤال المطروح [ما هو الحلم] معطيات عصرنا، غير أننا يمكن أن نتساءل: ما الذي يتضمنه الحلم، وما هو معناه? والحق أنه ليس ثمة سؤال أكثر إثارة، أو سؤال يصيب حبة قلبنا من " ما معنى حلمي?".
فعل الحلم هو في الواقع نشاط نفسي أساسي وعام لدى الجميع، ويربط بين كل الناس، لكن ثمة شيء مدهش، وطبيعي في آن، ذلك أن المرء لا يهتم إلا بحلمـه الخاص، إننا نصغي لأحلام الآخرين باستخفاف وقد نسخر بعض الشيء من منهج يهتم بتحميلها معنى ما، في حين يشكل حلمنا وحدة استثناءً. ويحس الإنسان -حتى الأكثر مادية وتشككاً- بشعور مضطرب عندما يرى حلماً مقلقاً، لأنه في تلك اللحظة عينها، يصبح واعياً لحقيقة العالم النفسي الممتنع على الحياة العادية والذي رغم ذلك يوجد دوماً بشكل أبقى من الواعية المؤقتة.
كثيرون هم من اختبروا حلماً واحداً كانت له أهمية كبرى في حياتهم، في حين يتناسى عدد كبير من الناس، استمرار حياتهم الحلمية ويجهلون أن لهم في أحلامهم عاملاً فاعلاً وموجهاً داخلياً، يحدثهم بغموض تارة وطوراً بإلحاح.
لا بد من جهد من أجل فهم لغة الحلم، الطفولية والبدئية والفظة أحياناً والتي تحيّر الحالم غالباً.
يستخدم الرمز للتعبير في الحلم، وتنبع صوره غالباً من العصور القديمة، ومن مشاهد قبل تاريخية تنتمي بعض هذه الصور إلى نفس الإنسان في العصور الغابرة وتعيد توليد ذاتها في العصر الحالي. مثال على ذلك، صورة الأرض: المؤنثة والإلهية، المخصبة عن طريق الوصال مع إله المطر المتمدد فوقها (انظر أحلام كلودين في الفصل الرابع). لقد كانت العادة التي تقول بالنوم الزفافي في الحقل- والتي كان زوج من الفلاحين في بعض البلدان، يقوم بحسبها بقضاء الليل في الأرض التي كان يرغب بإخصابها- تعني: "لتكن الأرض خصبة كما أقوم بإخصاب المرأة". إن حلم ري الأرض الذي ذكره آرتيميدرس، إنما يعيد بكل بساطة هذه الاستعارة. وفي هذا السياق. كان المحراث رمزاً مذكراً قضيبياً، وقد احتفظ بهذا المعنى في الأحلام حتى الأزمنة الحاضرة.
يشارك كل عصر في إغناء هذه الكنز من الصور، كذا يقدم عصرنا مشاركته من حقل التقنيات التي كانت تجهلها العصور القديمة فصور الطائرة والمركبات الفضائية تضاف إلى تمثيل القضيب وكم من الأشخاص، في هذا الوقت حلموا بقنابل كانت تخبئ كل ما يمكن تخيله من أوجاع، تتراوح بين القنابل الحقيقية وما يماثلها من قنابل زوجية تسقط على رأس الزوج البريء!.
عرفت العصور القديمة فضلاً عن ذلك، حلم الطيران في الهواء أيضاً، (وهي أمنية قديمة منذ قرون تحققت في زماننا فقط) والتفسير الذي أعطاه آرتيميدرس لهذا الحلم لا يبتعد كثيراً عن التفسير الحديث.
يمتلئ تاريخ جميع الحضارات الكبرى بقصص الأحلام وتفسيراتها وكم من أهمية كانت تعطى للأحلام في الهند القديمة: يمكن استخلاص القيمة الروحية التي كانت تعزى للأحلام من المقطع التالي من اليوغا- شوترا لباتا نجالي (حوالي 2000سنة قبل الميلاد): "فلنتأمل حول المعارف التي تأتينا أثناء نومنا". ويقول سوامي فيفيكا نندا من بعده في اليوغا راجا: "أحياناً يحلم المرء أن ملائكة أتت إليه وحدثته بأنه في حالة انخطاف، يستمع إلى موسيقى الكواكب شاعراً بفرح علوي. اعتبروا هذا الحلم حقيقة واقعة وتأملوا فيه. فإن ذلك مستحيلاً عليكم فتأملوا في موضوع مقدس، يكون عزيزاً عندكم".
كان تفسير الأحلام في القديم ينبثق من كلية الرموز الحية ولم يكن ثمة من يضع في محل شك، واقعية الرمز وإمكانية التشكل ضمن منحاه. كان الحالم، ومن يفسر له حلمه يتواجدان في جو نفسي واحد ويصغيان لبعضهما بشكل كامل. كان الحلم يشكل جزءاً من الحياة وكان يمكن أن يُفهم بقدر أو بآخر، كرسالة من الآلهة. وعادة كان مفسر الأحلام المحترف لا يُعطي أجرةً عندما يخطئ في مهنته وكان يُعاقب أحياناً (خصوصاً عندما يعمل لشخصية هامة). لكن واقع إرادة اكتشاف المعنى لم تكن لتناقش أبداً.
نقرأ في ملحمة جلجامش، التي تعود إلى أقدم الحضارات أن الملك جلجامش كان يعاوده حلم، كان فيه الجبل الذي يقف عليه مع صديقه انكيدو، ينهار من تحته، الأمر الذي استنتج منه، أنه سينتصر على عدوه شمبابا (وهذا ما حصل فيما بعد). وتضيف الأسطورة أن والدة الملك جلجامش كانت مفسرة مخضرمة في تفسير الأحلام. أما في روما القديمة فقد كانت الأحلام الهامة تناقش حتى في مجلس الشيوخ.
كانت المدينة القديمة تقبل حقيقة الحلم، وحتى في الزمن الأحدث فقد كان عصر آرتيميدرس يعيش تلامساً دقيقاً مع الصور البدئية الأولية متذهناً إياها ومتفهماً لها بدقة كبيرة..
دُرست الظواهر الحلمية من وجهات نظر مختلفة، وعبر جميع العصور، إنما يجب أن نشير إلى أن الأبحاث المختلفة كانت تسير متوازية بشكل عام، ولئن كانت تلتقي فليس إلا من أجل خلق اختلافات أكبر أيضاً. لقد كان سرانيو الأحلام والمشككون الماديون ينظرون إلى بعضهم البعض بكثير من الاستخفاف ومع ابتسامات مشفقة.
بعيداً عن الدراسات العلمية، ثمة طريقين قاربا سر الحلم: الطريف الحدسي وأدب الخوارق في الشعر والقصة أولاً والطريق الشعبي في "مفاتيح الأحلام" ثانيا. والأخيرة هي معاجم لرموز الأحلام. ومثلما يحفظ التنبؤ بورق اللعب رواسب تقليد التارو tarot العريق، المكرس أصلاً للتنبؤ، كذلك فإن مفاتيح الأحلام الشعبية تحفظ بقايا صور بدئية مغلوطة الفهم ومشوهة غالباً.
جرت ولادة علم الأحلام الحديث، الذي يضم جميع الاعتبارات الداخلية من حيث لم يكن يُتوقع له ذلك كثيراً: أي من الطب. إننا ندين بحقيقة كوننا أكثر قرباً من أي وقت مضى لفهم عميق للحلم في كل أبعاده لأبحاث علماء النفس والأطباء النفسانيين والمحللين لقد قام هذا العلم على أعمال فرويد وبلولر وبرويه ويونغ وميدير وآدلر وستيكل ورانك وفلورنوي وآلندي وآخرين. مكملاً منهجاً أبدع في فرنسا من قبل شاركوه وبرنهيم وجانيه.
جاء بعث علم الأحلام حوالي سنة 1900وهو العصر الذي قامت فيه حركات فكرية جديدة في جميع الميادين، الفنية والعلمية والأدبية، بمواجهة العقلانية rationalisme والذهنية intellectualisme. وفي نهاية القرن التاسع عشر كانت فلسفة برجسون. التي كانت قد أعادت الاعتبار للحدس- قد أعدت الطريق للفهم الجديد للحلم، وقلبت النظرة الميكانيكية للحياة. في حين أن الخافية التي وضعت نظرياً من قبل كاروس وشوبنهاور وهارتمان وفلاسفة آخرون، قد تم اكتشافها تجريبياً على أيدي علماء النفس.
أعاد فرويد، الرائد الكبير لهذا العلم الجديد، الأهمية الفائقة للحلم كتعبير مباشر للنفس الخافية، واعتبر الحلم كما لو أنه الطريق الملكي نحوها، وبفضل هذه النظرة للحلم، أعيد إدخاله إلى شعور الإنسانية وفكرها.
ومع ذلك، لم يكن فرويد، مع مدرسته، قد أدرك كامل أبعاد الحلم، بل توقف عند بعض حدودها. لقد اعتبر في الواقع، أن الحلم وسيلة لحمل العناصر الخافية أو دون الواعية إلى مجال الواعية التي كان يعتبرها متفوقة على الخافية، والحال فقد كان الحلم يعتبر خادماً للطب النفسي الموجه في المنحى المادي. إن اكتشافات الدكتور ك.غ. يونغ. زعيم المدرسة السويسرية لعلم النفس، أو مدرسة علم النفس التحليلي، هي الأولى التي مدت جسراً بين الأحلام والتجارب الروحية التي خاضها أشخاص عديدون على مر العصور. فبنظريته حول خافية جمعية، متأصلة في النفس الإنسانية، قام بتحرير فن تفسير الأحلام من النظرة الفردية بشكل كامل. فمن أجل إمكانية إعطاء الأحلام كامل قيمتها النفسية، يجب القبول بوجود جزء خاف في المنظومة النفسية، تدخل في إطار نفس جمعية ويتعلق تفسير الأحلام كلياً بهذه الفرضية.
إن الاختبارات التي يقوم بها كل من المحلل والشخص موضوع التحليل في أثناء العلاج، لأشهر أو لسنوات غالباً، تشير لهما مع دهشة كبيرة أن أي سرائي أو مفسر للأحلام، لم يبالغ أبداً في تعظيم ما تتمخض عنه الأحلام. إنهما يبقيان مأخوذين ويشعران بتهيب متزايد باستمرار للنفس الخافية التي تتكشف بهذه الطريقة.
إن كل منا شاعر وبصير في حياته الحلمية، ويستطيع كل امرئ أن يتجاوز حدوده الخاصة وأن يلامس للحظات أسرار الحياة وتلك تجليات نظنها وقفاً على بعض الكائنات المختارة.
تم الآن وبقدر كبير تجاوز النظرة التي قدمها فرويد للحمل- كرغبة تُحقق رمزياً- إنما يعتبر فرويد الحلم فعلاً يفرغ المنظومة النفسية، عن طريق تركيز بعض العواطف خلال نوم الحالم. فهو إذاً خادم لأنا الحالم. أما يونغ فقد وسع كثيراً هذه النظرة. إن للحلم أن يعبر عن الرغبات بيد أنه يستطيع أيضاً أن يبطلها. إن إمكانيات الحلم غير منتهية: فثمة أحلام تخاطرية وأحلام تنبؤية وأخرى تعبر عن أزمات تلازم الحالم وغيرها تعطيه توجيهاً عاماً مطلوباً في سلوكه. وثمة أحلام محبطة وأخرى خلاّقة؛ لكنها جميعاً، وبلا استثناء، يجب أن تؤخذ كانبثاق نفسي صادر عن كلية النفس وعن جملة الحياة. يحمل الحلم إلى الواعية عناصر مجهولة متمماً بذلك فعلاً مكملاً وموازياً. ذلك أنه كما أن الجسد يسعى، بمواجهته الميكروبات والجراثيم نحو الصحة التامة، كذلك تتوق الحياة النفسية إلى التوازن. سوف نتكلم لاحقاً عن القوة المجددة للنفس الإنسانية، وهي قوة متأصلة في كل كائن، وسوف نرى أيضاً كيف يتطور العصاب وهو ليس إلا مسعى النفس الخافية للتحرر والشفاء.
تأتي أكثر الانفعالات المركزة في فعل الحلم من ميدان الجنس، حسب فرويد، وتعيد الكاتبة مراجعة هذه الفكرة، التي خلقت لفرويد الكثير من المعارضين في وقتها، لتعدلها.
يتوجب فهم عقيدة فرويد من خلال تطور ثقافتنا، كعنصر معارض لنظور الحياة والأخلاق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ففي ذلك العصر يُكبت كل ما هو طبيعي وفطري، في حين أن الخافية، التي تبدع دوماً التعويضات الضرورية للحالات المفرطة والأحادية في حياة الواعية، كانت تظهر الرغبات والنزعات المكبوتة. كان هذا الحظر للحياة الجنسية، مع ما يرافقها من انعكاسات، يتواجد على الأخص في البلاد الأنغلوساكسونية. أما في فرنسا، حيث ظلت مستمرة تقاليد التروبادور فقد كانت الحياة العاطفية والغزلية مقبولة دوماً وكان للنفس أن تهتز على جميع أوتارها، من غير الوجل الذي تتصف به بلاد الشمال. يبيّن فن الرواية النفسية عند بلزاك وستاندال وموباسان وحتى المؤلفين الأكثر حداثة، الجو المنفتح على الحياة الجنسية التي لما تنفصل أبداً بشكل قاس عن الواعية والتي، ولهذا السبب، لم تصبح فريسة لقوى الخافية.
الأهم من ذلك، هو أن الكنيسة الكاثوليكية كانت قد رتبت وركزت هذه الطاقات عند معتنقيها، وكانت قد استهوتهم في رمزيتها القوية. في حين أن البروتستانت وغير المؤمنين، المتروكين لواعيتهم وحدها وللمتناقضات الملازمة لهم كانوا يملكون حاجة داخلية أكثر حدة بكثير للتعارف مع أنفسهم، ولكي يثبتوا التناغم بين دوافعهم وبين مبادئهم الأخلاقية والاجتماعية.
يقدم الحلم- كما سنرى لاحقاً- طريقاً يسيراً إلى الحياة الخافية التي أصبحت، وقد اكتشفت وتم اختبارها، جزءاً هاماً من علم النفس والطب النفسي الحديثين.
نرغب هنا، وبدون أفكار مسبقة بدراسة المعطيات العلمية والتقليدية، مقدمة حسب المنهج العلمي لعلم النفس التحليلي. أما أن يعتقد القارئ بأنه سوف يجد في هذا القاموس الحديث للأحلام طريقة لفهم أحلامه بشكل أفضل، فعليه إذاً أن يتذكر دوماً أن كتاباً كهذا لا يستطيع إلا أن يقدم خطوطاً عامة لتفسير الرموز التي يتنوع معناها في كل حلم فردي.
تقترف مفاتيح الأحلام الشعبية خطأً أساسياً في رغبتها بالتبسيط معطية تفاسير جاهزة ومقولبة تصلح لجميع القراء دون الاهتمام بالمناخ العاطفي للحلم، وبتعددية معاني الرمز وبحياة الحالم التي هي قاعدة كل إنتاج نفسي.
لا يعطي العلم الحديث، على عكس التفسيرات الشعبية، لأي حلم تفسيراً محدداً لا بد من تحقيقه. إن أي صورة حلمية لا تعلن بمفردها "الموت" أو " الزواج" بل يعتمد الأمر كلياً على الحالة الداخلية للحالم إن أحلامنا تعكس حالة أنفسنا وقوانا النفسية وقدرتنا الكامنة التي يمكن أن تتحقق على مستويات مختلفة.
تدّعي بعض مفاتيح الأحلام مثلاً أن رؤية السّرة في الحلم تعني الموت. ثمة تأكيد مغلوط وخطر هنا. فمثل هذه الاعتبارات يمكن أن تتمخض عن نتائج رهيبة عند أنفس ضعيفة، مسببة لها الموت بالفعل. ومع ذلك، فإن الغريب أن نجد وسط هذا الخليط المتناقض بعضاً من الصحة حول ما ينسب لهذا الأمر. ويشير هذا التفسير مرة أخرى إلى أن مفاتيح الأحلام القديمة قد استشعرت علاقة سرية، بين الصور الرمزية وبين النفس وأنها احتفظت بهذه العلاقة عبر العصور.
ترتبط السرة رمزياً بالولادة، بالطفل وبالأم. والموت هو في الواقع "العودة إلى رحم الأم الأرض" وقد كان الموتى في عصر ما قبل التاريخ يُدفنون في وضعية الجنين في رحم أمه، حيث ينتظرون هناك ولادة أخرى.
يمكن لرؤية السرة في الحلم أن تعني أشياء كثيرة، وعلى مستويات مختلفة جداً. يمكن لهذا الحلم أن يكشف حنيناً للطفولة، أو صدمة نفسية تعود إلى لحظة قطع الحبل السري الذي يربط المولود بأمه (لقد أثبت فرويد أنه يمكن للذكريات أن تعود حتى إلى زمن ما قبل الولادة).
ويمكن لمثل هذا الحلم أيضاً أن يعني رغبة قوية بالحصول على طفل يكون طفلاً حقيقياً من لحم ودم أو طفلاً روحياً.
يمكن لنفس الحلم أيضاً أن يحمل إشارة للسرة كمركز لجسم الإنسان وبشكل أعم كمركز للكون. وحسب مناهج التأمل الشرقية فهذا يمثل للحالم رغبة قوية في تطور روحي.
يمكن لرؤية السرة في الحلم أن تكشف أفكاراً رائعة وقديمة تتعلق برواية خالق العالم الذي خرج من سرة إله أو جني. إضافة إلى الكثير من التفسيرات الأخرى الممكنة أيضاً.
يتعلق كلياً اختيار التفسير، بالجو النفسي لحلم وبالتفاصيل وبالظروف الخاصة التي تحيط بالرمز (على سبيل المثال، الشخص الذي شوهدت سرته أو شكل السرة، الخ) وبتداعيات الأفكار الصادرة عن الحالم بشك حر وتلقائي ويمكن مع التزود بهذه المعطيات أن نجازف بتقريب لهذه الرموز.
من وجهة النظر الرمزية، لا تبدو لنا مفاتيح الأحلام كما لو أنها طفولية وبدائية فقط، فوراء المحاولات المتناقضة والسيئة غالباً، يمكن أن نكتشف تقليداً ضائعاً وصورة مفهومة بشكل خاطئ، ولكنها مع ذلك كبيرة في قدمها وفي معناها الجوهري.
ينطبق الأمر على الإحساس الذي يدفع لمراجعة مغزى الأحلام. إنه فضول بدئي ومرضي أحياناً لكنه يخفي موقفاً واهتماماً مشروعين: الإيمان الراسخ بحقيقة الحلم.
ومع ذلك، وكما سبق وكررنا، لا يوجد ولا يمكن أن يكون هناك تفسيرات ممكنة لجميع الحالات. يتوجب تقليب المسألة الفردية للحالم من كافة وجوهها في كل مرة، ولهذا السبب لا يمكن لمفاتيح الأحلام الشعبية أن تستخدم كقاموس، حتى ولو كانت مكتوبة من قبل أرتيميدرس الذي وُجد، في أثره التنبؤي، في الكثير من الحالات، تفسيرات لها صحة نفسية مدهشة. أما بالنسبة لمفاتيح الأحلام الشعبية فيمكن القول أنها تعطي دوماً التفسيرات الأكثر تشويهاً، المتضمنة غالباً، في الواقع، للرمز الأساسي إنما بشكل مشوه. وينقص مؤلفوها غالباً حس المسؤولية الضروري لجميع الذين يخوضون سر الشخصية الإنسانية.
يعود علم الأحلام إلى أقدم العصور بيد أن الشكل الذي يأخذه اليوم، حديث نسبياً، كما أنه بات يقع ضمن نطاق التجربة. ثمة أشخاص قليلون عملوا خلال سنين طويلة، في أنفسهم مسجلين أحلامهم ومتحققين من انعكاس هذا العمل على حياتهم. وقد تحققت نتائج هامة بفضل أولئك الذين اتبعوا طريق التحليل الذاتي هذا.
أما في الوقت الحاضر فتستمد الخبرات الأكثر دقة، الجارية في ميدان الخافية، من استخدام الطب النفسي. ومع أن حقيقة كون المحاولات الأولى قد جرت على مرضى قد نفّرت الكثير من الناس، إلا أن أولئك الذين يعانون نفسياً ويخضعون لعلاج تحليلي ليسوا مرضى بالضرورة، بل هم كائنات حساسة، بشكل استثنائي، ويرجع ذلك إلى تنازعهم مع الحياة الواقعية وفي الحقيقة، يبلغ إحساس الشخص المعصوب، وهو ليس كائناً غير طبيعي قطعاً، بصعوبات الحياة، أشده.
لقد تطور التحليل النفسي بشكل مستمر، وابتعد عن المستوى البدائي، حيث لم يكن يمثل سوى طباً نفسياً. وحصل المحللون النفسيون خلال تعمقهم في نفسانيات الأشخاص المواضيع، على نتائج كبيرة الشأن تتجاوز كثيراً حدود العلاج ذاته. إن منعكسات علم النفس الحديث تمتد إلى جميع ميادين الحياة كالأثنوغرافيا (علم خصائص الأعراق البشرية) وتاريخ الأديان. فضلاً عن الفلسفة والتربية، وبشكل عام إلى جميع ميادين الثقافة. غير أن دراسة الأحلام كانت الأكثر اغتناء من فتوحات التحليل النفسي.
ثمة أحلام كبيرة وأخرى صغيرة، ويخفي كل مقطع، مهما يمكن أن يبدو عرضياً، مغزىً معيناً، ويثبت ذلك تداعيات الأفكار (الصور والأفكار المتولدة تلقائياً) التي يمكن أن يبعثها هذا المقطع. أما الأحلام الكبرى فتكشف هدف مسار إنساني بل وأكثر من ذلك، يمكن أن تنبئ بالمصير الجمعي لشعب أو لحقبة.
أصبحت مثل هذه الأحلام مشهورة في التاريخ، منها مثلاً حلم كالبورينا قبل اغتيال يوليوس قيصر، وحلم الحية المرعبة لهانيبال التي كانت تلاحقه في كل مكان، والتي كانت تكتسح إيطاليا، الأمر الذي فعله هو نسه فيما بعد.
فرّق البدائيون أيضاً بين الأحلام الكبرى والأحلام العادية. فعندما يحلم زعيم القبيلة أو ساحرها بحلم كبير، كانت القبيلة تجتمع بأسرها كي ينقل لها الرسالة التي تهم المجموعة بأسرها. وعندما يحلم زنجي في الأدغال حلماً مزعجاً فإن أي وعد وأي تهديد لا يمكّنان من إقناعه بالقيام بأي عمل مهما يكن.
يعرف الذين "عاشوا مع أحلامهم: لوقت كاف؛ وجود أحلام تنبؤية فعلاً، وهذه الأحلام واردة، من ناحية أخرى، في جميع مفاتيح الأحلام. كانت هذه القدرة للحلم على الاستباق، الأولى بين صفات الحلم التي اكتشفت في القديم، وكان القدماء يعلقون عليها أهمية كبرى. لقد كان الحلم التنبؤي يقوم في أساس الكثير من الكهانات وكان يعلب دوراً رئيسياً في طقوس العديد من الديانات.
تستطيع الأحلام التكهن بالحوادث القادمة، ذلك أن لا شيء يحدث مصادفة في الحياة، بل على العكس: تتم الأحداث في نفسنا أو في النفس الجمعية التي نشترك بها، قبل أن تأخذ شكلها في الحياة الواقعية. إن حالتنا الخافية الخاصة تجتذب الأشخاص والحوادث. يمكننا إذاً تجنب بعض المواقف أو اجتذاب أخرى بأن نغير نحن أنفسنا بأنفسنا.
تجري الأمور عادة على النحو التالي: نرى حلماً يمثل لنا مدى خطورة سلوكنا الذي نبقى رغم ذلك متمسكين به بعناد. ثم يتكرر الحلم، متناولاً الموضوع نفسه مع تنويع الصور. مشدداً على الخطر ومركزاً معنى الرموز. وفي كثير من الأحيان، تتعلق الأحلام بحل نزاع كامن يجهله الحالم وإليه يرجع المغزى المختبئ.
لا يدرك الحالم في أغلب الأحيان مغزى حلمه، أو لا يرغب في إدراكه وفي أحيان أخرى يقبل الرسالة، بينما تنقصه الشجاعة والقوة الأخلاقية لتغيير نفسه وبالتالي تغيير الشروط الخارجية وتأخذ الأحداث عندئذ منحى خطيراً، فينعدم انتظام التوازن الحيوي للحالم لدرجة تجعله مريضاً، بل وحتى، لدرجة تقوده لحتفه (راجع تفسير أرتيميدرس لحلم تاجر العطور في الفصل الثالث).
تقدم لنا اسطورة إيزيس وأوزيريس وضعية مناظرة، بيد أن الإلهة هنا، تسلك سلوك مطلعة initie. فأثناء بحثها عن جسد إله الشمس أوزيريس، ترى في حالة يأسها رؤيا ثلاثية: كانت تُقاد من قبل أطفال فرحين (قوة الشباب)، توجهها كلاب (غريزتها)، ملبية نداء ضميرها الخاص (صوتها الداخلي). وبإصغائها لأصوات خافيتها، وجدت الإلهة حبيبها: الشمس أو النور.
يروي يونغ حالات كان مرضاه فيها يتنبهون عن طريق أحلامهم للحوادث التي كانت تقع حقيقة. حلمت واحدة منهم في مناسبات عديدة أنها كانت عاهرة. لقد كانت هذه الأحلام تعكس الجانب المكبوت في نفسها عن طريق صور أكثر فأكثر وضوحاً. وفي آخر الأمر حلمت بمسلح كان يهم بقتلها في مكان مظلم ومنعزل.
لقد حذرها يونغ من خطر محتمل ونصحها بعد التنزه وحيدة، وإذ لم تأخذ الأمر على محمل الجد فقد هوجمت بالفعل في إحدى الغابات وجرحت جرحاً خطيراً.
في كثير من الحالات تخبرنا الأحلام عن أحداث لا تتحقق إلا بعد سنوات. وتكون بنية هذه الأحلام مسرحية غالباً ويمكن لحلم واحد أن يمثل بشكل رمزي حياة كاملة.
يبدو الزمان والمكان غير موجودين في الحلم. ففي داخلنا إذاً، شيء ما، متحرر من هذه الحدود الطبيعية.
ما الذي يميز، من حيث المبدأ، تفسير الأحلام قديماً عن الفهم الحديث لها?.
كان المتنبؤون القدماء- بحسب معرفتهم النفسية والفلسفية والصورة التي كانوا يرسمونها لأنفسهم عن الحياة- يعتبرون الحلم شيئاً خارجياً، كرسالة الآلهة. لقد كان الحلم يأتي من الخارج ويفعل في الحياة الخارجية. إنه يستق حدثاً معيناً. وكان الإنسان المتأثر بحلم يحتاز نفس الإحساس السلبي الذي يأخذه تجاه ما تفرضه الآلهة. وكانت الأحلام التي تتحقق في الحياة الجارية تعتبر حلاماً صادقة.
ينعكس الأمر من نفوسنا، إنه نحن أنفسنا، مادتنا النفسية الخاصة وحقيقتنا الداخلية غير المتغيرة.
إن مفاتيح الأحلام الشعبية المنحدرة عن الكتب القديمة، إنما بشكل مشوه، تتفق مع الرمزية القديمة، على نظرة نفسية باتت تجاوزة منذ زمن طويل. وفي حين تتطور، متسعة، واعية البشرية، مشاهدة "نجوم القدر" في داخلنا الخاص، يتحرك مؤلفو مفاتيح الأحلام باعتبارات صبيانية تتحول إلى خرافات، أكيدة عند العامة.
يريد أصحاب كتب مفاتيح الأحلام أن يكونوا بارعين وأن يكونوا دائماً على حق؛ فيذهب أحدهم إلى درجة التأكيد بأن الحلم يتحقق في 3562
حديث الأحلام - رمزية الحلم
ترجمة أديب الخوري
آراء الفلاسفة وعلماء النفس في الأحلام
اجتذبت الأحلام انتباه الفلاسفة وعلماء النفس حينما أنشأ علم النفس ليكون علماً قائماً بذاته. والموضوعات التي شغل المفكرون أنفسهم بها كان عددها في الغالب أربعة:
1- المادة التي تصنع منها الأحلام
2- الصور التي تنتحلها أو تتظاهر بها الأحلام
3- أسبابها " الفعالة" أو المثيرة
4- وظيفتها السيكولوجية أو البيولوجية
وهذا المظهر الرابع من نظرية الأحلام، يصبح بارزاً فقط في النظريات المستحدثة والمعاصرة.
أما فيما يختص " بمادة" الأحلام فقد اتفق على أنها مؤلفة من " صور ذهنية" يغلب عليها العنصر البصري.
ولكن هناك اتجاهاً قوياً وثابتاً نحو الاعتقاد بأن لكل حلم نواة حسية " Sensory Nucleus"، وإحساسا مطابقاً للواقع ناشئاً عن تنبيه أعضاء الحالم الحسية.
أما مشكلة " الصورة" التي بحثت كثيراً فإنما هي دون شك مشكلة انعدام الشكل وعدم الانتظام الظاهر في الحلم، والتفاهة الظاهرة، والتنافر.
ومن قبل فرويد، لم يحاول أحد أن يهتم بجد بتوضيح الفكرة التي تقول بأن للحلم صورة في الحاسة التي نتكلم فيها عن الصورة أو البناء لتمثيلية أو رواية. ومن قبل فرويد لم يحاول أحد أن يصف الميكانيزم الذي من خلاله تتكون الصورة في هذه الحاسة.
وأقدم المحاولات لتقديم تفسير سببي عن الحلم كانت في حدود أثر تنبيه المصادفة لأعضاء الحس وعملية شبه المصادفة "لقوانين التداعى"، وآخر محاولة لتفسير وظيفي للحلم كانت تقول بأن الحالم يحاول في حلمه أن يؤول أو أن يخلق حاسة من الإحساسات المجربّة بغير وضوح، وإنه ليفعل هذا بتكملة الإحساسات بوساطة التداعى، تماماً كما نفعل في تفسيرات حياة اليقظة. ولقد سبق أن أشرنا إلى أثر المنبه الحسى على الأحلام، فالإنسان النائم - إذا وضعت عند قدميه زجاجة ماء ساخن قد يحلم بأنه يتسلق جبلا حاميا أو أنه يسير على لظى.
في كل هذه النظريات الحديثة نجد إخفاقاً ذريعاً واحداً على الأكثر لتحديد أي أثر للدوافع خلافاً للرغبة الذهنية الصافية لاستخراج بعض أنواع من الحاسة من المنبهات عديمة المعنى.
لقد كانت نظرية فرويد ثورية باعتباره الدوافع أكثر قوة، والمعاني أكثر أهمية، وبإعلانه أن للحلم وظيفة أو هدفاً.
والانتقال من تعليل ارتباطي ميكانيكي إلى تعليل وظيفي للأحلام لم يكن، بأي حال، وعرا تماما. ويمكن أن يوجد طور انتقالي في مذاهب العالم النفساني الألماني هربرت " Herbart" والصورة المميزة لسيكولوجية هربرت العامة هي استيعاب الفكرات "كقوى"-فمذهبه يقول إن كل فكرة تكد بهمة ونشاط لتستفيد من الدخول إلى الشعور، وإن الحياة العقلية معركة مستمرة مع الفكرات، كل منها تكافح من أجل أنوار الانتباه الشعوري عند الإنسان. وهذا يؤدي إلى معنى عام للكبت، لن الفكرات التي تخسر المعركة تطرد إلى ظلام اللاشعور، حيث يمكنها أن تظل مستمرة في تنظيم نفسها كنوع من أنواع الحركة السفلية، مستعدة للهجوم التالي على العقل الشعوري.
لقد كان نفوذ هربرت قويا جداً في نهاية القرن التاسع عشر. وكانت نظراته منتشرة وكثيرة الذيوع، ولا يمكن أن يكون هناك أي شك في أن فرويد تأثر بها، كما تأثر بها الفيلسوف الفرنسي هنرى برجسون الذي كانت نظريته عن الأحلام أكثر النظريات التي سبقت نظريات فرويد نظاما وأكثرها ملاءمة.
ولقد كان برجسون أحد الذين اعتقدوا بأن لكل حلم بعض الإحساس الفعلي كنواته وكإثارته. ولكن هذا الإحساس النووي غامض وتافه ومشوش. ومثل هذه التأثيرات تؤلف المادة الحام للحلم، ولكنها لا يمكنها أن توجدها بمفردها. فهناك شيء آخر يحتاج إليه لتحديد الصورة النوعية للحلم. وهذا الشيء الآخر هو الذاكرة فحسب.
وكان يرجسون أيضا أحد الذين اعتقدوا بأن كل ذاكرة لا تفنى ولا يصيبها عطب، ذلك أن حياة الانسان الماضية كلها محفوظة في ذاكرته، حتى التفصيلات الدقيقة التي لا يؤبه لها ولا يعتد بها. وأهم من هذا بكثير أن هذه الذاكرات- كما يصرح مذهب هربرت - هي في حد ذاتها قوى ديناميكية. كل مها تكافح لاستعادة ضوء التذكر الشعوري. وفي خلال حياة اليقظة تكبت بواسطة بواعث اليقظة، ولكن النوم حالة جوهرية من حالات النزاهة. فالنوم إذن يفتح الباب المسحور في أرضية الشعور، فتنهض الذكريات من القرار لتقوم "في ليل اللاشعور برقصة الموت الكبرى". ومع أن جميع الذكريات تصرخ للتسليم، فإنه لا يمر منها إلا القليل فقط، أي تلك التي تكون أكثر استعداداً للاتحاد مع بعض إحساس حالي.
وحين يتم الاتحاد بين هذا الإحساس الحالي وبين معظم الذكريات المناسبة يحدث الحلم.
إن إمعان النظر وإعمال الفكر في تلك النظريات المألوفة والفلسفية عن الأحلام، ستجيز لنا على ما أظن أن نستنتج وجود حقيقة تستحق الاهتمام، ولو أنه ليس منها - كما رأينا - ما يوافق أن يكون تعليلا تاما، وينطبق هذا أيضاً على معظم النظريات العلمية للمدارس المعترف بها.
بعد نشر مؤسس التحليل النفسي، سيغموند فرويد (1876 ? 1939) أستاذ الطب في فيينا، لكتابه عن تحليل الحلم، عام 1899، ذلك الكتاب الذي أسبغ المكانة على علم تفسير كان منبوذاً إلى حد بعيد في السابق، بعد نشر هذا الكتاب شهدنا ظهور العديد من المنشورات التي تعالج، بدرجات متفاوتة، تحليل الأحلام والسيرورات الفيزيولوجية المرافقة لها. ومن المؤكد أن دراسات أحادية عديدة قد جمعت وفسرت رموزاً متنوعة ولكنه لم يتوفر لنا، حتى اليوم، معجم كامل، من الألف إلى الياء، لرموز الحلم. والمعجم الحالي هو نتيجة فعاليات عملية امتدت سنوات عديدة، وكذلك نتيجة فحص نقدي لأهم المؤلفات حول هذا الموضوع.
أبدأ هذه الدراسة ببعض الملاحظات النظرية التي من شأنها تسهيل الدخول إلى عالم الحلم، إلى لغة الحلم، وإفهام تفسير رموزه بصورة أفضل. "الحلم"، بالمعنى الأول للمصطلح، صورة خداعة. إلا أنه يجب أن نلاحظ، منذ البداية، أن ليس كل حلم أكذوبة حتماً. فالحلم سيرورة فيزيولوجية تجري خلال نصف النوم ويمكن أن تكون لها صفة واقعية أو أن تكون مدموغة بوهمي غير عادي. وعندما نعاني كوابيس، فغالباً ما تعذبنا رؤى مرعبة يمكنها، أيضاً، حتى أن تشغل شعورنا بعد يقظتنا.
والأحلام على صلة وثيقة بأفعال الإنسان وأفكاره. وقد انتبهت الشعوب التي كانت تعيش في حالة الطبيعة إلى ذلك. ومن أجل هذا كانت تنسب إلى الحلم مزايا رؤيا ثانية ونبوءة. ومنذ وجد الفن، كان الأدب والموسيقى والفنون التشكيلية، بدورها، وسائل تعبير عن الرؤى الحلمية التي يفكر فيها الفنان. وليس مدهشاً أن يكون تفسير الأحلام قد بدأ مبكراً جداً. فتصورات أقدم العصور حول موضوع السحر والدين وعلم النفس في هذه التفسيرات. و "مفاتيح الأحلام"، في العصور القديمة تشكل بالنسبة إلينا، اليوم، مصادر ثمينة لتاريخ الفكر الإنساني.
وقد تابع تفسير الأحلام الذي كان، فعلاً، فناً ناجزاً لدى شعوب العصور القديمة الكلاسيكية ضروب تقدمه حتى العصور الحديثة. فقد ألقى قرن الأنوار بتفسير الأحلام في ميدان الخرافة، وكان ينبغي انتظار فرويد لإخراجه منه. وقد أعطاه فرويد أساساً علمياً ورد له مكانته السابقة. فقد عرف، وهو الطبيب، أن يتبين أن للأحلام معنى هاماً بالنسبة للحياة وأنها تعكس باطن الإنسان وتسمح باستنتاجات حول حالته النفسية والجسدية. وشقت نظرياته المدعومة علمياً دروباً جديدة للبحث السيكولوجي انطلاقاً من ظواهر الحلم وتفسيره. وقد جرت محاولة لتفسير الحلم بإثارات سيكولوجية داخلية، برواسب تصورات وذكريات تنتمي إلى واقع الشعور اليومي. وتصور الباحثون أن محتوى الحلم مقدم من جانب رغبات مكبوتة تتجلى، لاحقاً، في الحلم على صورة رموز. واستخدمت دراسات مضبوطة لأطباء وعلماء نفس حول أشكال لتجليات اللاشعور وأقيمت علاقة بين لغة الحلم الرمزية والرمزية العامة التي تظهر في الحياة النفسية والفن وديانة الشعوب.
وتوجد، إلى جانب اللغات العديدة الخاصة بمختلف الشعوب، لغة فريدة، عمومية، هي لغة الحلم. فأحلام البدائيين وأحلام الشعوب التي أنتجت الحضارات الكبرى للعصور القديمة، أحلام المصريين والإغريق والرومان، هي، نفسها، أحلام معاصرينا في طوكيو وموسكو، في لندن أو نيويورك، في الكاب أو هامبورغ. فلغة الحلم ظلت ثابتة عبر القرون ألوف السنين.
وتتشكل لغة الحلم الرمزية من علاقات وأرقام يجب تفسيرها لفهم معناها ومرماها. والوقائع الشعورية تتبدى، في الحلم، على صورة رؤى. والشخص الذي يحلم يحس بهذه الأشياء ويدركها. وهكذا يتعلم حول نفسه وحول الآخرين أكثر مما يتعلمه في حالة اليقظة. ويمكن مقارنة الشخص الذي يحلم بالشاعر لأنه يكتشف، كهذا الأخير، لغة أسمى تتيح له التعبير عما يحس وعن حالاته النفسية. فالشخص الذي ينام مبدع حين يحلم، وخياله الخلاق غالباً ما يتجاوز القدرات التي يتمتع بها في اليقظة.
ولكن معظم الأحلام لا يدع نفسه يندمج في شعورنا عندما لا نكون نائمين.. ومن أجل ذلك ننساها أو، بعبارة أصح، نحاول كبتها. فالحلم يقدم لنا معلومة لا نريد أو لا نستطيع على العموم فهمها. ويقول التلمود: "الحلم غير المفهوم يشبه رسالة غير مفهومة". ولكون لغة الحلم ورمزيته قد ظلتا ثابتتين لدى كل الشعوب فإننا نجد أنفسنا أمام لغة عمومية يمكن حل ألغازها، وقد حلت فعلاً، من جانب تفسير الأحلام.
إن حالة اليقظة هي عكس حالة النوم، فالشخص، في حالة اليقظة، هو الإنسان الذي يعمل ويعالج الشؤون ويدافع عن نفسه ويجب أن يناضل كي يبقى على قيد الحياة ويجد نفسه يواجه الضغوط السياسية، والاجتماعية. ويخيل إلى هذا الشخص أنه يجب عليه أن يتصرف، بصورة معقولة، معقولية تصرف الآخرين، بالصورة المتوقعة منه. وهو يحس بنفسه سعيداً أو حزيناً لأنه يعتقد أنه سعيد أو حزين.. وهو لا يفكر بطريقة عبثية كما يستطيع في الحلم لأنه لا مكان إلا لما هو صريح. ولهذا السبب يتعرض الإنسان، في حالة اليقظة، للخطأ. وبالمقابل، فإنه يعيش في الحلم ما لا يستطيع فعله أو، بالأحرى، ما يبدو له أنه لا يستطيع فعله في حالة اليقظة.
عندما ننام نتحرر من كل الضغوط الخارجية. فلسنا في حاجة إلى أن نتكيف ولا إلى أن ندافع عن أنفسنا. فالفكر والعاطفة يبلغان، خلال النوم، حالة ذاتية قصوى لأن الشخص الذي يحلم لا يعرف غائية ولأن ما تحت الشعور يطفو، والإنسان يعود، عندما يحلم إلى حالة الطبيعة ويرتد إلى أصوله.
ولكن الأحلام ليست لطيفة كلها. فلا تجلب، كلها، لذة ولا تحمل، كلها، حلاً للمسائل التي تطرحها. فيمكن للأحلام أن تكون غير مريحة بقدر الحقيقة. وكثير من الأحلام يخفي رغبات غير مشبعة. وهي تنزع إلى إشباع هذه الرغبات. وغالباً ما تتكشف الذاكرة عن كونها قادرة على ادعاءات مدهشة في مثل هذه الحالة.
وغالباً ما تبدو لنا الأحلام غير مرتبة، ولكن ذلك يكون لأننا غير قادرين على وضع نظام استدلال لنوجه أنفسنا ونفهم. أننا لا نريد أن نقبل ولا أن نفهم أن الواقع الذي يحيط بنا في حالة اليقظة يمكن أن يخدعنا لأننا نعتبره أكثر حقيقة من حقيقة الحلم الخالية من التزويق. وهذا مدلول ذو أهمية رئيسية، دون شك، لأنه يجعل كل معاييرنا البالغة الرسوخ، ظاهراً، تهتز. فأفلاطون، الفيلسوف الإغريقي الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، قال حقاً: "الرجل الفاضل يحلم بما يفعله الشرير".
إن هناك، كما سنرى، أحلاماً قصيرة وأخرى أطول. فيمكن لحلم يقابل شيئاً ما معاشاً أن يغطي بضع دقائق. أن توالياً سريعاً لصور تشكل استجابة لاضطراب قادم من الخارج، رداً على ضجة، على الشعور بأن الغطاء ينزلق، وكذلك رداً على ضربات تقرع الباب أو النافذة، هذا التوالي هو مسألة بضع ثوان لأن الصور المسقطة متوفرة في دماغنا. أن الدماغ يعرف سلفاً كيف يمكن ويجب أن يستجيب لهذه الإثارة أو تلك بموجب الحالة التي يوجد فيها، الشخص النائم. ومن جهة أرى، فنحن نرى أيضاً في فيلم سينمائي، فعلاً يجري في ثلاثين أو أربعين دقيقة، في حين أنه يمتد، في الحقيقة، على مدة أطول بكثير.
وعلى عكس الأحلام السطحية، يمكن للأحلام العميقة، الأحلام المعتبرة هامة، أن تكون مدتها أطول نسبياً. فهي معاشة فعلياً من جانب الشخص.. والزمان والمكان لا يلعبان، فيها، أي دور، كما لا تلعب أي دور الجاذبية أو البنية الذرية للمادة. فالإنسان قادر، في الحلم، على التحرر من كل القوانين التي تحكم الواقع وعلى تجاوز كل العقبات التي لا يستطيع التغلب عليها في حالة اليقظة.
وأبسط الإثارات التي تهاجمنا أثناء النوم هي تلك التي تتوجه إلى حواسنا الخمس: البصر، السمع، اللمس، الشم والذوق.
ولا يمكن، أبداً، الحديث عن حلم عميق ومعاش من جانب الشخص الذي يحلم إذا كان سيوقظ بتأثير الضربات على الباب ولكنه لا يريد أن يوقظ لأنه يرى، في الحلم، ألعاباً نارية ويستمتع بفرقعات الصواريخ ذات الألف لون. وإذا توقف قرع الباب، وإذا كفت الألعاب النارية لتغطية النداء القائل: "اخرج الآن، من أحلامك وانهض!"، فإن كل شيء يكون على ما يرام. ولا شيء على ما يرام، بصورة طبيعية لأن الحالم يبقى في الفراش ويدع الساعة تنقضي ولكن الحلم أدى، مع ذلك، دوره وصان النوم دون أن يدور الأمر حول تجربة معاشة بعمق. وإذا أُدركت القرعات على الباب كفرقعات، في هذا المثال، فإن نور الصباح يستطيع، وهو يدخل من خلال النافذة، أن يثير صورة ألعاب نارية جميلة. فالضوء بين أجفان الشخص النائم أثر على الشبكية، ودماغنا يمارس تأثيراً على المركز الذي يضبط النوم، بالطريقة نفسها التي حدثت في حالة السمع عندما تنقل إليه الحواس الأخرى إثارة.
وهكذا فإن الشم يثير، تحت تأثير إحساس محبب، لدى النائم، أحلاماً يرى، فيها، باقات زهور رائعة. فيكفي، مثلاً، بكل بساطة، اللجوء إلى عطر يقرب من أنف الشخص النائم للتسبب في هذه الاستجابة. وعلى العكس من ذلك، فإن روائح كريهة تستطيع أن تثير استجابات لشمنا تترجم إلى أحلام عنيفة. إلا أن هذه الأخيرة تستجر يقظة الشخص أسرع مما تستجرها الأحلام اللطيفة.
إن قدماً مكشوفة ومعرضة للبرد تنقل النائم إلى مشهد شتوي، ترغمه، في الحلم، على اجتياز حقل ثلج عاري القدمين. ويمكن أن يحس بالغطاء الذي ينزلق كانهيار أو انزلاق للأرض. والذراع الملقاة خارج السرير يجري الإحساس بها سقوطاً للجسم بكامله. والمعدة الممتلئة أكثر مما ينبغي تسبب كوابيس.
وكان أطباء العصور القديمة الإغريق قد عرفوا أنه يمكن تمييز أولى أعراض مرض جسدي ما في أحلام المريض قبل ظهور معايير التشخيص الخارجية. ومن سبق له أن كان مريضاً مرضاً خطيراً وتخبط في هجمة حمى ورأى أحلاماً مرعبة يعرف أن الرؤى التي تحدثها أحلام عضوية مريضة مختلفة، فعلاً، عن أحلام عضوية سليمة. وتفسر هذه الظاهرة بالتغيرات التي تحدث في الحرارة وتركيب الدم. والرؤى الموجعة للأحلام المحمومة هي البرهان على سيرورة تحدث في عضوية فقدت توازنها: على ضغط شرياني غير سوي وعلى حرارة أعلى أو أدنى مما ينبغي. ومن البديهي أن هذه العوامل تمارس تأثيراً على الدماغ وعلى فعاليات الأنا العميقة خلال النوم.
وقد نجح أطباء، وأطباء الأعصاب خاصة، تدريجياً خلال عقود، في وضع قائمة بما يسمى رموز الحلم، وهي رموز تأكدت باستمرار ويمكن أن تستخلص منها نتائج محددة جيداً بثقة وتأكيد. وهذه الرموز واردة، هي الأخرى في المعجم.
إن قليلاً من الأحلام الكثيرة يستحق فحصاً متعمقاً لأنه ليس لجميعها، كما سبق وبينا، دلالة أعمق. وما تحت الشعور هو الموضع الذي يجب أن نبحث فيه عن سبب الأحلام التي لم تثرها إثارات خارجية ولا إثارات داخلية. وإذا مضينا، في مثل هذه الحالة، إلى عمق الأشياء، فإننا نتبيّن أن الأمر يدور، فعلاً، حول فعالية تعويضية للحياة العاطفية. فالإنسان يحاول التوجه في فوضى رؤاه. إلا إنه غالباً ما يتفق له أن يضيع بانتظاره من الحلم أكثر مما يستطيع هذا الأخير أن يعطيه. وفضلاً عن ذلك، فهو يجهل "المعلومات" الهامة ويكبت ما يطفو على السطح من اللاشعور قائلاً ما ليس هو الحقيقة. ومن أجل ذلك يجب على معجم الأحلام هذا أن يسمح، أيضاً، بإجراء تمييز بين الأحلام الهامة والأحلام التي ليست هي كذلك.
وهناك ظاهرة غريبة تحتل مكانة خاصة في علم الأحلام هي: الحلم التنبؤي الذي يرى النائم، خلاله، أشياء تحدث فعلاً فيما بعد أو تحدث في اللحظة نفسها التي يحلم الشخص بها. وهذا، دون أدنى شك، مجال هام، على الرغم من كونه هامشياً، للبحث العلمي يهتم به علم الظواهر الخارقة (الباراسيكولوجيا) اليوم. إن عدداً معيناً من أحلام الرؤية الثانية هذه قد فحصت. وأمكن، في بعض الحالات، إثبات كونها حقيقية وصحيحة.
وقد تبين للبحث العلمي، فضلاً عن ذلك، أنه يمكن لرضات (صدمات نفسية)، تعود إلى الطفولة الأولى أن تتجلى، فيما بعد، في أحلام الراشدين، أي أن تطفو مما تحت الشعور دون أن يكون الحالم قادراً على تذكر الصدمة التي سبق أن استشعرها على مستوى الشعور الواضح. إن مثل هذه الرضة يمكن أن تنجم عن اضطراب في التوازن النفسي سببته، لدى الرضيع أو الطفل الصغير، عوامل خارجية أو عاطفة نفور. وإذا لم يستبعد هذا الاضطراب في وقت مبكر، فقد تنجم عنه عاهات مستديمة. ويمكن للخوف والقلق والرفض الغريزي أن تسبب عُصابات هي كوارث بالنسبة لحياة الشخص.
وقد أمكن للممارسة العلاجية النفسية أن تقدم البرهان على كون أصل بعض كوابيس الراشدين رضة تعود إلى الولادة و "تنام" تحت الشعور. وهذا النوع من العُصابات الفطرية شائع نسبياً، وأمكن، في بعض الحالات، تفسير كوابيس مصحوبة بشعور بالاختناق أو برُهاب الخلاء (خوف مرضي من الفضاء) بولادات عسيرة. ولكن ما يسمى بالأحلام الصغيرة التي يبقى الطفل تحت تأثيرها خلال بعض الوقت يمكن أن يؤثر، فيما بعد، في أحلام الراشدين. فقد روت طالبة في الثانية والعشرين من عمرها، مثلاً، حلماً لم تكن تتوصل إلى تفسيره. فقد كان شيء يتحرك بحركة دورانية راسماً دوائر متزايدة الصغر يتزايد اقتراباً منها ويقع، في نهاية الأمر، فوقها محدثاً ضجة كبيرة. وكانت تخاف من ذلك خوفاً شديداً. وبينت الأسئلة المطروحة على الأبوين أن أباها كان قد رسم بيده، ولم يكن عمرها يتجاوز بضعة أيام، دوائر متزايدة الصغر أمام وجهها ليجتذب انتباهها إليه. وفي النهاية، ومع نوع من الصفير، دغدغ الطفلة تحت ذقنها. وفي كل مرة، كانت الطفلة ترتعد خوفاً. وبطبيعة الحال، لم تكن الطالبة قد احتفظت بذكرى ذلك. فقد نسيت هذه الرضة العائدة إلى أبكر مراحل عمرها، ولكن الرضة شقت لها، من أعماق ما تحت الشعور، درباً حتى أحلامها الراشدة.
إن شعور رضيع ما، خلال أسابيع حياته الأولى، بأنه في حالة ألم شديد إضافة إلى ذكرى الرضات التي سببها له نقص في عناية الأم وحرارتها، وهي ذكرى تعود باستمرار، هي أصل نزوع لاحق إلى الارتعاد والخوف من الظلمة، وكذلك الانطباع الحاصل بعدم القدرة على رفع الرأس. إن إحساسات القلق هذه تتجلى بحدة دائمة منذ أن تتدخل الظلمة والتعب وضبط شعوري أقل صرامة أثناء الليل.
وقد أثبتت أبحاث حديثة أن الأطفال يحلمون بصورة مختلفة عن الراشدين وأن الأطفال يحلمون حتى قبل ولادتهم، ويُعتقد، عامة، أن الطفل يحلم، قبل ولادته، حلم أمه نفسه أو حلماً مماثلاً. ويستدل على الموازاة بتماثل الحركات اللاإرادية للعيون- التي سأعود إليها، فيما بعد، بمزيد من التفصيل- وبإيقاع القلب الذي يستجيب، لدى الطفل الذي لم يولد بعد، للأحلام بالقوة نفسها التي يستجيب بها قلب الأم التي تعاني كابوساً مثلاً. ويبدو أن الغدة الصعترية، وهي غدة تقع أمام أنبوب التنفس وتضمر لدى الراشدين، تمارس تأثيراً محدداً على أحلام الطفل النوعية.
ويمكن أن نلحظ، لدى الرضيع النائم، استجابات جلية جداً كابتسامات أو أنات فجائية تنتهي، في معظم الوقت، بيقظة، ويحلم الأطفال أكثر من الراشدين وبصورة أكثر حدة منهم، ويحلم المولودون حديثاً أكثر من صغار الأطفال. ففي حين يمكن للرضّع، بعد ولادتهم بقليل، أن يبقوا مدة قد تصل إلى تسع ساعات في نوم تتخلله أحلام، فإن الراشدين لا يحلمون إلا خلال ساعة واحدة من أربع وعشرين ساعة. وبما أن الرضيع لم "يعش الحياة" بعد، فإن أحلامه ورؤاه يجب، بالضرورة، أن تكون مختلفة عن أحلام الطفل المتوسط العمر، وعن أحلام الراشد من باب أولى. ويمكن إثبات كون الرضيع يحلم بطرائق علمية تلجأ إليها تقنيات مناسبة. ويتغذى حلم الطفل في السن المبكرة، وعلى حد قول بعض الباحثين المعروفين، من ذكريات تعود إلى فترات سابقة من التطور الذي نجمت عنه الإنسانية.
وربما كان ينبغي أن نرى هنا مفتاح ظاهرة التقمص. فكيف يمكن، بغير ذلك، تفسير ادعاء أطفال بأنهم عاشوا من قبل? لقد حدث، في عدد خارق للعادة من المرات، أن أشخاصاً وصلوا، صدفة، إلى مكان لم يكونوا يعرفونه وتأكد لديهم الاعتقاد بأنهم كانوا فيه سابقاً. وقد "تذكروا" تفاصيل لم تكن قد لفتت نظرهم لدى وصولهم ووجدوها بعد بحث طويل وجاد فقط. والأمر هو نفسه بالنسبة لبعض الأشياء وبعض الأحداث التي يؤكد الأشخاص كونهم قد امتلكوها أو عاشوها. وقد نشر البروفسوريان ستفنسون، وهو باحث أمريكي، منذ فترة قصيرة جداً، النتائج المثيرة لأعماله. وكان قد جمع ما مجموعه ستمائة تقرير تقمُّص وردت من العالم أجمع، لاسيما من سيلان والبرازيل ولبنان، وحتى من ألاسكا. ويتبين لنا، فيها، أن أحلام التقمص لا تحدث إلا لدى الأطفال حتى عمر التاسعة كحد أعلى.
ويستخدم عالم الظواهر الخارقة (الباراسيكولوجيا) الأمريكي جيرالد غلاسكين، بنجاح، منهجاً وضعه، هو نفسه، لاستثارة أحلام يمكن تفسيرها كذكريات من حياة أخرى. وجاكلين باركهورست، وهي عالمة (باراسيكولوجيا) إنكليزية تعيش في استراليا، أول من خطر له فكرة استثارة أحلام، ذكريات،. والطريقة بسيطة: فهي تقوم على تدليك الشخص من قبل مساعدين لها وإجراء تمارين روحية في الوقت نفسه. وعندما قرأ غلاسكين الوصف الذي كتبته السيدة باركهورست، ظل، في البداية، متشككاً. ولكنه عندما أجرى تجربة على نفسه وجد نفسه، كما يقول، في حضارة من مصر القديمة كانت مجهولة، بالنسبة إليه، حتى ذلك الوقت.
وفيما بعد، ولدى تصفحه كتابا حول العمارة في مصر القديمة، اكتشف رسوماً تقابل تلك التي خُيّل إليه أنه رآها عندما كان في "الحالة الشعورية الموسعة".
وقد قال غلاسكين في تعليقه على تقنية السيدة باركهورست أنه "حلم شعورياً".
فقد كان الحلم يجري على صورة فيلم. إلا أن غلاسكين كان من يعرض الفيلم ومن يراه. والنتيجة هي رؤية بثلاثة أبعاد يلعب المرء، فيها، هو نفسه، الدور الرئيسي.
يجب على الشخص، بموجب الطريقة التي تصورتها السيدة باركهورست، أن يستلقي على ظهره وتحت رأسه وسادة وأن يكون قد خلع حذائيه. ويقوم مساعد بتدليك عرقوبي الشخص ويدلك مساعد آخر، بقوة، "منطقة العين الثالثة" في وسط الجبين. ويجري التدليك بحافة اليد نصف المغلقة "على أن يحدث طنين حقيقي في الرأس". وبعد برهة من الاسترخاء، تبدأ التمارين الروحية. وهدفها جعل الشعور يتجاوز حدوده السوية.
أبدى أطباء مختصون تحفظات ونصحوا بعدم أخذ مفحوصين من بين الأشخاص العصبيين أو غير المستقرين. وإذا بلغت التدليكات والتمارين أكثر مما ينبغي لها، فهم يقدرون أنه يجب عدم الاستمرار في التجربة.
وغالباً ما يحلم صغار الأطفال بحدة أكثر من الراشدين وأحلامهم، في مثل هذه الحالة، لا تكشف عن صراعات في النفس الطفلية فقط، بل غالباً ما تشكل، أيضاً، علامات نفسية (سيكولوجية) هامة. وقد وضع البحث الحديث في ميدان الحلم طرائق تبين أن للأطفال، حتى الصغار جداً منهم، وكذلك للحيوانات، أحلاماًُ منطقية تجعلهم يعيرون كل قمم الفرح وكل أعماق القلق. ولا تكف رؤى الحلم، كما سبقت لنا الإشارة، عن التكرار. فالصور نفسها، منذ أجيال عديدة لا تحصى، هي التي نراها أو نحلم بها دائماً. وحتى إذا لم نقص لأطفال، قط، قصصاً تظهر، فيها، تنينات ومسوخ أو مشاهد مما قبل التاريخ، فإن من الممكن أن يحلموا بها. وفي معظم الحالات، لا تعود هذه الأحلام تحدث في عمر متقدم.
وغالباً ما تهاجم أو تطارد حيوانات متوحشة صغار الأطفال، بين عمري الثالثة والخامسة؛ وغالباً جداً أن تهاجمهم أو تطاردهم أُسود ونمور وتنينات وتماسيح، وكلاب، أيضاً، بصورة شائعة. والأطفال يخافون من أن يُهاجموا أو يُجرحوا. وغالباً ما يكون الحيوان مجرد رمز لشيء كبير وقوي- رمز مربٍ صاخبٍ وقاسٍ يخاف منه الطفل عامة. وقد تكون لهذه الحيوانات صفات ذكور وإناث- العناكب والبقر تنتمي إلى الفئة الثانية وتنتمي الساحرات، بالتعريف، إلى الجنس المؤنث. وإذا أجرينا هذا التمييز، فإننا نستطيع أن نستنتج ما إذا كان الشخص الذي خافه الطفل رجلاً أم امرأة.
ويمر الطفل، في مجرى نموه، بسلسلة من الأطوار يكتسب، خلالها، استقلالاً متنامياً. فالطور الذي يكون الطفل، فيه، محتاجاً للحماية سرعان ما يدع مكانه لطور العناد الذي يسعى، فيه، الطفل سعياً متزايداً وراء إيجاد شخصيته الخاصة وتوكيدها. وإذا أعيق هذا المسعى للتحرر، فإنه تنجم عن ذلك، حتماً، أحلام قلق. وفي الحالة التي يُلجم، فيها، التطور، يبقى الطفل خوافاً وخجولاً. ويمكن لأحلام القلق لديه أن تسبب إصابة مزمنة تكون العصبية عَرَضها.
وعلاوة على ذلك، يتصف قلق الأطفال، بين عمري الخامسة والسابعة، بالخوف من كون شيء ما سيقطع. ومثل هذه الأحلام تترجم، في الحياة العملية، إلى رفض قص أظافر اليدين والقدمين والشعر. وهذا هو طور الجنسية اللاشعورية والذي يُطرح، فيه، السؤال عن الدور المحدد بالجنس. ويتجلى الخوف من الخصي لدى كل الصبيان الأسوياء الذين يحاولون، على هذا النحو، كبت ميولهم الشبقية تقريباً. ولكن للبنات من العمر نفسه، أيضاً، أحلاماً يخشين فيها قطع شيء ما.
وعلى هذا النحو كانت بنت صغيرة في السادسة من عمرها تحلم بملك قصت ساحرة لحيته. وهنا كان الملك يستحيل إلى حذاء. واللحية والحذاء، في أحلام الأطفال، رمزان للانتماء إلى هذا الجنس أو الآخر. وقد سبق لسيغموند فرويد أن أشار إلى ذلك.
وغالباً ما يطرح التحكم في القوى الحركية، في أحلام القلق لدى الأطفال بين السابعة والعاشرة من العمر، مسألة لا يمكن التغلب عليها. وتنجم عن ذلك أحلام يتحرك، فيها، الطفل، بكل سرعة، نحو هوة وهو على زحافة أو دراجة أو في سيارة فقدت مقودها. وفيما بعد، تحدث أحلام الطيران والسقوط النموذجية التي سأعود إليها.
وغالباً ما يكون للأطفال، بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة، أحلام متسلطة. ونعني بذلك أحلاماً تحدث وضعاً قسرياً لدى الشخص عند استيقاظه. فهو يتصرف، إذ ذاك، بصورة غير مألوفة أبداً، مختلفة عن تصرفه الطبيعي. وهو يخضع لضغط داخلي يأمره بتنفيذ هذا الفعل أو ذاك. وهناك، دائماً، علاقة بين هذا الفعل وذاك الذي دار الأمر حوله في الحلم. إن جسم النائم لا يشارك، في الحالة الطبيعية، في نشاط الحلم إلا مشاركة قليلة. فيمكن للطفل، كما للراشد، أن يركض ويصارع ويقاتل ويقفز في الحلم دون أن تشترك اشتراكاً فعالاً في الفعل الحلمي مناطق الدماغ التي تتحكم، في حالة اليقظة، بحركات الجسم. وما ينقص، بالتالي، هو تزاوج الرؤية مع المراكز التي تدير الحركة. فيمكن للشخص الذي يستيقظ عند نهاية حلم متسلط، أن يقفز، مثلاً، خارج أية سيطرة للعقل، من نافذة لكونه غير قادر، بعد، على التمييز بين الحلم والواقع.
وبالتالي فنحن نجري تمييزاً بين الأحلام المستثارة من جانب رغبات أو ملبية لهذه الأخيرة، من جهة، والأحلام المتسلطة أو الطاغية من جهة أخرى. ويمكن أن تُسبب، جميعها، من جانب إثارات حسية خارجية: شعور بالراحة أو بالتوعك الجسدي، كما من جانب أشياء معاشة، أثناء اليوم، ومكبوتة، أو من جانب صراعات كما من جانب رضات من الطفولة المبكرة تطفو من تحت الشعور إلى السطح وتعبر عن نفسها في لغة الحلم الرمزية.
ويمكن للأحلام أن تسبب قلقاً أو فرحاً أو راحة أو متعة بل ويمكن، أيضاً، أن تحمل ارتياحاً إلى النفس عندما يُعاش تهديد ما، مثلاً، في الحلم ويستخرج، بهذه الطريقة، من اللاشعور ويغدو غير فعال. ذلك أن صراعاً بين قوى متعارضة في نفس الإنسان (قال غوته: "لدي، للأسف، نفسان في صدري" يمكن أن يؤدي إلى كارثة إذا لم يتوصل المرء إلى السيطرة على هذه القوى. وكل ما كبت ولم يَعُدْ، بعد، للصعود إلى مستوى الشعور الواضح يستقر في اللاشعور. وإذا لم يتغلب المرء على هذا الشيء، ولم يتجاوزه حقاً، فإنه يسعى للصعود إلى السطح. وإذا لم تشبع رغبة ما في الحياة اليومية- لأنه لا يمكن إشباعها أو غير مسموح به بسبب المعايير المعمول بها، فإن النفس تساعد ذاتها بذاتها مناورة وتتوصل، على هذا النحو، إلى إشباع هذه الرغبة. وتجد النفس في النوم رؤى بديلة ولكنها سرعان ما تتبين أن هذه الأخيرة مجرد خديعة فتعود الصراعات نفسها إلى الظهور على صورة مشابهة.
إن ما يحل، في الحلم، محل الواقع غالباً ما يكون مُرمّزاً جداً خاصة عندما يدور الأمر حول أشياء نحرص حرصاً كبيراً على إخفائها ولا نجرؤ على الحديث عنها. فالحلم يبحث عن رؤى بديلة غالباً ما تكون مرمّزة إلى درجة لا يمكن، معها، التعرف عليها. فلا يمكن، للوهلة الأولى، تمييز العلاقة الموجودة بين الواقع، أو الصراعات النفسية للشخص الذي يحلم، والرموز والإسقاطات البديلة. إلا أنه من البديهي أن تفسيراً صحيحاً للرسالة المرمّزة التي تحتوي عليها رؤى الحلم يفتح الطريق لشفاء الشخص المريض نفسياً. وليس نادراً أن تُثار مسائل وتحل خلال سلسلة من الأحلام عندما لا يكفي حلم واحد لإعطاء هذه النتيجة.
وتنتمي الأحلام الجنسية، عامة، إلى مجموعات الأحلام التي تستثيرها الدورة الدموية وإثارات خارجية وداخلية. ولكن كثيراً من المحللين النفسيين يرفضون التسليم بذلك، "وفاء" منهم، دون شك، لسيغموند فرويد الذي استنتج المعارف الأساسية للتحليل النفسي من الحلم الجنسي وبصورة أعم، من المسألة الجنسية.
وينبغي أن نشير هنا إلى أن المرأة تحلم بصورة مختلفة تماماً عن الرجل. فلدى المرأة أحلام ترجع، غالباً، بفواصل زمنية منتظمة ولا تُلاحظ، قط، لدى الرجل باستثناء حالات يكون فيها للرجل حياة نفسية أنثوية وعذبة بصورة واضحة. وهكذا، مثلاً، فإن الأحلام بالألوان ظاهرة نلحظها، خاصة، لدى النساء,. ولهذه الواقعة أهميتها لأن الحياة الداخلية للمرأة أشد حدة من حياة الرجل- فحياتها العاطفية أشد نشاطاً. وقد بيّن تحقيق إحصائي، فضلاً عن ذلك، أن الدالتونية (عمى الألوان) تبلغ، لدى الرجال، خمسة أضعاف انتشارها لدى النساء. فحالات نادرة جداً هي، فقط، الحالات التي تكون، فيها النساء ضحايا لـ "مرض القرن" هذا. وحساسية الشبكية للألوان وحس اللون أكثر نمواً بكثير في دماغ المرأة منهما في دماغ الرجل. وهكذا يصل عالم النفس المختص بالحلم إلى النتائج التالية:
بما أن المرأة أكثر إحساساً بالألوان من الرجل، فلديها أحلام ملونة حتى في الحالات التي يحلم فيها الرجل بالأبيض والأسود. وبما أن خيال المرأة وحساسيتها أشد حدة بكثير، فلا يقتصر الأمر على كون المرأة تحلم أكثر من الرجل وبمزيد من الحدة، بل أنها تحلم أيضاً، بالألوان أكثر من الرجل بكثير.
إن الألوان موجات ضوئية، أشعة ضوئية تنكسر على سطح- وهي، دائماً، وقائع نفسية. وعندما تعود، في الحلم، إلى الصعود من حياتنا الداخلية إلى السطح، أو عندما تكون التعبير عن بعض حالات حياتنا الداخلية، فإننا نستطيع أن نميز في الألوان المرئية في الحلم تفسيرات لسيرورات نفسية هامة. ودلالة مختلف الألوان مشروحة في معجمنا هذا.
والأمر بالنسبة للروائح هو نفسه بالنسبة للألوان. فهناك أحلام تتعلق، بصورة لا تقبل المناقشة بالشم. وعلى الرغم من أن عالَم الحلم لا يعرف حدود الزمان والمكان، فإن الألوان والروائح والمشاعر تتخذ مكاناً راجحاً فيما تحت الشعور وتُدرك في الحلم.
وتحلم النساء أيضاً، أكثر من الرجال، بأشياء كريهة. وأحلامهن تتصف بمشاعر قلق وكوابيس. وعندما تحدث مثل هذه الأحلام فجأة. يجب البحث عن سببها، عامة، في اضطراب في الدورة الدموية. وكذلك، فإن النساء محمولات على الحلم بحدة في برهة ظهور الهلال وبرهة اكتمال القمر حتى لو لم يعدن قادرات على أن يتذكرن، بالتفصيل، بعد ذلك، ما رأينه في الحلم.
والأحلام الموسيقية هي، بدورها، أكثر تواتراً بكثير لدى المرأة منها لدى الرجل. ولا موجب للعجب من ذلك لأننا نعلم أن هناك قرابة وثيقة بين الأصوات والألوان وأن بعضها غالباً ما يستطيع أن يحِلَّ محل البعض الآخر.
وسوف نلخص، فيما يلي، الفئات الرئيسية للأحلام ذاكرين ما يميزها ومتى تحدث:
* أحلام العدوان.
الشخص الذي يحلم بأن شخصاً ما يسيء معاملة شخص آخر (أحلام كريهة عامة): أحلام أطفال ومراهقين وراشدين.
* الأحلام السمعية.
تستثير القسم الأعظم منها إثارات خارجية. أحلام أطفال ومراهقين وراشدين. وبالمقابل، فإن الأحلام الموسيقية بصورة جلية لا تحدث، في معظم الأوقات، إلا لدى النساء.
* أحلام القلق.
يمكن أن تكون لها أسباب متنوعة، وتختلف رموزها حسب الأعمار: أحلام أطفال ومراهقين وراشدين.
* أحلام الانفراج.
في مثل هذه الأحلام يطفو على السطح ما تحت الشعور المكبوت. وغالباً ما يعود ما تحت الشعور إلى الصعود في أبكر مراحل الطفولة. والحلم يوفر رؤية بديلة (إشباع رغبة) غير ممكنة التحقيق في حالة اليقظة: أحلام أطفال ومراهقين وراشدين.
* أحلام السقوط.
يخيل إلى الشخص الحالم أنه يقع في هوة لا قرار لها: أحلام أطفال منذ عمر العاشرة ومراهقين وراشدين، أحياناً، أيضاً.
* الأحلام الملونة.
لا يقتصر الشخص الحالم على رؤية صور بالأبيض والأسود، بل يرى، أيضاً، صوراً بالألوان: أحلام نساء بشكل خاص، إلا أنه يمكن استثارتها صنيعاً، أيضاً، بمخدرات.
* أحلام الطيران.
يمكن للشخص الحالم أن يطير في الجو بمساعدة وسائل تقنية أو دونها: أحلام أطفال منذ عمر العاشرة بشكل خاص.
* أحلام الولادة.
يترجم ما تحت الشعور سيرورة ولادة (عسيرة غالباً) إلى لغة الحلم الرمزية (مذراة زبل مغروسة في رأسي= ولادة بالملقط): أحلام أطفال منذ عمر العاشرة ولكنها، أيضاً، أحلام مراهقين وراشدين.
* أحلام الروائح.
يدرك الشخص الحالم رائحة أو عدة روائح بحدة: أحلام نساء بشكل خاص، إلا أن مثل هذه الأحلام يمكن أن يستثار، أيضاً صنعياً، بتقريب عطر قوي من أنف النائم وإثارة خارجية.
* أحلام الساحرات والأشباح.
الساحرة، حصراً، رمز كائن أنثوي موجود فعلياً، في حين أن الشبح يمكن أن يكون ذكراً أو أنثى: أحلام متواترة لدى الأطفال، أقل تواتراً لدى المراهقين ونادرة لدى الراشدين.
* أحلام التماهي.
يخيل للشخص الحالم أن له شخصية أخرى (تاريخية بصورة عامة): أحلام نادرة لدى الأطفال، أكثر تواتراً لدى المراهقين وأكثر ندرة لدى الراشدين.
* الأحلام الموسيقية.
يخيل للمرء سماع أصوات، بل وقطع موسيقية كاملة: أحلام متواترة خاصة لدى النساء.
* أحلام التقمص.
يعتقد الشخص الحالم أنه سبق أن عاش وأنه وُلِدَ، بالتالي، مرة ثانية في حالته الجسدية والنفسية الحالية: أحلام نادرة لدى الأطفال دون عمر التاسعة عامة.
* الأحلام الجنسية.
غالباً ما تكون تالية لفعالية جنسية فعلية، ولكنها تُسبّب، أيضاً، من جانب تصورات تستثير رغبات أو من جانب الدورة الدموية وإثارات خارجية أو داخلية: أحلام أطفال ومراهقين وراشدين، مع صفات خاصة بكل عمر.
* الأحلام التي يجري فيها قطع.
تنجم عن خوف لا شعوري من الخصي: أحلام صبيان بشكل خاص وأندر لدى البنات، بين الخامسة والسابعة.
* أحلام الحيوانات.
يجب أن نميز بين الحيوانات المذكرة (الأسد، النمر، الذئب، الكلب) والحيوانات المؤنثة (العنكبوت، البقرة): أحلام أطفال ومراهقين، أندر لدى الراشدين.
* أحلام الموت.
الشخص الحالم يرى نفسه يموت أو يرى، بصورة أكثر شيوعاً، موت قريب له يتمنى، سراً، موته فيما تحت شعوره لأن هذا القريب يمنعه من تحقيق رغباته. إلا أنه يمكن للشخص الذي حلم بذلك أن يندم عليه ندماً عميقاً في حالة اليقظة: أحلام أطفال ومراهقين وراشدين مع صفات خاصة بكل عمر.
* أحلام تعود إلى الأصول.
في هذه الأحلام، تلعب التنينات ومشاهد ما قبل التاريخ دوراً: أحلام أطفال صغار حتى عمر السادسة، حصراً تقريباً.
* الأحلام المُنذِرة.
يمكن أن يدل على بداية مرض برموز: إلا أنه يمكن، أيضاً، لتعقيدات نفسية تعود، احتمالياً، إلى الطفولة الأولى، أن تعبر عن نفسها على هذا النحو: أحلام أطفال ومراهقين وراشدين.
* أحلام الرؤية المزدوجة.
يعرف الشخص الحالم ما يوجد أو ما يجري، فعلياً، في البرهة نفسها، في مكان آخر، وما سيجري لاحقاً: أحلام نادرة لدى الأطفال، ولكنها تُصادَف لدى المراهقين والراشدين، أحلام على علاقة بأقرباء بصورة عامة.
* الأحلام المتسلطة.
لا يعود الشخص قادراً على التمييز بين الحلم والواقع. يمكن له، بعد يقظته بقليل، أن يدع نفسه ينجر إلى أعمال لا معنى لها ظاهرياً- على الرغم من كونه يعرف الفرق بين الحلم والواقع: أحلام مراهقين بين عمري الثالثة عشرة والسادسة عشرة خاصة.
لنتأمل، الآن، ما هو قابل في الحلم، للقياس بوسائل علمية. إن تعديل الشعور يبدأ مع التعب وفقدان المرء شعوره بأنه مستيقظ. وهو ينتهي عند بلوغ مرحلة النوم العميق. إلا أنه ليس لمختلف أطوار هذا التعديل حدود متميزة. إننا نبدأ في الانفصال عن الواقع الخارجي عندما يغلق التعب عيوننا. وفي هذه البرهة لا نعود ندرك، إلا بشكل غير واضح، ما يجري حولنا وتفرض نفسها علينا صور مسحوبة من خبرتنا المعاشة، من الماضي. ولكن هذه الصور كثيراً ما تكون مختلفة عن رؤى الحلم التي تبدو لنا لا منطقية، متقطعة ولا علاقة لها بالأشياء التي نملك أو نحاول امتلاك القدرة على معرفتها والحكم عليها أو قياسها.
فما نراه في الحلم هو وهمي يتحرر، عامة، من القوانين الطبيعية التي نخضع لها عندما نكون مستيقظين. ونحس، إذ ذاك، مشاعر غريبة عنا فضلاً عن ذلك. أن هذه الحالة التي تشكل جزءاً من النوم هي ما نسميه الحلم.
ويحاول التحليل العلمي للحلم، إنشاء صلة منطقية بين الشخص الحالم وما يراه في الحلم. إنه يحاول، بعبارة أخرى، أن يعرض ويفسر ما يتذكره الشخص عند استيقاظه. والشخص الذي يعود من أحلامه إلى الواقع اليومي يعاني الكثير من المشقة في تذكر تفاصيل ما عاشه في الحلم. إنه لا يستطيع أن يروي إلا القليل من الأشياء لأن ذاكرتنا تملك، خاصة، القدرة على إعادة إنتاج البنية المنطقية للمعاش. ولكن الأحلام تفلت من مثل هذه الحتمية، وذلك دون أن نحسب حساباً لكون كثير من الأحلام يبدو غير قابل للتصور إلى حد لا يعود، معه، الشعور قادراً، في حالة اليقظة، على الاحتفاظ بها. وهذا، على وجه الدقة، ما يسبب صعوبة تحليل الحلم الذي لا يستطيع الاستغناء عن ذاكرة الشخص المستيقظ في حين أن هذا الأخير لا يستطيع أن يعيد ما رآه في الحلم إلا بصورة ناقصة.
وقد جهز العلم، الآن، أدوات قياس فيزيائية وتحليلات كيميائية على درجة قصوى من الدقة. واستخدامها يسمح بإثبات متى يحلم شخص ما وبأية حدة. ويبدو محتملاً، بموجب بعض الدلالات التي تم الحصول عليها بهذا الشكل، أن تكون الأحلام، خلال النوم، قادرة على تعبئة المواد التي يحتاج إليها الدماغ والعضلات والتي تتراكم في الجسم. وبدا على بعض التجارب التي أجريت على أشخاص متنوعين أنها تدل على أن معدل الهرمونات، كالأدرينالين، تزيد خلال الحلم. ولكننا نعلم أن هذه الهرمونات تستطيع تنشيط مختزنات العضوية من الشحم والسكر. وكون الأحلام قادرة على استجرار بعض الهرمونات قابل، احتمالاً، لتفسير بعض الحوادث ذات الطبيعة القلبية التي تحدث ليلاً، وهي حوادث تعدّل، بالتالي، إيقاع نبضات القلب. ويسبب إفراز الأدرينالين والنورادرينالين، في هذه الفرضية، تسارعاً في الفعالية القلبية وقد يُسبّب، على هذا النحو، الآلام المميزة لذبحة صدرية ليلية، ويحتمل، من جهة أخرى، أن يلعب الحلم، في حالة بعض الأمراض دور حماية نتيجة لإفراز هرمونات قشرية كظرية كالكورتيزون. وهو يعلب هذا الدور في حالة الربو القصبي.
ويمكن قياس التجليات لفعالية الدماغ بواسطة جهاز تخطيط الدماغ الكهربائي. وهذا الجهاز يحتوي على لواحب (الكترودات) تُثبّت على جلد رأس المريض. وهذه اللواحب مربوطة بمنظومة تسجيل بواسطة مضخّم. وتبين الذبذبات تحولات طاقات الدماغ الكامنة، أي الدفقات الكهربائية التي يصدرها الدماغ.
وفي حالة شخص مستيقظ، تُسجَّل الموجات بيتا التي تظهر بتواتر يتراوح بين 15 و 20 ذبذبة في الثانية. وبقدر ما ينتقل الشخص من اليقظة إلى النوم ينخفض تواتر هذه الموجات. ويتجلى الدماغ غير الفعال والذي يبقى، مع ذلك، مستيقظاً، بعد ذلك، في موجات ألفا بتواتر يتراوح بين 8 و 12 ذبذبة في الثانية. ويمكن للإيقاع أن ينخفض إلى تواتر يتراوح بين 4 و 8 ذبذبات في الثانية بالنسبة للنوم الخفيف، وإلى تواتر أضعف، أيضاً، عندما يكون النوم عميقاً.
إن الشخص النائم الذي يُصدر، في البداية، موجات يتراوح تواترها المسجل بجهاز تخطيط الدماغ بين 4 و6 ذبذبات في الثانية يُصدِر- وتلك واقعة مفاجئة- من جديد، موجات بيتا عندما يبدأ في الحلم. وهذه الموجات هي تلك المسجلة في حالة اليقظة.
وتبين، فضلاً عن ذلك، أن أطواراً قصيرة من التهيج الحركي تظهر لدى النائم. وعمق النوم خاضع لتذبذبات دارية (نسبة إلى دارة). وفي هذا الصدد، لوحظ أن التخطيط الكهربائي للدماغ يُظهر، خلال نوم متواصل لمدة ثمان ساعات، ولمدة تتراوح بين 10 و 60 دقيقة، خمس مرات تقريباً، موجات بيتا مقابلة لموجات حالة اليقظة. وإذا جرى التحقق، خلال هذه الأطوار- التي هي، من وجهة نظر جهاز تخطيط الدماغ، أطوار حالة اليقظة ? من سلوك الشخصن فإننا نتبين أنه نائم نوماً عميقاً وأن من الصعب إيقاظه.
ويسمي العلم هذا الطور من النوم الذي تُسجل، خلاله، موجات بيتا، "النوم المفارق" وذلك بسبب التباين بين سلوك الشخص النائم وبين تخطيط الدماغ الذي هو بمثابة تخطيط شخص مستيقظ. ويمكن أن تحدث، خلال هذا النوم، حركات مباغتة للعضلات وحركات عين سريعة. ورشقات حركات العيون السريعة على علاقة وثيقة مرئية مع الأحلام. والاستخدام المتزامن لأجهزة تخطيط الدماغ وتسجيل حركات العضلات وحركات العين يسمح بتسجيل موضوعي لكل التجليات الحركية المصاحبة للنوم المفارق.
وتُفسر الظاهرة الموصوفة على هذا النحو بالصورة التالية:
إن تباطؤ تواتر موجات ألفا في تخطيط الدماغ ناجم عن كون كل خلايا الكظر مستثارة بالإيقاع نفسه. فكل خلية تستثار 10 مرات في الثانية تقريباً. وإن انخفض الإيقاع إلى ما تحت 8 ذبذبات في الثانية، فإنه لا تعود هناك علاقة مع العالم الخارجي. ولكن الشعور يتصف، في حالة اليقظة، بفعالية مستقلة لمختلف الخلايا، دون تطابق في الزمن. وهذه الخلايا متصلة، فيما بينها، بمسالك عصبية تصل بين كل مناطق الكظر، كما تلزم، في سيرورة تصنيع، عمليات متنوعة للوصول إلى الناتج الجاهز.
وإذا أيقظنا الشخص النائم الذي تُشير موجاته الدماغية إلى حالة نوم مفارق، فإن هذا الشخص يقول إنه حلم فعلاً. ويمكنه، أيضاً، في معظم الحالات، أن يروي حلمه. وقد قال شخص كانت قد تبينت لديه، خلال النوم المفارق، حركات منتظمة وإيقاعية للعينين على مستوى أفقي إنه كان قد شاهد، في الحلم، مباراة في كرة المضرب وبالمقابل، قال شخص آخر تبينت لديه حركات عينين على المستوى العمودي إنه كان قد صعد درجاً. وكما في حالة اليقظة، كان لكل الأحلام المدروسة، تقريباً، بنية منطقية.
وبالتالي، فإنه توجد بين محتوى الحلم وحركات العيون السريعة علاقة من طبيعة كيفية. فسعة حركات العيون تتوقف على حدة الحلم. فإذا سجل جهاز تسجيل حركات العين حركات سريعة للعينين مع سعة كبيرة، فيمكن أن نتأكد أن الشخص الذي يحلم يلعب دوراً فعالاً في حلمه. وبالمقابل، إذا بقيت السعة ضيقة، فإنه لا يلعب في حلمه سوى دور سلبي، دور مراقب. ولهذا السبب، يميز العلم، في حركات العيون السريعة، بين الحركات "الفعالة" والحركات"السلبية".
إذا أردنا، الآن، أن نفسر أحلامنا أو أحلام أشخاص آخرين بواسطة هذا المعجم لرموز الحلم، فإنه ينبغي علينا، أيضاً، حسبان حساب لشروط وظروف متنوعة. فيمكن أن يدور الأمر حول أحلام محمومة أو أحلام سببتها معدة ممتلئة أكثر مما ينبغي. وإذا استثيرت الأحلام من جانب عوامل خارجية (ضجيح، الغطاء الذي ينزلق، الاستجابة للضوء أو لرائحة) فإن الأمر يدور، ببساطة، حول أحلام حامية للنوم، ولا جدوى من السعي إلى الكشف عن معنى عميق في هذه الحالة.
وبالمقابل، ينبغي عينا أن نوجه المزيد من الانتباه إلى الأحلام المنذرة التي غالباً ما تأتي برؤى واضحة جداً إذا عرفنا كيف نفسر الرموز تفسيراً صحيحاً. ففي حالة الحلم العميق، يجب أن نحاول، قبل كل شيء، تحديد العلاقة التي يمكن أن توجد بين الحلم وأحداث حديثة جداً من النهار. وعندما ننجح في إقامة هذه العلاقة فإن معظم رموز الحلم تتضح ويمكن تفسيرها. أما إذا لم يمكن عقد الصلة بين الحلم العميق والأحداث المعروفة أو الحاضرة في ذاكرة الشخص، فإنه ينبغي علينا أن نحاول تفحص تفاصيل الحلم. بمزيد من التقرب وتسجيلها وطرح أسئلة، احتمالاً، على القريبين من الشخص حول عاداته والتعديلات على طبعه الناجمة عن بعض الأحداث أو الوقائع التي تعود إلى طفولته. ولن نستطيع محاولة تفسير الحلم المدروس بواسطة المعجم إلا بعد أن نكون قد جمعنا أكبر عدد ممكن من التفاصيل. وسوف يكون من المفضل في حالات عديدة، حالات أخطر، أن يستشار اختصاصي متمرس في العلاج النفسي.
إلا أنه ينبغي، في كل الحالات، البدء بتحليل على قدر ما يمكن من الحياد والموضوعية. ذلك أنه لن يفيد كثيراً أن نتخيل تفسيرات تناسبنا أو بصورة تعسفية. وهذا هو السبب الذي يجعل تفسير المرء لأحلامه الخاصة بالغ الصعوبة. فمن الذي يستطيع أن يلعب تجاه ذاته، دور حكم حيادي? ومن هو المتهم الذي يكون مستعداً للنطق، هو نفسه، بإدانته?
لقد جرى تأليف معجم رموز الحلم انطلاقاً من مفاتيح متنوعة للأحلام القديمة، من مصادر مصرية وعربية وقروسطية، من تفسيرات موجودة في "علوم السحر والتنجيم" الفرنسية، من التحليل النفسي الحديث ومن الخبرة العملية للمؤلف. إلا أنه ينبغي أن نشير إلى أن المعجم الحالي لا يسمح بشرح وتفسير كل حلم وإلى أنه لا ينبغي، كذلك، استخدام هذه الرموز كما هي مقدمة ومفسرة فيما يلي، استخداماً أعمى. فإذا كان صحيحاً أن الرموز الحلمية لشعوب عديدة وفي كل الأزمنة تبدي عدداً كبيراً من الصفات المشتركة، فإنه لا يسعنا، كذلك، أن نتجاهل كون الفرد قادراً على خلق لغة حلم تكون خاصة به وشخصية تماماً. وهذه القدرة تابعة، إلى حد بعيد، لطاقته العقلية. ويمكن للشخص الذي يحلم أن يلجأ، حسب نفسيته، إلى رموز مشفرة بطريقة دقيقة دقة خاصة وتبدي، بالتالي، صعوبات أمام فك رموزها. فيجب، إذن، قبل القيام بتفكيك الرموز، تكوين فكرة عن الخصائص العقلية للشخص. ومن المناسب، في هذه الحالات، أن يكوّن المفسر لنفسه مجموعة رموز سوف تساعده كمفكرة وتسمح بالمقارنة بين الملاحظات المسجلة وبالاحتفاظ بأكبر عدد ممكن من الأحلام.
وتقوم أفضل طريقة في العمل على قيام المرء، منذ استيقاظه بتسجيل أحلامه بتعابير موجزة أو بالتفصيل، مع كل خصائصها. وهذا شيء يجب القيام به دون تأخير، في الليل أو في الصباح، منذ أن يخرج المرء من حلم. وبالفعل، فقد بينت التجربة أن رؤى الأحلام تتبدد سريعاً جداً وتزول من الشعور أو تفقد تلاحمها. وتُنسى الأسماء والأرقام، خاصة، بسرعة. فبعد دقائق من اليقظة، لا يعود المرء قادراً، فعلاً، على أن يعيد إعادة مضبوطة سلسلة أرقام وينبغي أيضاً، بصدد كل حلم مسجل على هذا النحو، ذكر القرائن التي تحمل على افتراض انتمائه إلى فئة من الأحلام: ما إذا كان الأمر يدور حول حلم سببه عامل خارجي أم حول حلم منذر، ما إذا كان الحلم، على الرغم من كونه عميقاً، سطحياً أو ما إذا كان من المناسب تصنيفه بين الأحلام الكبيرة الواردة من أعماق ما تحت الشعور، وسوف يكون هناك موجب،، بعد بضعة أيام، لمراجعة هذه الملاحظات والتحقق مما إذا كان التفسير التلقائي مضبوطاً أم أن هناك تفسيراً آخر أقرب إلى الاحتمال.
وهناك فائدة أخرى جلية لتسجيل المرء أحلامه: ففي حالات تكرُّر الأحلام أو جريانها على صورة سلسلة، يمكن إجراء مقارنات- وإذا لم يحرز المرء مزيداً من التقدم بوسائله الخاصة، فيمكن لهذه التسجيلات أن تشكل مساعدة ثمينة للاختصاصي الذي سوف يكون قادراً على اكتشاف علاقات لم يكن المرء قد ميزها. ولسنا، بصدد أنفسنا، نقديين دائماً. بما فيه الكفاية إلى حد نسلم، معه، بأشياء وتفسيرات تكون مزعجة لنا. وبالمقابل، فنحن واثقون من أن حكماً غير متحيز لن يأخذ في اعتباره مثل هذه التحفظات، وأنه سوف يبذل جهده لاكتشاف كل الحقيقة.
ومن المناسب، أيضاً، في حالات عديدة، إجراء المرء رسوماً لأحلامه لأن الأحلام تتبدى، أيضاً، على صورة رؤى غالباً ما يصعب إعادة إنتاجها بكلمات. ومن الضروري تأريخ كل الملاحظات كي نستطيع أن نتبين، بعد ذلك، الفواصل التي تتكرر، ضمنها، الأحلام نفسها أو أحلام مشابهة.
وينصح، كذلك، بالبدء بدفتر ليلي تُسجل فيه، الأفكار التي تتوارد علينا بصدد أحلامنا. فغالباً ما يفاجئنا تبيننا أن أفكاراً تداهمنا أثناء الليل ثم لا نعود نعرف عنها شيئاً صبيحة اليوم التالي. وعندما يتصدى المرء لتفسير الأحلام، فإنه لا يستطيع التقصير عن أن ينكب على العمل بالجدية اللازمة والتجرد الذي يسمح بالنقد. ويقدم المعجم الهجائي لرموز الأحلام توجي
إرسال تعليق