U3F1ZWV6ZTM1MDgwNzg5ODg1MDQyX0ZyZWUyMjEzMTk5NTcyNTU4MA==

الإبتكارات العلمية :

الحجم
من أعظم الابتكارات التي حقّقها البشر الزراعة؛ فقبل أن يعرفوها كان ألف (أكر) من الأراضي يفي باحتياجات فرد واحد من الغذاء (الأكر = 4047م)، وذلك من خلال الصيد والتقاط الثمار البرية، فلما توصّلوا إلى فكرة الزراعة أصبح بمقدور الأكر الواحد أن يمدّ ثلاثة أشخاص باحتياجاتهم الغذائية.

ومع تتابع التطورات التي أُدخلت على الزراعة تزايد الإنتاج؛ فعلى سبيل المثال: تناقصت بمقدار النصف -منذ سبعينيات القرن الماضي- كميةُ الطاقة المستخدمة
في الولايات المتحدة الأمريكية لإنتاج مادة غذائية تعطي طاقةً حراريةً قدرها سعر واحد.
ويُردُّ ذلك جزئياً إلى أن تخليق المخصبات النيتروجينية المستخدمة في الزراعة أصبح -بفضل الابتكارات- لا يحتاج إلاّ إلى جزء من عشرة أجزاء من كمية الطاقة التي كان يحتاج إليها قبل ذلك التاريخ. كما أن المحاصيل التي يمكن زراعتها بكمية
محدّدة من المياه تضاعفت كميتها منذ ثمانينيات القرن الماضي عامةً، وانعكس ذلك في معدل استهلاك الفرد الأمريكي للمياه؛ إذ انخفض بمقدار الثلث منذ عقد السبعينيات؛ بسبب ارتفاع كفاءة الأنشطة الزراعية.
وتوفّر لنا الأفكار الجديدة والابتكارات بدائل للموارد النادرة، ولنرجع بالزمن إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي؛ إذ كادت أنشطة صيد حوت العنبر تقضي عليه بالانقراض؛ لأن دهون هذا الحوت كانت أفضل مصدر للزيوت المستخدمة في الإضاءة في ذلك الوقت؛ إذ كانت تشتعل فتعطي ضوءاً صافياً بلا دخان. لقد قضت أنشطة الصيد على ثلث تجمّعات هذا النوع من الحيتان على مدى ثلاثين عاماً، فنشأت أزمة في زيت الإضاءة شبيهة بالأزمات التي تعرفها سوق النفط العالمية في الوقت الراهن؛ فقد تناقص عدد الحيتان التي يصطادها الأسطول الواحد؛ لأنها أصبحت نادرةً، ومن جهةٍ أخرى كان الطلب على الزيوت يتزايد، فارتفعت أسعارها. ولم يكن الحلّ في صيد مزيد من الحيتان، ولا في التخلّي عن نوعية الإضاءة التي توفّرها زيوتها، وإنما أتى الحلّ على يد مكتشف كندي، اسمه: أبراهام جيسنار، متمثّلاً في (الكيروسين)، الذي حصل عليه من تسخين الفحم وتكثيف أبخرته، فحلّ محلّ زيت حوت العنبر في إنتاج الإضاءة الصافية التي لا يصاحبها دخان، إضافةً إلى ميزة لم تتوافر في زيت الحوت، وهي ضخامة الإنتاج. ولم يكن جيسنار من نشطاء البيئة، ولم يكن مهتماً بالتخفيف من تكالب الصيادين على الحيتان طلباً لزيوتها، وإنما كان دافعه علمياً، وهو تخليق مادة إضاءة بديلة لزيوت دهن الحوت التي شحّت في الأسواق، فتحقّق ذلك بالكيروسين، الذي كان أقلّ تكلفةً، وأنقذ حيتان العنبر من انقراض كان وشيكاً.

الطاقة الشمسية
وبمقدور الأفكار الجديدة الخلاقة أن تجعل للنفايات قيمةً محسوسةً؛ ففي بلدان كألمانيا واليابان يجد الناس المعادن في مستودعات القمامة، وثمة تقدير يشير إلى أن هذه المستودعات في اليابان تحتوي على كميات ضخمة، لها قيمة اقتصادية كبيرة، من الذهب والمعادن الأرضية النادرة، كما أن مستودعات القمامة في العالم كلّه بها من الألومنيوم ما يفي بالاحتياجات العالمية مدة 15 سنة. فإذا انتقلنا إلى الطاقة في مصادرها التقليدية، وهي أنواع الوقود الأحفوري المعروفة لنا، من بترول وفحم وغاز طبيعي، تبيّن لنا أننا ما زلنا بعيدين من مصدر آخر، هو الطاقة الشمسية، وهو مصدر للطاقة أغنى من أيّ مصدر آخر؛ فكمية الطاقة الشمسية التي يستقبلها السطح الخارجي للغلاف الجوي في اليوم الواحد تعادل عشرة آلاف مرة قدر كمية الطاقة الناتجة من كلّ أنواع الوقود في اليوم الواحد، وإن تعرّض سطح الأرض لأشعة الشمس مدة عشر ثوانٍ يعطي طاقةً قدر ما نحصل عليه من كلّ أنواع الوقود في اليوم الواحد. والجانب الأكبر من ضوء الشمس هو فوتونات (جسيمات مكوّنة للموجات الكهرومغناطيسية) تضربُ سطح الأرض، وإذا تمكنّا من استقبالها في مساحة قدرها الثُّلث فقط من 1% من مساحة اليابسة، باستخدام خلايا شمسية كفاءتها 14%، لحصلنا على كهرباء تغطي احتياجات البشر الحالية. إذاً، ليست المشكلة في توافر الطاقة الشمسية، لكن في تكلفة استخلاصها؛ فتكنولوجيا الخلايا الشمسية شبيهة بتكنولوجيا رقائق الكمبيوتر التي تُصنع من السليكون تحت درجة حرارة عالية، وفي ظروف خاصة، وهي مكلّفة جداً.
على أيّ حال، فقد عملت الابتكارات -على مدى الثلاثين عاماً المنقضية- على خفض تكلفة إنتاج الـ(وات) من الطاقة الشمسية من عشرين دولاراً إلى دولار واحد، وبذلك تكون الطاقة الشمسية متعادلةً في التكلفة مع الفحم والغاز الطبيعي. والمتوقع خلال الـ(12-15)سنة المقبلة أن ينتشر استخدام الطاقة الشمسية في معظم كوكب الأرض. لكن ثمة تحدياً يواجه مستقبل الطاقة الشمسية؛ فقد نجحنا في استخلاصها، لكننا بحاجة إلى تخزينها؛ لنستخدمها في إنارة مدننا ليلاً، وفي تشغيل مركباتنا؛ فهل يمكننا مواجهة هذا التحدي؟. أغلب الظنّ أن ذلك أمر ممكن، ولنراجع ما طرأ على إحدى وسائل تخزين الطاقة، وهي بطارية أيون الليثيوم، من تطورات في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، والعقد الأول من القرن الحالي؛ إذ أدّت إلى خفض تكلفة تخزين الطاقة في هذا النوع من البطاريات بمقدار تسع مرات، كما تضاعفت في المدة نفسها كثافة التخزين. فإن قُدِّر لنا أن نفعل ذلك مرةً أخرى وصلنا إلى نقطة يمكننا عندها إقامة شبكة تخزين تتيح لنا استخدام الطاقة الشمسية في كلّ الأوقات. إنه أمر على درجة من الصعوبة، ويحتاج إلى نفقات تبلغ عشرات البلايين من الدولارات، لكنه غير مستحيل.

تحلية المياه
أما التحدي الذي تفرضه علينا المياه، فهو نُدرة العذب منها، فـ97% من مياه الأرض تجري في البحار والمحيطات، وهي مالحة. ولم تتغيّر تكنولوجيا تحلية المياه منذ زمن الإغريق إلى عام 1960م، وكانت تقوم على التقطير بغليان الماء ليتبخّر، وتجميع البخار لتتكثّف قطرات الماء العذب. ثم جاءت فكرة استخدام الأغشية، وهي مأخوذة من آلية عمل أغشية جدران الخلية الحية، التي تسمح بنفاذ مواد من دون غيرها؛ فباستخدام ضغط مناسب ينفذ الماء من خلال الثقوب الدقيقة للغشاء خالصاً من الملح. وبمقارنة كمية الطاقة المستخدمة في التحلية بالتقطير بتلك المستخدمة في التحلية بالأغشية فإن الأولى تبلغ تسعة أمثال الثانية. والجدير بالذكر أن تكلفة تحلية المياه في أكبر مشروعات التحلية بالعالم لا تزيد الآن على عُشر السنت الواحد للجالون من الماء العذب، وقد وصلت هذه التكنولوجيا إلى حدّ أنها أصبحت خياراً حقيقياً، وبديلاً يعوّض ندرة المياه العذبة الطبيعية.
ويفرض علينا الغذاء تحدياً إضافياً؛ فنحن مطالبون -من الآن إلى منتصف القرن- أن نرفع إنتاجيتنا من الغذاء بنحو 70%، وهذا غير مستحيل؛ لأن الدول الصناعية الغنية تنتج في الوقت الراهن ضعف ما ينتجه العالم كلّه من الغذاء، وإن وفّرنا ما لهذه الدول من موارد طاقة وثروة تحقّق الهدف المنشود، وإن لم يتيسّر توفير الثروة للإنفاق على إنتاج مزيد من الغذاء فلنتّجه إلى خيار قد لا يكلّف كثيراً، ويتمثّل في الاستفادة مما تنتجه الطبيعة؛ فلعلّ كثيرين منّـا لا يعلمون أن إنتاجية وحدة المساحة من الأراضي الزراعية من محصول الأذرة -إن عبّرنا عنها بعدد السعرات الحرارية- تزيد عليها في حالة محصول القمح بنسبة 70%؛ لأن نبات الأذرة يخلِّق المادة الكربوهيدراتية في عملية البناء الضوئي بأسلوب يختلف عن أسلوب نبات القمح. ويعكف علماء الوراثة حالياً على خطط لنقل الجين المسؤول عن هذا الأسلوب في الأذرة إلى نباتي القمح والأرز؛ لزيادة إنتاجيتيهما.
رجب سعد السيد 
كاتب علمي مصري
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة