سجع الكهان قبل الاسلام:
.
.
هذه فصول، إن لا تكنْ فيها روح الكاهن ففيها من الكاهن سجْعُه، و إن لا يَجُلْ في جوانبها صَدَى الكهانة ففيها من ذلك الصدى رَجْعه؛ فيها الزمزمة المفصحة، و التعمية المبصرة، و فيها التقريع و التبكيت، و فيها السخرية و التنكيت، و فيها الإشارة اللَّامحة، و فيها اللفظة الجامحة، و فيها العسل للأبرار، و ما أقلَّهم، و فيها اللسع للفجار، و ما أكثرَهم، فلعلها تهزُّ من أبناء العروبة جامدًا، أو تؤزُّ منهم خامدًا، فنجني شيئاً من ثمرة النية، و نغيِّر أواخر هذه الأسماء المبنيَّة.
و في هذه الفصول من لبوس الألفاظ ما يَعُدُّه المتخلفون من كتابنا غريبًا، و ما غرابته في أذواقهم، إلا كغربة الأعلاق النفيسة في أسواقهم؛ و لو حفِظوه ووَعَوْا معانيه و أقروه في مواضعه من كلامهم، و أحسنوا إجراءه في ألسنتهم و أقلامهم - لأحيَوه فحيوا به، ولأصبح مأنوسًا لا غريبًا، و أصبحوا به من لغتهم قريبًا؛ و لكن أعياهم الإحسان، فعفّروا في وجوه الحسان، و عجزوا في جني الثمرة عن الهصْر، فرضُوا من اللغة بما يباع في " سوق العصر" (1)
منشئ الفصول ********
و في هذه الفصول من لبوس الألفاظ ما يَعُدُّه المتخلفون من كتابنا غريبًا، و ما غرابته في أذواقهم، إلا كغربة الأعلاق النفيسة في أسواقهم؛ و لو حفِظوه ووَعَوْا معانيه و أقروه في مواضعه من كلامهم، و أحسنوا إجراءه في ألسنتهم و أقلامهم - لأحيَوه فحيوا به، ولأصبح مأنوسًا لا غريبًا، و أصبحوا به من لغتهم قريبًا؛ و لكن أعياهم الإحسان، فعفّروا في وجوه الحسان، و عجزوا في جني الثمرة عن الهصْر، فرضُوا من اللغة بما يباع في " سوق العصر" (1)
منشئ الفصول ********
" نحن الكهان، أفراس رهان. منّا السابق المصلى، و منّا الآبق المولى. كنّا إرهاصًا للنبوة، و دليلًا للضعف إلى القوة، فلما جاء الحق، و حيص (2) الشق - اندحرنا و انجحرنا، فلما عادت الكسرويّة إلى شرائعها، و القيصريّة إلى ذرائعها، آن أن نعودَ إلى الإنذار، و نصرخ في وجوههم: حذارِ حذارِ، إن بطش الله لشديد،و إن الحرير قد يفلّ الحديد".
كاهن قديم. ***********
كاهن قديم. ***********
" الكاهن، لا يُدارى و لا يداهن، كلامه رمز، ليس فيه لمز. عاذ غيره بالتصريح فعاد بالتجريح؛ و لاذ هو بالكهانة، فأمِن المهانة. كان... فكان الزّاجرَ الرّادِع، للفاجر الخادع، و كان... فكان نذير السارق و المارق، و الخاتل و القاتل، و المحتال و المغتال، و القاذف و الحاذف، و المبتهر و المبتئر (3) . تجف قلوبهم إذا نوفروا إليه، و تجفّ لهَوَاتهم إذا وقفوا بين يديه، لاستتارهم بالعيب، و استهتارهم بالغيب، فلما جاء " محمد " بالحق فاء الناس إلى ضمائرهم، و حكموا هدَيه في سرائرهم، و ردُّوا الغيب إلى عالمه فاستراحوا؛ و لكنهم اليوم عادوا إلى الجاهليَّة، و تقلّبوا في أرحام حنظليّة و أصلاب باهليّة، فماذا نصنع ؟ أنتقدّم منذرين، أم نتأخّر معتذرين ؟ بل نُحي الاسم، و نُميت- كما أمات الإسلام- الرسم" .
كاهن عصري. *************
كاهن عصري. *************
" كلام الكاهن ليس بالواهي و لا الواهن، كأنما وخزه الماء، أو لمستْه السماء، ففيه من الماء إيراق ، و فيه من السماء إشراق. شارف مكامنَ الغيوب و لَمَّا .... وورد معين العربية فورد جمًّا. عمر صحائف من ديوان العرب ، و كان من شعرهم كالكرب من القَرَب (4) ، بل كان هو الشعر في أول أدواره، و كان قارعَ باب البيان و فارعَ أسواره...اصطنع الكهان السجع ليروقوا السامع و يروعُوه، و ليسهل على الناس فيحفظوه و يَعُوه. و لهم في حوْك الكلام مقامات حِسان، أخذ منها ابن دريد و الهمذاني في تلك المقامات الحسان. سبقوا في السجع فما سبقتهم إلا الحمائم، و أخذوه طبعًا فما لحقهم فيه صنعًا إلا " بعض ذوي العمائم" . و ما عدا هذا من الأسجاع، فهي غُصص تتبَعُها أوجاع".
كاهن أديب. ****************
كاهن أديب. ****************
لا أقسم بذات الحفيف، و الجناح الخفيف، المشارفة في جوّها للكفيف(5) و بالسر المودع في التجاويف و التلافيف، و بالمغيرات صبحًا عليها التجَافيف، و المغيرين على الحق كالعاهر ابن العفيف (6) . و بالسابغات و السوابغ من الدروع و الجلابيب , و بالآخذين أمس من تلّ أبيب بالتلابيب ، و بالبحر و السفينة ، و الحبر و " الدفينة" (7) ، إن أبا الطيب المتنبي لمَن موالينا، و ممن تلقّى الكهانةَ عن أوالينا ، و إنه ما دُعي بالمتنبي (8) إلا لأنه كان شاعراً كاهناً، ليناقض النبي الذي لم يكن كاهنا و لا شاعراً ، و قد نُفِيا عن النبي مجتمعيْن، فثبتا في المتنبي مجتمعيْن، و إن كثيراً من شعره كهانةٌ ملتفِّعة بالشعر , يُوطّيها في جُمل، و يُغطيِّها بممدوح أو جَمَل ، و ستظهَر أخباؤها ، و تُعلم أنباؤها ... و إن قوله: وقعتْ على الأردنِّ منه بليّةٌ ، هو من الكهانة الكاهنة , ( بالحالة الراهنة) . قالوا أراد أسداً قانصًا ، و قلنا أراد رجلا ناقصًا. قالوا: أراد كلبًا ، روع قلْبًا، و مزَّق خِلبًا ، و أوسع المهج سلبًا، و قدم ضراغمة غُلبًا، أوطنها غابات غُلبًا و ذاد عنها أشاوس غُلْبا , قلنا : إنما أراد رجلا ركب صعباً ، و باع شعباً ، و عقَّ لؤيّاً و كعْباً، و سلك بنو أبيه شِعباً، و سلك وحده شِعبًا، و خذلهم في الجلى فملأ القلوب رعباً، و اشتفَّ صُبابة المال، فلم يدع لبائس حلسا و لا لبائسة قَعْباً.. لم يُرد أسداً خادراً ، و إنما أراد رجلا سادراً ، يظهر في زمن نحس، و يبيع ضفّتي الأردن بثمن بخس، و أين ليث عفَّره بدر بسوط، من شخص كفَّره صدْرٌ بنوط.
أيتها البُحيرة (9) ، مالك في حيرة ؟ لقد شهدت لبدر بن عمّار بالفتوة، فهل تشهدين لأبي الطيب بالنبوة ؟ ... و حدّثي الولي يا ( ولية )، أيهما كان عليك بلية، ذاك الذي وردك زائراً ، أم هذا الذي وردك خائراً ؟ إنهما لا يستويان ، ذاك أسد غاب، رِزقُه في الناب ، و هذا حلف وِجار، رزقه على الجار ، ذاك يعيش على فرائسه ، و هذا يعيش على فضلات سائسه ، ذاك رمز إقدام ، و هذا موطئ أقدام، ذاك ورد الفرات زئيرُه ، و هذا جاوز الفراتَ تزويره ، ذاك مشغول البال بتربية الأشبال، و هذا مشغول ... بعُرْس الغول .
أيها الصاعد في العقبة ، المجاحش عن خيط الرقبة ، البائع لجار السوء صقَبه ، لا يكن صوتُك الصيت ، و لو أحييت البحر الميت .
أيها الخاذل للغزَّى (10) ، ما أنت لهاشم ... إنما أنت لعبد العزّى ، أغضبت سَراة الحيّ ، و أزعجت الميت منهم و الحيّ ، من لؤيِّ إلى أبي نُمَيّ . فويحَك ، أما تخاف أن تهلك ، يوم يقال: يا محمد إنه ليس من أهلك .
.....
أيتها البُحيرة (9) ، مالك في حيرة ؟ لقد شهدت لبدر بن عمّار بالفتوة، فهل تشهدين لأبي الطيب بالنبوة ؟ ... و حدّثي الولي يا ( ولية )، أيهما كان عليك بلية، ذاك الذي وردك زائراً ، أم هذا الذي وردك خائراً ؟ إنهما لا يستويان ، ذاك أسد غاب، رِزقُه في الناب ، و هذا حلف وِجار، رزقه على الجار ، ذاك يعيش على فرائسه ، و هذا يعيش على فضلات سائسه ، ذاك رمز إقدام ، و هذا موطئ أقدام، ذاك ورد الفرات زئيرُه ، و هذا جاوز الفراتَ تزويره ، ذاك مشغول البال بتربية الأشبال، و هذا مشغول ... بعُرْس الغول .
أيها الصاعد في العقبة ، المجاحش عن خيط الرقبة ، البائع لجار السوء صقَبه ، لا يكن صوتُك الصيت ، و لو أحييت البحر الميت .
أيها الخاذل للغزَّى (10) ، ما أنت لهاشم ... إنما أنت لعبد العزّى ، أغضبت سَراة الحيّ ، و أزعجت الميت منهم و الحيّ ، من لؤيِّ إلى أبي نُمَيّ . فويحَك ، أما تخاف أن تهلك ، يوم يقال: يا محمد إنه ليس من أهلك .
.....
إرسال تعليق