إن كلمة (لبن) في اللغة يقصد بها الحليب، قال تعالى (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين) النحل آية (66). فإذا تخمر هذا الحليب بواسطة البكتيريا كان اللبن الرائب.
القيمة الغذائية للبن الرائب:
الفيتامينات: تعد منتجات الألبان عموماً مصدرًا مميزًا للعديد من العناصر الغذائية التي من أهمها البروتين والكالسيوم والبوتاسيوم والفوسفور والمغنيسيوم والزنك وبعض الفيتامينات مثل الرايبوفلافين (بي 2) والنياسين (بي 3) والبيريدوكسين (بي 6) والكوبالامين (بي 12). ونتيجة لعملية التخمر يتغير محتوى بعض الفيتامينات في اللبن الرائب نتيجة لعدة ظروف مثل الحموضة وعمليات البسترة والفلترة ونوع البكتيريا المستعملة، ومن أبرز الأمثلة على تغير محتوى الفيتامينات هو (ب 12)، حيث تستعمل بكتيريا حمض اللبن هذا الفيتامين للنمو، فيقل محتواه في اللبن الرائب، وفي المقابل فإن فيتامين حمض الفوليك يزداد بفعل بكتيريا التخمر، ويعتمد مدى الزيادة على نوع البكتيريا.
سكر اللاكتوز: يعد الحليب ومنتجات الألبان مصدرًا أساسياً لسكر الحليب الثنائي (اللاكتوز)، تفرز البكتيريا الإنزيم المحلل لللاكتوز (Lactase)، وتنبع الأهمية الغذائية لهضم اللاكتوز جزئياً في التخفيف من حدة أعراض حالة عدم تحمل سكر اللاكتوز المتمثلة بانتفاخ البطن وآلامه والإسهال عند تناول الحليب، والتي تصيب عددًا كبيرًا من الناس في المنطقة العربية بسبب نقص وراثي لهذا الإنزيم. الأمر الذي يفسر قدرة هذه الفئة من المصابين على تحمل اللبن الرائب أكثر من الحليب الطازج، كما أشارت بعض الدراسات إلى تحسن قدرة هؤلاء المرضى على تحمل كميات كبيرة من هذا السكر تم إضافتها إلى اللبن الرائب، بالمقارنة مع نفس الكمية في الحليب العادي، مما يشير إلى وجود مركبات أخرى في اللبن الرائب، عدا هذا الإنزيم، تسهم في تحسين حالة التحمل لهذا السكر الثنائي.
البروتين: يحتوي اللبن الرائب على كمية من البروتين أعلى قليلاً من تلك الموجودة في الحليب الطازج، وذلك بسبب إضافة كمية من الحليب الجاف منزوع الدسم خلال عملية تصنيع اللبن الرائب، مما يزيد من محتوى البروتين في المنتج النهائي. وأشارت بعض الدراسات إلى أن بروتين اللبن الرائب أسهل هضماً من بروتين الحليب الطازج، وذلك بسبب عملية الهضم الأولي للبروتين التي تقوم بها بكتيريا حمض اللبن، ومما يؤكد صحة هذا الأمر زيادة محتوى اللبن الرائب من الأحماض الأمينية الحرة وخاصة البرولين والجلايسين منها، بالمقارنة مع الحليب الطازج. وخلال عملية التخمر، تسهم المعاملة الحرارية وإنتاج الحمض في تخثر بروتين (الكازين)، وهو البروتين الأساسي في الحليب، مما يساعد في تحسين هضمية هذا البروتين بالمقارنة مع كازين الحليب غير المتخثر.
الدهون: خلال عملية التخمر تحصل تغيرات طفيفة على محتوى اللبن الرائب من الدهون، حيث تقوم بكتيريا حمض اللبن بإفراز الإنزيم المحلل للدهون (Lipase)، فيزداد تبعاً لذلك محتوى اللبن الرائب من الأحماض الدهنية الحرة، ولعل أبرز ما يميز اللبن الرائب من الناحية الغذائية والصحية، احتواؤه على كمية أعلى من الأحماض الدهنية المقترنة مع نوع لينولييك Conjugated linoleic acid (CLA) بالمقارنة مع الحليب، إذ تشير البحوث إلى قدرة هذه الأحماض الدهنية المقترنة على تحفيز المناعة ومقاومة السرطان، حيث أكدت دراسة علمية أجريت على خلايا سرطان الثدي والقولون قدرة هذه المركبات على تثبيط ومنع نمو الخلايا السرطانية.
العناصر المعدنية: يعد اللبن الرائب مصدراً مميزًا للكالسيوم والفوسفور، حيث يعد الحليب واللبن الرائب والأجبان أهم المصادر الغذائية لهذه العناصر المعدنية في وجباتنا الغذائية. وتنبع أهمية الكالسيوم من حقيقة كونه المكون الأساسي للعظام والأسنان. في اللبن الرائب، ونتيجة لانخفاض قيمة درجة الحموضة pH وخلال عملية التخمر تتميز عناصر الكالسيوم والمغنيسيوم بوجودها على الشكل الأيوني الحر وغير المرتبط، مما يحسن من امتصاصها والاستفادة منها.
التأثيرات الصحية للبن الرائب:
تشير نتائج العديد من الدراسات إلى أن تناول الحليب ومنتجات الألبان عموماً (ومن أهمها اللبن الرائب) بشكل منتظم يومياً، يسهم بشكل واضح وملموس في خفض معدل الإصابة بارتفاع ضغط الدم والجلطة القلبية، وتعزو الدراسات ذاك التأثير الوقائي إلى ارتفاع محتوى الحليب ومنتجاته من العناصر المعدنية الثلاثة: الكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم، والتي يسهم تواجدها بشكل متوازن ومتناسق في منتجات الحليب في الحد من الإصابة بتلك الأمراض، كما يسهم تدني محتوى هذه المنتجات من الصوديوم في تفعيل هذا الدور الوقائي. ويفسر الباحثون التأثير الإيجابي في منع الجلطة من خلال آليات عدة مقترحة مثل منع تجلط الدم وتجمع الصفائح الدموية والتقليل من مقاومة الأنسولين في الخلايا.
المحفزات الحيوية (Probiotics) واللبن الرائب:
ويتزايد الاهتمام العلمي في الوقت الراهن باللبن الرائب ومنتجات الألبان المخمرة الأخرى نتيجة لبروز وتطور علم الأغذية الوظيفية، والتي من أهمها المحفزات الحيوية أو ما يعرف ب (Probiotics) وتعرف المحفزات الحيوية على أنها أحياء دقيقة حية يتم تزويدها من خلال الأغذية وتعمل على تحسين التوازن الميكروبي في الأمعاء من خلال زيادة عدد البكتيريا النافعة مقابل البكتيريا الضارة الموجودة فيها، ويعتقد أن لها خصائص حيوية فسيولوجية وتأثيرات بيوكيميائية إيجابية لصحة الإنسان. ويتميز اللبن الرائب باحتوائه على نوعين أساسيين من البكتيريا النافعة (المحفزات الحيوية) هما نوعي بكتيريا حمض اللبن اللتان تستعملان في تصنيع اللبن الرائب وهما (Lactobacillus and Streptococcus) كما يمكن استعمال أنواع أخرى من المحفزات الحيوية في تصنيع اللبن الرائب مثل (Bifidobacteria) حتى أصبح يطلق عليه اسم اللبن الرائب الحيوي (Bioyogurt).
ومع تطور البحث العلمي المتعلق باللبن الرائب، أظهرت الدراسات العلمية جملة من الفوائد والتأثيرات الصحية الإيجابية لهذا المنتج:
- التخفيف من حدة أعراض مرض عدم تحمل سكر الحليب (اللاكتوز).
- الوقاية من سرطان القولون.
- التقليل من الإصابة بالإسهال والتخفيف من فترته وحدته.
- الوقاية والتخفيف من أعراض أمراض التهاب القولون المزمن مثل داء كرون واتهاب القولون التقرحي المزمن.
- التخفيف من حدة الإصابة بنزلات البرد والرشح الشتوي.
- التخفيف من حدة الإصابة بالقرحة الهضمية.
- التخفيف من الحساسية لبروتين الحليب.
ختامًا، فإننا نوصي بالإكثار من تناول هذا اللبن لما له من فوائد علمها من علمها وجهلها من جهلها، كما نوصي بالمزيد من الأبحاث حول هذا المكون الذي قال فيه رسولنا الكريم داعيا (اللهم زدنا منه).
المصادر:

إرسال تعليق