اتفاقية كامب ديفيد عبارة عن اتفاقية تم التوقيع عليها في 17 سبتمبر 1978 م بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل الراحل مناحيم بيغن بعد 12 يوما من المفاوضات في المنتجع الرئاسي كامب ديفيد في ولاية ميريلاند القريب من عاصمة الولايات المتحدة واشنطن. كانت المفاوضات والتوقيع على الاتفاقية تحت إشراف الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر. نتج عن هذه الاتفاقية حدوث تغييرات على سياسة العديد من الدول العربية تجاه مصر بسبب ما وصفه البعض بتوقيع السادات على اتفاقية السلام دون المطالبة «بتنازلات» إسرائيلية دون المطالبة باعتراف إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتم تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية من عام 1979 إلى عام 1989 م نتيجة التوقيع على هذه الاتفاقية ومن جهة أخرى حصل الزعيمان مناصفة على جائزة نوبل للسلام عام 1978 م بعد الاتفاقية حسب ماجاء في مبرر المنح «للجهود الحثيثة في تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط».
قبل التوقيع
أدت حرب أكتوبر وعدم التطبيق الكامل لبنود القرار رقم 338 والنتائج الغير مثمرة لسياسة المحادثات المكوكية التي إنتهجتها الخارجية الأمريكية والتي كانت عبارة عن إستعمال جهة ثالثة وهي الولايات المتحدة كوسيط بين جهتين غير راغبتين بالحديث المباشر والتي كانت مثمثلة بالعرب و إسرائيل , أدت هذه العوامل الى تعثر وتوقف شبه كامل في محادثات السلام ومهدت الطريق الى نشوء قناعة لدى الإدارة الأمريكية المتمثلة في الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر بإن الحوار الثنائي عن طريق وسيط سوف لن يغير من الواقع السياسي لمنطقة الشرق الأوسط.
في إسرائيل طرأت تغييرات سياسية داخلية متمثلة بفوز حزب الليكود في الإنتخابات الإسرائيلية عام 1977 وحزب الليكود كان يمثل تيارا أقرب الى الوسط من منافسه الرئيسي حزب العمل الإسرائيلي الذي هيمن على السياسة الإسرائيلية منذ المراحل الأولى لنشوء دولة إسرائيل وكان الليكود لايعارض فكرة إنسحاب إسرائيل من سيناء ولكنه كان رافضا لفكرة الإنسحاب من الضفة الغربية .
في إسرائيل طرأت تغييرات سياسية داخلية متمثلة بفوز حزب الليكود في الإنتخابات الإسرائيلية عام 1977 وحزب الليكود كان يمثل تيارا أقرب الى الوسط من منافسه الرئيسي حزب العمل الإسرائيلي الذي هيمن على السياسة الإسرائيلية منذ المراحل الأولى لنشوء دولة إسرائيل وكان الليكود لايعارض فكرة إنسحاب إسرائيل من سيناء ولكنه كان رافضا لفكرة الإنسحاب من الضفة الغربية .
تزامنت هذه الأحداث مع صدور تقرير معهد بروكنغس التي تعتبر من أقدم مراكز الأبحاث السياسية و الإقتصادية في الولايات المتحدة ونص التقرير على ضرورة اتباع “منهج حوار متعدد الأطراف” للخروج من مستنقع التوقف الكامل في حوار السلام في الشرق الأوسط .
الرئيس السادات في الكنيست قبل توقيع المعاهدة
من الجانب الآخر بدأ الرئيس المصري محمد أنور السادات تدريجيا يقتنع بعدم جدوى القرار رقم 338 بسبب عدم وجود إتفاق كامل لوجهات النظر بينه و بين الموقف الذي تبناه حافظ الأسد والذي كان أكثر تشددا من ناحية القبول بالجلوس على طاولة المفاوضات مع إسرائيل بصورة مباشرة. هذه العوامل بالاضافة الى تدهور الأقتصاد المصري وعدم ثقة السادات بنوايا الولايات المتحدة بممارسة اي ضغط ملموس على إسرائيل مهد الطريق لسادات للتفكير بأن على مصر أن تركز على مصالحها بدلا من مصالح مجموعة من الدول العربية وكان السادات يأمل الى إن اي اتفاق بين مصر و إسرائيل سوف يؤدي الى إتفاقات مشابهة للدول العربية الأخرى مع إسرائيل وبالتالي سوف يؤدي الى حل للقضية الفلسطينية.
ويعتقد معظم المحللين السياسيين إن مناحيم بيغن إنتهز جميع هذه العوامل وبدأ يقتنع إن إجراء مفاوضات مع دولة عربية كبرى واحدة أفضل من المفاوضات مع مجموعة من الدول وإن أي إتفاق سينجم عنه ستكون في مصلحة إسرائيل إما عن طريق السلام مع أكبر قوة عسكرية عربية أو عن طريق عزل مصر عن بقية العالم العربي. إستنادا الى الرئيس المصري محمد حسني مبارك في حواره مع الإعلامي عماد أديب في عام 2005 إن الراحل محمد أنور السادات إتخذ قرار زيارة إسرائيل بعد تفكير طويل حيث قام السادات بزيارة رومانيا و إيران و السعودية قبل الزيارة و صرح في خطاب له أمام مجلس الشعب انه “مستعد أن يذهب اليهم في اسرائيل” وقام ايضا بزيارة سوريا قبيل زيارة إسرائيل وعاد في نهاية اليوم بعد ان حدثت مشادة كبيرة بينه والسوريين لأنهم كانوا معترضين علي الزيارة وإستنادا الى إبراهيم نافع فإن الرئيس الروماني شاوشيسكو قد قال “بأن مناحيم بيغن بلا شك صهيوني وصهيوني جدا, ولكنه رجل سلام, لأنه يعرف ماهي الحرب. ولكنه أيضا يريد أن يترك اسمه علامة في تاريخ الشعب اليهودي . .
المحادثات
وصل الوفدان المصري و الإسرائيلي إلى كامب ديفيد يوم 5 سبتمبر 1978 . في اليوم الأول من المحادثات قدم السادات أفكاره عن حل القضية الفلسطينية بجميع مشاكلها متضمنة الإنسحاب الإسرائيلي من الضفة و غزة و حلول لقضية المستوطنات الإسرائيلية وإستنادا إلى مبارك فإن السادات لم يركز في محادثاته كما يعتقد البعض على حل الجانب المصري فقط من القضية . حاولت الإدارة الأمريكية إقناع الجانبين أن يتجنبوا التركيز على القضايا الشائكة مثل الإنسحاب الكامل من الضفة الغربية و غزة و يبدؤا المناقشات على قضايا أقل حساسية مثل الإنسحاب الإسرائيلي من سيناء .
كان الهيكل العام للمحادثات التي إستمرت 12 يوما تتمحور على ثلاثة مواضيع رئيسية :
- الضفة الغربية و قطاع غزة: إستند هذا المحور على أهمية مشاركة مصر و إسرائيل و الأردن و ممثلين عن الشعب الفلسطيني في المفاوضات حول حل هذه القضية التي إقترحت الولايات المتحدة إجراءات إنتقالية لمدة 5 سنوات لغرض منح الحكم الذاتي الكامل لهاتين المنطقتين وإنسحاب إسرائيل الكامل بعد إجراء إنتخابات شعبية في المنطقتين و نص الإقتراح ايضا على تحديد آلية الإنتخابات من قبل مصر و إسرائيل و الأردن على أن يتواجد فلسطينيون في وفدي مصر و الأردن.
حسب الإقتراحات في هذا المحور كان على إسرائيل بعد الإنتخابات المقترحة ان تحدد في فترة 5 سنوات مصير قطاع غزة و الضفة الغربية من ناحية علاقة هذين الكيانين مع إسرائيل و الدول المجاورة الأخرى .
- علاقات مصر و إسرائيل: إستند هذا المحور على أهمية الوصول الى قنوات إتصال دائمية من ناحية الحوار بين مصر و إسرائيل وعدم اللجوء الى العنف لحسم النزاعات وإقترحت الولايات المتحدة فترة 3 أشهر لوصول الجانبين الى إتفاقية سلام.
- علاقة إسرائيل مع الدول العربية: حسب المقترح الأمريكي كان على إسرائيل العمل على إبرام إتفاقيات سلام مشابهة مع لبنان و سوريا و الأردن بحيث تؤدي في النهاية الى إعترافات متبادلة وتعاون إقتصادي في المستقبل .
شروط الإتفاقية
في 26 مارس 1979 وعقب محادثات كامب ديفيد وقع الجانبان على ما سمي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وكانت المحاور الرئيسية للإتفاقية هي إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بين مصر و إسرائيل و إنسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967 بعد حرب الأيام الستة وتضمنت الإتفاقية ايضا ضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس و إعتبار مضيق تيران و خليج العقبة ممرات مائية دولية . تضمنت الإتفاقية أيضا البدأ بمفاوضات لإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة و قطاع غزة والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 .
مفاعل ديمونة في إسرائيل لم تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيشها لحد هذا اليوم يرى بعض المحللين السياسيين إن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لم تؤدي على الإطلاق الى تطبيع كامل في العلاقات بين مصر و إسرائيل حتى على المدى البعيد فكانت الإتفاقية تعبيرا غير مباشر عن استحالة فرض الإرادة علي الطرف الآخر وكانت علاقات البلدين و لحد الآن تتسم بالبرودة و الفتور . كانت الإتفاقية عبارة عن 9 مواد رئيسية منها إتفاقات حول جيوش الدولتين و الوضع العسكري و علاقات البلدين وجدولة الإنسحاب الإسرائيلي و تبادل السفراء. يمكن قراءة المواد التسعة للإتفاقية على هذا الرابط .
يرى البعض إنه ولحد هذا اليوم لم ينجح السفراء الإسرائيليين في القاهرة ومنذ عام 1979 في إختراق الحاجز النفسي و الإجتماعي و السياسي و الثقافي الهائل بين مصر و إسرائيل ولاتزال العديد من القضايا عالقة بين الدولتين و منها :
- مسألة محاكمة مجرمي الحرب من الجيش الإسرائيلي المتهمين بقضية قتل أسرى من الجيش المصري في حرب أكتوبر والتي جددت مصر مطالبتها بالنظر في القضية عام 2003.
- إمتناع إسرائيل التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي .
- مسألة مدينة “أم الرشراش” المصرية والتي لاتزال تحت سيطرة إسرائيل ويطلق على المدينة إسم “إيلات” من قبل الإسرائيليين. حيث إن البعض مقتنع إن قريـة أم الرشراش أو إيلات قد تم إحتلالها من قبل إسرائيل في 10 مارس 1949 وتشير بعض الدراسات المصرية أن قرية أم الرشراش أو إيلات كانت تدعى في الماضي (قرية الحجاج) حيث كان الحجاج المصريون المتجهون إلى الجزيرة العربية يستريحون فيها .
- قضية الأموال التي تعتبرها مصر “أموال منهوبة” نتيجة إستخراج إسرائيل للنفط في سيناء لمدة 6 سنوات .
ردود الفعل العربية
إستنادا الى مقال نشر في جريدة “القدس العربي” اللندنية فإن العرب لم يكونوا الوحيدين المقتنعين بان الإتفاقية كانت وحسب التعبير السائد آنذاك تفريط في منجزات النصر العسكري العربي في حرب أكتوبر و تركيز السادات على إسترجاع سيناء على حساب القضية الفلسطينية , فقد تلقى السادات إنتقادات من الاتحاد السوفيتي و دول عدم الانحياز و بعض الدول الأوروبية , ففرانسوا بونسيه سكرتير عام الرئاسة الفرنسية في عهد الرئيس جيسكار ديستان قال لبطرس بطرس غالي في قصر الإليزيه ناصحاً قبل ان توقع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل: “إذا لم تتمكن من الوصول إلي اتفاق بشأن الفلسطينيين قبل توقيع المعاهدة المصرية الإسرائيلية فكن علي ثقة من انك لن تحصل لهم علي شيء فيما بعد من الإسرائيليين” , وحسب نفس المصدر فان الفاتيكان كان على إعتقاد بان السادات ركز بالكامل اهداف مصر و أهمل القضايا العربية الجوهرية الأخري.
على الصعيد العربي كان هناك جو من الإحباط و الغضب لأن الشارع العربي كان آنذاك لايزال تحت تأثير افكار الوحدة العربية وافكار جمال عبد الناصر وخاصة في العراق و سوريا و ليبيا و الجزائر و اليمن الجنوبي , وإعتبر البعض الإتفاقية منافية لقرار الخرطوم في 1 سبتمبر 1967 والذي تم بعد هزيمة حرب الأيام الستة وإشتهر بقرار اللاءات الثلاث حيث قرر زعماء 8 دول عربية انه لا سلام مع إسرائيل و لا إعتراف بدولة إسرائيل و لا مفاوضات مع إسرائيل. وحتى في الشارع المصري طالب المثقفون المصريون امثال توفيق الحكيم و حسين فوزي و لويس عوض الى الأبتعاد عن ” العروبية المبتورة ” التي لاترى العروبة إلا في ضوء المصلحة المصرية فقط .
ويرى البعض إن الإتفاقية كانت في صالح إسرائيل كليا حيث تغير التوازن العربي بفقدان مصر لدوره المركزي في العالم العربي وفقد العالم العربي اكبر قوة عسكرية عربية متمثلة بالجيش المصري وادى هذا بالتالي الى نشوء نوازع الزعامة الأقليمية والشخصية في العالم العربي لسد الفراغ الذي خلفه مصر وكانت هذه البوادر واضحة لدى القيادات في العراق و سوريا فحاولت الدولتان تشكيل وحدة في عام 1979 ولكنها انهارت بعد اسابيع قليلة و قام العراق على وجه السرعة بعقد قمة لجامعة الدول العربية في بغداد في 2 نوفمبر 1978 ورفضت اتفاقية كامب ديفيد وقررت نقل مقر الجامعة العربية من مصر وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها وشاركت بهذه القمة 10 دول عربية و منظمة التحرير الفلسطينية وعرفت هذه القمة باسم ” جبهة الرفض “.
وفي 20 نوفمبر 1979 عقدت قمة تونس العادية وأكدت على تطبيق المقاطعة على مصر. وازداد التشتت في الموقف بعد حرب الخليج الأولى إذ انضمت سوريا و ليبيا الى صف إيران و حدث اثناء هذا التشتت غزو اسرائيل للبنان في عام 1982 بحجة إزالة منظمة التحرير الفلسطينية من جنوب لبنان وتمت محاصرة للعاصمة اللبنانية لعدة شهور ونشات فكرة “الإتحاد المغاربي” الذي كان مستندا على اساس الإنتماء لأفريقا وليس الإنتماء للقومية العربية .
إرسال تعليق