لماذا اخترنا هذا المشهد؟ –
إن رافائيل المتشبع بعقلانية عصر النهضة الغربي (ق 14-15م)، فهم فهما جيدا الفرق الفلسفي القائم بين أفلاطون وأرسطو. من هنا حاول أن يشخص لا مضمون فلسفة كل واحد منهما (مثالية أفلاطون، ونزعة أرسطو المادية) فحسب، بل موقع كل واحد منهما بالنسبة إلى الضمير الفلسفي الغربي أنذاك
.
:فلسفتا أفلاطون وأرسطو من خلال هيئتهما –
أ- أصبع أفلاطون متجهة إلى السماء (الحقيقة في السماء، في « عالم المثل » مفهوما فهما مسيحيا). بينما يد أرسطو تتجه إلى الأرض مفتوحة رمز التوجه المادي في المعرفة والأخلاق والسياسة، وكذلك رمز الاعتدال والتسامح الذي طالبت به بورجوازية عصر النهضة
ب- كل واحد منهما يحمل كتابا: كتاب أفلاطون، محاورة طيماوس، وكتاب أرسطو، كتاب الأخلاق.
كيف نفهم هذا الاختزال؟ –
لقد كانت محاورة أفلاطون « طيماوس » تشتمل على نظرية الصنع وفكرة الإله الصانع كقوة تتدخل في مجرى الأحداث وفي خلق الظواهر الطبيعية (رغم اختلافها مع تعاليم المسيحية، فإن هذا الاختلاف لم يكن تناقضا، فهم الإله الصانع كمرادف للعناية الإلهية). من هنا كانت « طيماوس » سلاحا فلسفيا مثاليا في يد رجال اللاهوت المسيحي ضد المادية والتجريبية أنذاك، في الوقت الذي غيبوا فيه مؤلفات أفلاطون السياسية (« محاورة القانون »، و »محاورة الجمهورية »)، التي كانت تحمل برنامجا مناقضا للتنظيم الإقطاعي للمجتمع، هو التنظيم الشيوعي (بالمعنى الأفلاطوني)، الذي يفرض سيطرة الفيلسوف والفلسفة على السلطة، من هنا تغييب رافائيل لتلك المؤلفات، وإبرازه لمحاورة طيماوس
أما أرسطو فكان في عصر النهضة الغربية، الشعار السياسي للبورجوازية الناشئة ضد الإقطاع والكنيسة، وكانت كتبه الأخلاقية مدخلا إلى نظريته في السياسة، أما مبادؤه السياسية الأساسية التي اعتمدت عليها البورجوازية في صراعها ضد الإقطاع فهي: الحرية- الديموقراطية- فكرة القانون والدستور. كانت حاجة البورجوازية إلى سياسة أرسطو أكبر من حاجتها إلى نظرياته الميتافيزيقية والعلمية (التي كانت منتقدة في ميدان العلم التجريبي الناشئ، لكونها تشكل عائقا أمام تقدم معرفة الطبيعة، حيث تفسر الظواهر الطبيعية تفسيرا كيفيا لا كميا). وكما غيب رجال اللاهوت الكتب السياسية لأفلاطون، غيبت البورجوازية مؤلفات أرسطو العلمية والميتافيزيقية للسبب الذي ذكرناه، رافائيل يعكس لنا هذا التغييب بإبرازه لكتاب الأخلاق في يد أرسطو
إرسال تعليق