U3F1ZWV6ZTM1MDgwNzg5ODg1MDQyX0ZyZWUyMjEzMTk5NTcyNTU4MA==

معركة المصحف في العالم الإسلامي للشيخ محمد الغزالي:

الحجم
كتاب معركة المصحف في العالم الإسلامي يحكي لنا المفهوم الصحيح لفكرة تحكيم الشريعة، ويوضح الأسباب التي أدّت بالحكم الإسلامي لهذا المنحدر شديد الخطورة، ثم يوضح أيضًا كيف السبيل للنهوض مرة أخرى.
بالطبع الكتاب للشيخ الغزالي. الشيخ الغزالي المعاصر وليس القديم. ومن يعرف مؤلفات الشيخ الغزالي، فسيلاحظ أنه دومًا يسلط الضوء على عنصر شديد الحيوية والأهمية في حياة الأمة: أسباب الضعف + طرق العلاج. وعلى هذا المنوال يسير الغزالي في معظم مؤلفاته. كلماته مختصرة، معانيه بليغية، تركيزه مرتفع، فتخرج من كل كتا تقرأه له بفكرة واحدة، ولكن متوغلة في ذهنك بشكل مميز.

نُبذة عن الشيخ الغزالي مؤلف كتاب معركة المصحف في العالم الإسلامي



غلاف كتاب معركة المصحف في العالم الإسلامي

كثيرٌ من الناس يعرف من هو الشيخ محمد الغزالي، أو على الأقل سمع عنه، فهو من كبار المفكرين والمُصلحين في العصر الحديث، وقد أفنى عمره –رحمه الله – في الدعوة إلى الله بكل وسيلة يُسٍّرَت له في أي مكان من بلاد العالم، وقد تقلد مناصب عديدة سواء في الأزهر أو الأوقاف، أو في الجزائر والسعودية وغيرها من بلاد العالم.
حُقّ لنا أن نفتخر بأنه ينتسب إلى بلادنا وأزهرنا، فهو من مواليد محافظة البحيرة (1335هـ – 1917م)، وقد تلقى تعليمه في الأزهر، ثم تخرج من كلية أصول الدين بالقاهرة، ثم ترقى في المناصب المتعددة الدعوية والإدارية حتى صار وكيلا لوزارة الأوقاف، وقد وافته منيته في جدّة (1416هـ – 1996م)، ودُفن بالبقيع كما أوصى، رحمه الله رحمة واسعة.
كان يصدع بالحق لا يخاف في ذلك أحدًا، وقد تعرض بسبب ذلك لكثير من الاعتقالات. تتميز كتاباته بأسلوب ندي روحاني، ولغة أدبية رصينة حتى لقبه الأستاذ حسن البنا – رحمه الله – بأديب الدعوة؛ ونحن الآن على موعد مع أحد كتبه الفكرية المُمَيزة، والتي كانت سببًا في غضب الأنظمة الحاكمة.

نظرة عامة على كتاب معركة المصحف في العالم الإسلامي

هناك رسالة بعنوان مُشابه لعنوان هذا الكتاب، وهي بعنوان “معركة المصحف – أين حكم الله؟”، للأستاذ الإمام حسن البنا –رحمه الله – والشيخ الغزالي كان من المتأثرين جدًّا بفكر الإمام، وكثيرًا ما يستمع لنصائحه، ويأخذ بمشورته، ومن الراجح جدًّا أنه استخلص عنوان كتابه من عنوان رسالة الإمام عليهما رحمات الله.
الكتاب يقع تقريبا في 250 صفحة من القطع المتوسط، مُقسّمٌ إلى خمسة فصول، تحت كل فصل عدد من العناوين الفرعية المُرقَمة.
الكتاب من منشورات دار القلم – دمشق، لصاحبها الأستاذ محمد علي دولة –رحمه الله – وقد زوّد الكتاب بتعليقات في الحواشي تدعم الفكرة أو الموضوع الذي يتكلم فيه المؤلف، وفي بعضها نقض أو تقويم لما ذكره المؤلف، وقد رمز رحمه الله لحاشيته بأن وضع في نهايتها (ن)، لكي تتميز عن حاشية المؤلف.
سيجد كل قارئ للكتاب، بأن الشيخ -رحمه الله- لخص الشريعة كلها في المصحف، ثم بدأ يتكلم عن تعامل الشعوب والأنظمة الحاكمة مع هذه الشريعة (المصحف).
كتاب معركة المصحف في العالم الإسلامي كعادة كتب الفكر السياسي وخصوصًا الإسلامي، يحتاج إلى تركيز أثناء القراءة وربط معاني الفقرات ببعضها ليصلك المفهوم كما أراده مؤلفه، وإذا تشتت القارئ أثناء القراءة سيتوه، ويضطر أن يرجع لبداية الفقرة أو الفصل في بعض الأحيان.
استشهد المؤلف بالقرآن والسنة وأقوال الصحابة والتابعين، وقد نقل كذلك عن كثير من الكُتّاب والعلماء والحكماء على اختلاف مللهم، ويستشهد بما ذكروه من حقائق ويُعَضِّد بها قوله، فالحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها.
لغة الكتاب أدبية سهلة رصينة مفهومة، فالكاتب له باع طويل في الدعوة ومخاطبة الناس على اختلاف ثقافاتهم.

ملخص كتاب معركة المصحف في العالم الإسلامي

في بداية الكتاب مقدمة فريدة من نوعها، تكلم فيها المؤلف عن المدنية والتطور والتكنولوجيا، ونظر الحياة في عين هؤلاء الماديين غير المؤمنين بالله، ثم في نظرنا نحن معشر الموحدين المؤمنين بالله. بالطبع الفارق بين النظرتين كبير، إذ أنهم يرون أن الحياة وتطورها هي خلاصة الوجود الإنساني وألِفُهُ وياءُه، لكننا – نحن المؤمنين – نراها مقدمة لحياة أكبر تعقبها، يقينًا.
ثم شرع المؤلف يُفرق بين ما قد يقع من لبس في أذهان بعض القراء، بأن (تحكيم المصحف) في كل مناحي الحياة ستكون نتيجته كما حدث في العصور الوسطى من انتهاك الكنيسة لكل حُرُمات العقل والنفس والبشرية، ويعقب على ذلك بأنه يكره بل يلعن جمود العقل، واستغلاق النفس، ويستنكر عودة الإنسانية إلى حياة تنتقص ذرة من حرية العقل والضمير، أو تقف حجر عثرة أمام سعي الإنسان إلى غزو المجهول. ثم يلخص هذه الفكرة فيقول في المقدمة:
“إن اليوم الآخر شطرٌ من حقيقة الإيمان، وإن الإعدادَ لما بعد الحياة الدنيا حقٌ تتيهُ عنه الآن أعدادٌ هائلةٌ من أبناء آدم! وإن هذا الإعداد يتطلَّبُ أن يُشَكِّل الناس أخلاقهم ومسالكهم وِفْقَ مُرادِ الله منهم، لا وِفق ما يشتهون.”
الفصل الأول: المصحف للنفس والمجتمع والدولة
عند استعراض ما كُتب تحت هذا العنوان، نجده يؤصل لفكرة مهمة وخطيرة، وهي: أن هذا المصحف ليس مجرد كتاب مواعظ وعبر، يحكي قصصا يتسلى بها الناس، بل هو كتابٌ يحوي منهجًا ينتظم الحياةَ العامةَ والخاصة، حياةَ المجتمع البشري في أوسع دوائره، وكذلك حياة النفس الإنسانية في أعمقِ أغوارها.
في خلال هذا الفصل ينقض فكرة (دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله)، فالكل (النفس والمجتمع والنظام الحاكم) يرتبط بميثاق واحد، لا انفصال في الإسلام بين الحياة الفردية، والكيان الاجتماعي العام.
يقول المؤلف ص14 تحت عنوان (العبادات وسلطان الدولة):
شرائع الإسلام للوصاية على الضمير، مثلُ شرائعه في تنظيم البيت، مثلُ شرائعه في إقامة العدل السياسي والاجتماعي عند بناء الدولة، هذه وتلك تَنْبَجِسُ من ينبوع واحدٍ، وتنساق إلى غاية واحدة، وأي شللٍ يصيبُ بعضها فهو ممتدٌ اليوم أو غدًا إلى البعض الآخر، ثم هو نذيرٌ بفناءِ الجميع بعد حين.”
ثم يتكلم عن هذه الفكرة ويدعمها بالأدلة الشرعية والعقلية، مع استشهاد بالتاريخ، تحت عنوان: (اللون الإسلامي للدولة).
وتحت العنوانين التاليين: (إسلام في ظل الشيوعية!)، (إسلام في ظل الصهيونية!)،يتكلم عما حدث للحكم الإسلامي في ظل الشيوعية، وأثر ذلك على الشعب والدولة. ثم في ظل الصهيونية كذلك. ثم ما (بين الإسلام والمسيحية)، وما هي الطرق التي لجأ إليها الاستعمار الصليبي لمحاولة الإجهازِ على الإسلام.
ثم في نهاية الفصل يتكلم عن (طبيعة الإسلام)، وتقصير الشعوب المسلمة في حقه، وبعد ذلك يتكلم عن المدنية، تحت عنوان: (الحكم المدني)، ويتكلم عن علاقتها بالإسلام، وهل الإسلام يُقر هذه المدنية أم لا. يُفصِّل بأسلوب بديع نظرة المدنية للإسلام، وكذلك نظرة الإسلام للمدنية.
الفصل الثاني: مسير الإسلام بين المجتمع والدولة
في بداية الفصل يستشهد بالتاريخ، كيف عاش المسلمون في ظلِّ الإسلام وهم أنضرَ أهل الأرض عَيشًا، وأرقاهم فكرًا، وأعلاهم مستوًى.
ثم بين متى بدأ يظهر الانحراف في شكل الحكم، وكيف زاد حتى اتسع وأصبحت الفجوة كبيرة، وأسباب هذا الانحراف، وكيف اطّرد. ثم كيف استقر النظام الملكي، وكيف تقبله الناس، وبدأ يذكر نماذج متعددة من التاريخ ليبين السلوك الذي سار عليه ملوكُ المسلمين في التعامل مع رعاياهم.
(نتائج مرفوضة) هو عنوان فرعي داخل الفصل الثاني، يستنكر فيه المؤلف الأساليب الشنيعة لتولي الحكم، والتي ظهرت في القرون المتأخرة.
ثم شرع بعد ذلك في بيان كيف أن الأمة الإسلامية تُغطي قصور الحكم في كل الميادين، بل تنقض وتعارض ما يرتكبه الحاكم من أخطاء تضر بالمجتمع والدولة.
(شرف مجهول) هو آخر عنوان فرعي في هذا الفصل، يتحدث فيه المؤلف عن المقاومة الإسلامية للغزو الاستعماري الحديث، وقصد تغطيتها وإهالة التراب عليها، ثم يبين لنا أنموذجًا من هذه لمقاومة متمثلاً في الشيخ المجاهد عمر المختار، رحمه الله.


مقتطفات من كتاب معركة المصحف
مقتطفات من كتاب معركة المصحف

يختم الفصل الثاني بهذه الكلمات:
“إن معركة المصحف في مرحلتها الأولى انتهت بسقوط الأمة الإسلامية المفرِّطة الواهِنةِ في بَراثنِ عدوّها.
…. لكن الحربَ سِجالٌ “وتلك الأيام نُداولها بين الناس …”
الفصل الثالث: نحو تجديد الإسلام وتحرير أمته
يقول المؤلف ص102:
“إن تجديد الإسلام ليسَ أكثر من تجلية حقائقه الأصلية، وتجريد التراث السماوي من الشوائب العارضة، وتمكين الأحرار والعقلاء من اعتناقه عن إعجابٍ ورغبةٍ.”
 ثم أخذ يشرح كيف يتم هذا التجديد من خلال نقاط محددة، ومشروحة في ثنايا الفصل. من ضمن هذه النقاط تكلم عن الصفات التي ينبغي تكاملها لدى المصلحين (المُجددين) الذين حملوا على عاتقهم هم النهوض بهذا الدين من جديد.
تكلم أيضًا في هذا الفصل عن المؤامرات التي حِيكَت ضد الأزهر، وذكر ما قاله اللورد كرومر بنفسه عن الأساليب التي اتخذوها لتعويق الأزهر أو هدمه. وتكلم كذلك عن التاريخ الأسود للكنيسة في الحكم وما خلفته من آثار مدمرة مُهلكة.
الفصل الرابع: في سلم النهوض


المقصود برجال الإسلام-كتاب معركة المصحف
المقصود برجال الإسلام-كتاب معركة المصحف

كيف يتم الإصلاح، وكيف نبدأ النهوض؟
في هذا الفصل الماتع يضع المؤلف الأُسس التي ينبغي السير عليها لكي نصل للهدف المنشود، عبر عن هذه الأُسس بالسلم، الذي نرتقي فيه من درجة لأخرى حتى نصل إلى أعلاه حيث مُبتغانا.
تكلم فيه عن الإصلاح السياسي وأنه صِنو إصلاح العقيدة، ثم تكلم عن التجديد والإصلاح في ميدان العلم، والسياسة كذلك.
تكلم أيضًا عن الحرية وكيف تم تحريف معناها، وتكلم كذلك عن تزوير المفاهيم. تكلم عن الاستعمار بأنواعه المختلفة، وكيف نتخلص من آثاره. ثم في نهاية الفصل يتكلم عن الحركات الإسلامية، والثورات وأُسُسها الإسلامية.
الفصل الخامس: الذين جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق
بهذا الفصل الجميل يُختتم ذلكم الكتاب الرائع، يتكلم فيه عن المأجورين الذين يُجادلون بكل باطل – بعقل أو بغير عقل – لهدم فكرة العودة إلى الإسلام مرة أخرى، ودعم ذلك بالأدلة. يتضح في هذا الفصل كيف أن الصليبية تحتضن الصهيونية، مع أنهم في الأصل أعداء ألِدّاء، لكنهم اتحدوا لأجل القضاء على الإسلام، ولن يكون.
ثم تكلم عن بعض الحدود التي يُشاع عنها أنها تحمل الغلظة والقسوة، والترهيب من الإسلام بسببها، مثل حد الزنا، وحد السرقة، وبين مدى اتساق شريعة الإسلام مع النفوس السويّة، والعقول النقيّة.
(حملة على تحكيم الإسلام) تحت هذا العنوان الفرعي يحكي المؤلف عن بعض المواقف التي تعرض لها وهو يدعوا لتحكيم دين الله في المجتمع، وخصوصا المخالفات التي انتشرت بين أوساط المسلمين، كشرب الخمر، وغيرها.
تكلم كذلك حول مركز المرأة في المجتمع، بكلام واضح مبين، لا يختلف عليه اثنان أبدًا، بل كلام يتعلم منه أرباب حرية المرأة كيف تُعامل المرأة، بل ستُنادي المرأة بنفسها أن تُعامل كما قال الإسلام.
في نهاية الفصل يستشهد بالأدلة القرآنية والنبوية ما يدعم المعاني السّامية، والتي تتناشدها كل الأنظمة والدساتير على اختلاف أنواعها ومللها، وتزعم بأنها تكفلها، وهي كاذبة. بل الذي يكفلها هو الإسلام؛ فيستدل على معنى الحرية، والعزة، والكرامة وتكريم الإنسان، ورفض الذل والمسكنة، والأخوة الإنسانية وعدم التفرقة بين الناس، وتكريم العمل والدفع إليه، وتكريم العلم ومن يعملون به، ….. وغير ذلك.
كل هذه المعاني الجليلة تكفلها شريعة العدل، شريعة الله.


لقظات من كتاب معركة المصف للشيخ الغزالي - قرأت لك
لقظات من كتاب معركة المصف للشيخ الغزالي – قرأت لك

رأيي الخاص في كتاب معركة المصحف في العالم الإسلامي للشيخ الغزالي

الكتاب جاء مختصرًا، وكان الأولى أن يكون مُفصَّلا. وربما هذا ما يريده الشيخ الغزالي لتشجيع أكبر شريحة من الناس على قراءته، ولكن الواقع يقول أنه كان من المفترض أن يعرض المنهج كاملاً، ويعالج القضايا الشائكة التي يتحجج بها المستشرقون والملحدون للتدليل على عدم فاعلية الإسلام كمنهج حياة.
كذلك الأسلوب الأدبي البليغ للشيخ الغزالي، أحيانًا يقف حجر عثرة أمام القاريء المتوسط، والقاريء البسيط، الذي يبحث عن معاني سهلة، وعبارات مباشرة، بعيدًا عن المعاني الضمنية. بالطبع لم يجنح الشيخ إلى هذا الأسلوب كثيرًا، ولكنه تعرض له في مواضع ليست قليلة.
الكتاب يحتاج إلى قراءة متمهلة، وورقة وقلم لكتابة الملاحظات، وطرح الأسئلة حول الأمور التي ينبغي التركيز عليها، أو التفصيل فيها.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة