سلسلة : مع الفيلسوف "جورج فريدريك هيجل "
أولاً : حياتهُ و أعمالهُ
- قال عنه قومٌ أنه "الفلسفة بلحمها و دمها" ، وقال عنه قومٌ آخرين أنه "القاتل الحقيقي للفلسفة" ، وأعلن البعض أنه "فيلسوف الفلاسفة" ، وقد شاء البعض أن يعدّه مجرد
"عالم لاهوتي". ونقول نحن أنه "الفيلسوف الأكثر تعقيداً"
والبحث في فلسفته أمر لا يخلو من إرهاق عقلي ، وسنحاول بقراءتنا المتواضعة أن نحوِّل ذلك الإرهاق إلى متعة فكرية ، متمنين أن يُكتَب لنا التوفيق في ذلك.
- فيلسوفنا الكبير وُلِد في مدينة "شتوتجارت" الألمانية ، في السابع والعشرين من شهر أغسطس عام ١٧٧٠. وقد انحدر من أسرة برجوازية كان عائِلها موظفاً في وزارة الخزانة. أما أمّه فكان لها التأثير الأكبر في حياته ، لاسيما في دراسته ، حيث أشرفت على دراسته عندما أرسله أبوه إلى المدرسة الألمانية وهو في الثالثة من عمره ، وهي التي زوَّدته بقواعد اللغة الألمانية عندما ألحقه والده بالمدرسة اللاتينية وكان له من العمر خمس عشرة عاماً ، وحتى عندما التحق بالمدرسة الثانوية فقد أشرفت على دراسته حتى بلغ الثامنة عشرة.
- ما كاد هيجل يبلغ السادسة عشرة من عمره حتى قام بترجمة كتاب "لونجيوس" "في الجلال" عن اليونانية ، وفي نفس العام قرأ "الإلياذة" و طالع "شيشرون" و "يوربيدس". في عام ١٧٨٦ شرع بترجمة "متن الأخلاق" ل "أبكتيتوس" ، وفي عام ١٧٨٨ طالع كتاب "الأخلاق" ل "أرسطو" وقرأ "أوديب في كولونا" ل "سوفوكليس".
- درس هيجل اللاهوت بمدرسة "توبنجن" ، وهناك تعرَّف على الشاعر المعروف "هلدرين" والفيلسوف الشهير ب "شلنج". وفي تلك الفترة قرأ كتب "روسو" وناقش كتاب "كانط" ( الدين في حدود العقل الخالص ). وفي عام ١٧٩٣ تخرّج من المعهد ، وأعلن عدم رغبته بأن يصبح قسيساً ، مفضِّلاً ممارسة مهنة التعليم ، واستكمال دراسته للفلسفة والآداب. وكانت هذه الفترة هي فترة تأثُّره الأكبر بالفيلسوف "إيمانويل كانط" حيث شكَّل كانط نقطة تحوّل هامة في تفكير هيجل ، ولا سيما في مجال الأخلاق ، وتحت ضغط هذا التأثير كتب هيجل الدراسات التي عُرفت فيما بعد باسم "كتابات الشباب".
هذه الكتابات اتسمت باتخاذ هيجل موقف الهجوم على الكنيسة ، وقد ذهب إلى أن الديانة المسيحية أثقلت كاهلها بالشرائع والتعاليم ، حتى غدت ديانة حزينة مُعتِمة. انتقل هيجل إلى "يينا" سنة ١٨٠١ ، وهناك شرع بدراسة فلسفة زميله "شلنج" ، ولم يلبث أن قدم أول عمل فلسفي نُشِر له في حياته ، وهو "الفرق بين نسق فشته ونسق شلنج". وكانت مرحلة "يينا" هي مرحلة عودة هيجل للاهتمام بالمشكلة الميتافيزيقية الكبرى التي طالما أرّقت فكره ، ألا وهي مشكلة تكوين نظرة كلية أو نسق شامل عن الوجود.
- في أكتوبر سنة ١٨٠٨ أصبح هيجل مديراً لمعهد "نورمبرغ" وقد ظل يمارس وظيفته هذه بأمانة حتى عام ١٨١٦ ، وكان فيلسوفنا خلال هذه الفترة يُشرف على تعليم الطلاب الألمان الثقافة اليونانية واللاتينية. وفي عام ١٨١١ ارتبط هيجل ب "ماريا فون توتشر" وكانت تبلغ من العمر عشرين عاماً فقط ، بينما كان هو قد بلغ الحادية والأربعين من عمره. وقد أنجب هيجل من هذه السيدة ولدين.
وفي ديسمبر عام ١٨١٧ تولى هيجل كرسي جامعة برلين خلفاً ل "فشته" وبدأ يلقي محاضراته هناك. ومن بين الكلمات التي وردت على لسانه في المحاضرة الافتتاحية له بجامعة برلين : "إن الشجاعة في الحق والإيمان بقدرة العقل ، لَهما الشرطان الضروريان لقيام الفلسفة ، ولمّا كان الإنسان في صميمه روحاً ( أو عقلاً ) فإن من حقه أن يعد نفسه أهلاً لأسمى مافي الوجود. ولكن مهما فعل الإنسان فإنه لن يستطيع أن يكوّن فكرة صحيحة عما ينطوي عليه عقله من عظمة وقدرة. ومع ذلك فإنه إذا آمن بسمو عقله ، فلن يستطيع شيء أن يقف في وجه هذا الإيمان".
- توالت إنجازات هيجل ، وقام بعدة زيارات خارج حدود
بلاده ، فتنقل بين بلجيكا وهولندا والنمسا والتشيك وفرنسا وغيرها. وفي صيف عام ١٨٣١ وبعد عودته إلى برلين انتشر وباء الكوليرا لأول مرة في المدينة ، وأصيب هيجل بالعدوى ، ولم يصمد أمام هذا المرض كثيراً ، فقد توفي بعد يومين فقط من إصابته ، وكان ذلك في الرابع عشر من نوفمبر سنة ١٨٣١. وكان موته حدثاً ضخماً لا يقل في ضخامته عن المكانة التي احتلها كفيلسوف عبقري وحكيم مبدع ، سطَّر في صفحات التاريخ الفكري آيات رائعة من العلم والمعرفة. وأهم ما تركه هيجل من مؤلفات ( مرتَّبة تاريخياً ) :
- الدين القومي والمسيحية.
- حياة يسوع.
- نقد ميتافيزياء الأخلاق والعادات عند كانط.
- روح المسيحية ومصيرها.
- دستور الدولة الألمانية.
- الفرق بين نسق فشته وشلينج.
- الإيمان والعلم.
- مقالة عن الحق الطبيعي.
- الفلسفة الواقعية ( فلسفة الطبيعة ).
- فلسفة الروح.
- فينومينولوجيا الروح.
- علم المنطق.
- الموسوعة.
- فلسفة الحقوق.
- الاستطيقا - علم الجمال.
- دروس عن فلسفة التاريخ.
- دروس عن تاريخ الفلسفة.
- فلسفة الدين.
__________________
📕 هيجل ( سلسلة في سبيل موسوعة فلسفية ) ، مصطفى غالب ، دار الهلال ، بيروت ، ١٩٨٥.
📕 هيجل أو المثالية المطلقة ، زكريا ابراهيم ، مكتبة مصر ، ٢٠١٠.
أولاً : حياتهُ و أعمالهُ
- قال عنه قومٌ أنه "الفلسفة بلحمها و دمها" ، وقال عنه قومٌ آخرين أنه "القاتل الحقيقي للفلسفة" ، وأعلن البعض أنه "فيلسوف الفلاسفة" ، وقد شاء البعض أن يعدّه مجرد
"عالم لاهوتي". ونقول نحن أنه "الفيلسوف الأكثر تعقيداً"
والبحث في فلسفته أمر لا يخلو من إرهاق عقلي ، وسنحاول بقراءتنا المتواضعة أن نحوِّل ذلك الإرهاق إلى متعة فكرية ، متمنين أن يُكتَب لنا التوفيق في ذلك.
- فيلسوفنا الكبير وُلِد في مدينة "شتوتجارت" الألمانية ، في السابع والعشرين من شهر أغسطس عام ١٧٧٠. وقد انحدر من أسرة برجوازية كان عائِلها موظفاً في وزارة الخزانة. أما أمّه فكان لها التأثير الأكبر في حياته ، لاسيما في دراسته ، حيث أشرفت على دراسته عندما أرسله أبوه إلى المدرسة الألمانية وهو في الثالثة من عمره ، وهي التي زوَّدته بقواعد اللغة الألمانية عندما ألحقه والده بالمدرسة اللاتينية وكان له من العمر خمس عشرة عاماً ، وحتى عندما التحق بالمدرسة الثانوية فقد أشرفت على دراسته حتى بلغ الثامنة عشرة.
- ما كاد هيجل يبلغ السادسة عشرة من عمره حتى قام بترجمة كتاب "لونجيوس" "في الجلال" عن اليونانية ، وفي نفس العام قرأ "الإلياذة" و طالع "شيشرون" و "يوربيدس". في عام ١٧٨٦ شرع بترجمة "متن الأخلاق" ل "أبكتيتوس" ، وفي عام ١٧٨٨ طالع كتاب "الأخلاق" ل "أرسطو" وقرأ "أوديب في كولونا" ل "سوفوكليس".
- درس هيجل اللاهوت بمدرسة "توبنجن" ، وهناك تعرَّف على الشاعر المعروف "هلدرين" والفيلسوف الشهير ب "شلنج". وفي تلك الفترة قرأ كتب "روسو" وناقش كتاب "كانط" ( الدين في حدود العقل الخالص ). وفي عام ١٧٩٣ تخرّج من المعهد ، وأعلن عدم رغبته بأن يصبح قسيساً ، مفضِّلاً ممارسة مهنة التعليم ، واستكمال دراسته للفلسفة والآداب. وكانت هذه الفترة هي فترة تأثُّره الأكبر بالفيلسوف "إيمانويل كانط" حيث شكَّل كانط نقطة تحوّل هامة في تفكير هيجل ، ولا سيما في مجال الأخلاق ، وتحت ضغط هذا التأثير كتب هيجل الدراسات التي عُرفت فيما بعد باسم "كتابات الشباب".
هذه الكتابات اتسمت باتخاذ هيجل موقف الهجوم على الكنيسة ، وقد ذهب إلى أن الديانة المسيحية أثقلت كاهلها بالشرائع والتعاليم ، حتى غدت ديانة حزينة مُعتِمة. انتقل هيجل إلى "يينا" سنة ١٨٠١ ، وهناك شرع بدراسة فلسفة زميله "شلنج" ، ولم يلبث أن قدم أول عمل فلسفي نُشِر له في حياته ، وهو "الفرق بين نسق فشته ونسق شلنج". وكانت مرحلة "يينا" هي مرحلة عودة هيجل للاهتمام بالمشكلة الميتافيزيقية الكبرى التي طالما أرّقت فكره ، ألا وهي مشكلة تكوين نظرة كلية أو نسق شامل عن الوجود.
- في أكتوبر سنة ١٨٠٨ أصبح هيجل مديراً لمعهد "نورمبرغ" وقد ظل يمارس وظيفته هذه بأمانة حتى عام ١٨١٦ ، وكان فيلسوفنا خلال هذه الفترة يُشرف على تعليم الطلاب الألمان الثقافة اليونانية واللاتينية. وفي عام ١٨١١ ارتبط هيجل ب "ماريا فون توتشر" وكانت تبلغ من العمر عشرين عاماً فقط ، بينما كان هو قد بلغ الحادية والأربعين من عمره. وقد أنجب هيجل من هذه السيدة ولدين.
وفي ديسمبر عام ١٨١٧ تولى هيجل كرسي جامعة برلين خلفاً ل "فشته" وبدأ يلقي محاضراته هناك. ومن بين الكلمات التي وردت على لسانه في المحاضرة الافتتاحية له بجامعة برلين : "إن الشجاعة في الحق والإيمان بقدرة العقل ، لَهما الشرطان الضروريان لقيام الفلسفة ، ولمّا كان الإنسان في صميمه روحاً ( أو عقلاً ) فإن من حقه أن يعد نفسه أهلاً لأسمى مافي الوجود. ولكن مهما فعل الإنسان فإنه لن يستطيع أن يكوّن فكرة صحيحة عما ينطوي عليه عقله من عظمة وقدرة. ومع ذلك فإنه إذا آمن بسمو عقله ، فلن يستطيع شيء أن يقف في وجه هذا الإيمان".
- توالت إنجازات هيجل ، وقام بعدة زيارات خارج حدود
بلاده ، فتنقل بين بلجيكا وهولندا والنمسا والتشيك وفرنسا وغيرها. وفي صيف عام ١٨٣١ وبعد عودته إلى برلين انتشر وباء الكوليرا لأول مرة في المدينة ، وأصيب هيجل بالعدوى ، ولم يصمد أمام هذا المرض كثيراً ، فقد توفي بعد يومين فقط من إصابته ، وكان ذلك في الرابع عشر من نوفمبر سنة ١٨٣١. وكان موته حدثاً ضخماً لا يقل في ضخامته عن المكانة التي احتلها كفيلسوف عبقري وحكيم مبدع ، سطَّر في صفحات التاريخ الفكري آيات رائعة من العلم والمعرفة. وأهم ما تركه هيجل من مؤلفات ( مرتَّبة تاريخياً ) :
- الدين القومي والمسيحية.
- حياة يسوع.
- نقد ميتافيزياء الأخلاق والعادات عند كانط.
- روح المسيحية ومصيرها.
- دستور الدولة الألمانية.
- الفرق بين نسق فشته وشلينج.
- الإيمان والعلم.
- مقالة عن الحق الطبيعي.
- الفلسفة الواقعية ( فلسفة الطبيعة ).
- فلسفة الروح.
- فينومينولوجيا الروح.
- علم المنطق.
- الموسوعة.
- فلسفة الحقوق.
- الاستطيقا - علم الجمال.
- دروس عن فلسفة التاريخ.
- دروس عن تاريخ الفلسفة.
- فلسفة الدين.
__________________
📕 هيجل ( سلسلة في سبيل موسوعة فلسفية ) ، مصطفى غالب ، دار الهلال ، بيروت ، ١٩٨٥.
📕 هيجل أو المثالية المطلقة ، زكريا ابراهيم ، مكتبة مصر ، ٢٠١٠.
إرسال تعليق