U3F1ZWV6ZTM1MDgwNzg5ODg1MDQyX0ZyZWUyMjEzMTk5NTcyNTU4MA==

الإنسان الأعلى ( المتفوق ) نيتشه :

الحجم

 الإنسان الأعلى ( المتفوق )

"الإنسان الأعلى هو شاغلي، وهو غايتي الأولى والوحيدة"
الإنسان الأعلى هو النقطة الأخيرة التي يريد نيتشه للإنسان أن يبلغها، ذلك أن الإنسان الذي نحن عليه الآن ماهو إلا وسيلة، وماهو إلا جسر عبور نحو تلك النقطة التي هي الإنسان الأعلى. فنيتشه يجعل الغاية من الإنسانية خلق الإنسان الأعلى، ومن أجل هذا كان لابد للقيم الجديدة التي نضعها أن تكون في خدمة إيجاد هذا النوع، وتهيئ لظهوره.
فمن هو الإنسان الأعلى ؟
هو الإنسان الحر الذي يحطم كل القيود، ويبدد الأوهام الثقيلة الخطيرة التي جاءت بها المذاهب الأخلاقية والدينية والفلسفية. ولم يعد يؤمن بالقيم التقليدية، وإنما يُحلِّق تحليقاً حراً دون خوف ولا وجل، فوق الناس والأخلاق و القوانين والتقويم التقليدي للأشياء. وهذه الحال تقتضي من الإنسان أيضاً، ألا يظل متعلقاً بشخص من الأشخاص، حتى لو كان هذا الشخص أحبّ الناس إليه، فكل شخص هو سجن، وألا يستمر متعلقاً بوطن معين، ولا بأي نوع من أنواع الشفقة والعطف. فالإنسان الأعلى هو فوق كل تقويم، وفوق كل ما يعتقده عامة الناس. ولا يعنيه إن قال الناس هذا خير وهذا شر، لأنه هو خالق القيم، فهو حر كل الحرية في أن يضع شرعة القيم التي يرتئيها، إن في الأخلاق أو السياسة أو الفلسفة.
لكن هذه الحرية لا تعني السير على الهوى، وترك العنان للحياة تسير كما تشاء. وإنما معنى هذه الحرية أن لا يأبه الإنسان للعناء والقسوة والحرمان، وأن تكون لغرائز الرجولة و النضال وحب الظفر، السيادة على الغرائز الأخرى. فالراحة و النعيم والهناء، وكل القيم المشابهة، ثقيلة على الإنسان الأعلى. ولذا فأن أبغض شيء إليه السلام، والحرب عنده أقدس الأشياء.
وحتى يظهر في بني الإنسان هذا النوع من الإنسانية الممتازة، ينبغي هدم جميع قيم العلو المتمثلة بالإله، وكأن الإنسان الأعلى هو إله قد هبط إلى الأرض، ولكن قد يسأل سائل : إذا كان نيتشه يرفض قيم العلو المتمثلة بالإله، فكيف يجعل من إنسانه الأعلى إلهاً آخر ؟
والواقع أن نيتشه لم يجعل الإنسان الأعلى قيمة عليا مطلقة
لأنه أراد به أن يكون وسيلة لبلوغ الإنسانية في عموميتها هذه المرتبة، وهو لم يجعل من الإنسان الذي يتفوق على ذاته إلهاً، لأنه لا يريد للتابع أن يبقى تابعاً، ولا للمتبوع أن يبقى متبوعاً، ذلك أن أشد إساءة للذات الإنسانية أن تبقى تابِعة، والتابِع لن يستطيع يوماً أن يتفوق على ذاته، لأنه سيبقى باحثاً عن ذاته خارجها، في حين أن الإنسان المتفوق لا يمكن أن يكون كذلك إذا لم يكن تفوقه على ذاته نفسها.
ولذلك فإن نيتشه - في إحدى خطب زرادشت - يأمر أتباعه أن يضيِّعوه ليجدوا أنفسهم، فأشد إساءة للمعلم أن يبقى التلميذ تلميذاً. يقول : "أنتم لم تبحثوا عن أنفسكم : هكذا وجدتموني، كذا يفعل كل المؤمنين، ولذلك ليس الإيمان بشيء ذي بال. والآن أطالبكم بأن تضيّعوني، وأن تجدوا أنفسكم، وإني لن أعود لكم إليكم إلا عندما تكونون قد أنكرتموني جميعاً".
الإنسان المتفوِّق هو الإنسان المحبّ للحياة، فالحياة عنده لا تتوقف مهما تعرض للنكسات . الإنسان المتفوق هو الإنسان الجبَّار القوي الذي لا ترهقه الظروف مهما قست، وذلك بخلاف الناس العاديين الذين تموت بهم الحيوية لمجرد المرض. فهؤلاء لا يؤمنون بالحياة، لذا تراهم يستسلمون للواقع القابع خلف إرادتهم، وهؤلاء حريٌ بهم أن يموتوا، لتخلو منهم الأرض ، ولا ينجو سوى الإنسان المتفوِّق.
الإنسان المتفوق هو الذي يحكم ذاته ، ولا يحتاج لمن يمثله في ميادين الحياة ، ويسمي نيتشه المدّعين بأنهم ممثِّلو الشعوب "حشرات المجتمع". إن نجاة الإنسان المتفوق تكون في ضمور صلاحيات هؤلاء ، وبالتالي فلا يمكن أن يحيا الإنسان المتفوق إلا إذا تخلَّى عن تأليه الحكومات ، وعن اعتبارها الموَّجه الرئيسي لحياة الفرد.
________________
✅ بيبلوغرافيا
📚 فريدريك نيتشه، هكذا تكلم زرادشت، ترجمة فليكس فارس، دار القلم، لبنان
📚 فريدريك نيتشه، هذا هو الإنسان، ترجمة علي مصباح، منشورات الجمل، لبنان.
📚 عبد الرحمن بدوي، نيتشه، وكالة المطبوعات، الكويت، ١٩٧٥.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة