U3F1ZWV6ZTM1MDgwNzg5ODg1MDQyX0ZyZWUyMjEzMTk5NTcyNTU4MA==

الاستبدادُ و الدِّين , عبدُ الرّحمن الكواكبيّ :

الحجم

- تضافَرت آراء أكثر العلماء الناظرين في التاريخ الطبيعي للأديان على أن الاستبداد السّياسي مُتوَّلِد من الاستبداد
الدّيني ، والبعضُ يقول إن لم يكن هناك توليد فهُما أخوان ، أبوهما التغلّب ، وأمَّهما الرياسة ، أو هما صِنوان قويّان بينهما رابطة الحاجة على التعاون لتذليل الإنسان.
والمُشاكَلة بينهما أنهما حاكِمان ، أحدهما في مملكةِ الأجسام ، والآخر في عالم القلوب. والفريقانِ مُصيبانِ في حكمهما بالنّظرِ إلى مغزى أساطيرِ الأوليّن والقسمِ التاريخي من التَّوراةِ والرسائل المُضافَة إلى الإنجيلِ ، ومُخطِئونَ في حقِّ الأقسامِ التعليمية الأخلاقية فيهما. كما هم مُخطِئون إذا نظروا إلى أنّ القرآن جاء مؤيِّداً للاستبدادِ السّياسي. وليس من العذرِ شيءٌ أن يقولوا : نحنُ لا نُدرِك دقائقَ القرآنِ نظراً لخفائها علينا في طيِّ بلاغته ، ووراء العلم بأسباب نزول آياتهِ ، وإنما نبني نتيجتنا على مُقدِّمات ما نشاهد عليه المُسلمين منذ قرون إلى الآن من استعانةِ مُستَّبدّيهم بالدِّين.

- يقول هؤلاء المُحرِّرون : إن التعاليم الدينية ، ومنها الكتب السماويّة تدعو البشر إلى خشية قوة عظيمة هائلة لا تُدرِك العقول كنهها ، قوّة تتهدد الإنسان بكل مصيبة في الحياةِ فقط ، كما عند البوذيّة واليهودية ، أو في الحياة وبعد الممات ، كما عند النصارى والإسلام ، تهديداً ترتعِد منه الفرائصُ ، فتخورُ القوى ، وتنذهل منه العقول فتستسلم للخبل والخمول. وهؤلاء المُهيّمنون على الأديان كم يُرهِبون الناس من غضبِ الله ، ويُنذرونهم بحلول عذابه عليهم ، ثم يُرشِدونهم إلى أن لا خلاص و لا مناصّ لهم إلّا بالالتجاء إلى سكان القبور الذين لهم دالّة بل سطوة على الله ، فيحمونهم من غضبهِ.
- ويقولون : إن السياسيين يبنون كذلك استبدادهم على أساس من هذا القبيل ، فهم يسترهِبون الناس بالتعالي الشخصي والتشامخ الحسّي ، ويُذلِّلونهم بالقهر والقوّة وسلبِ الأموال ، حتى يجعلونهم خاضعين لهم ، يتمتّعون بهم كأنهم نوع من الأنعامِ التي يشربون ألبانها ، ويأكلون لحومها و يركبون ظهورها ، وبها يتفاخرون.
_____________________
طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد ، عبد الرحمن الكواكبي ، تقديم : أسعد السحمراني ، دار النفائس ، بيروت.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة